20/11/2010
عمل سفيرا لمصر في الولايات المتحدة الأمريكية في فترة حرجة للغاية , وبعد اعتماده بـ 12 يوما وقعت حادثة مصر للطيران , وفي فترة خدمته حدثت تفجيرات سبتمبر وحرب أفغانستان والعراق , أيضا كانت فترة سوداء في عملية السلام العربية ـ الاسرائيلية , ومرحلة جفاء في العلاقات المصرية ـ الأمريكية ..
في حوار لا يخلو من الصراحة جلسنا مع السفير نبيل فهمي سفير مصر السابق في واشنطن , الذي وصفه الأمريكيون بالغلباوي .
كتب: شريف بديع النور
تصوير : محمد عادل
أنت من مواليد نيويورك سنة 1951, فهل تحمل الجنسية الأمريكية؟
والدي كان دبلوماسيا وكان يعمل في البعثة المصرية للأمم المتحدة في نيويورك وقت ولادتي ولكنني لم أحصل علي الجنسية الأمريكية لا وقتها ولا بعد ذلك , وسأحكي لك قصة طريفة , عندما ترشحت سفيرا في واشنطن كتبت إحدي الصحف الخاصة كيف تعينون سفيرا في واشنطن وهو أمريكاني طبعا الخارجية عارفة إني مش أمريكاني , ولكن السفارة الأمريكية في مصر قلقت فأرسلت تستفسر من الخارجية المصرية ما إذا كانت عندي جنسية أمريكية , والسبب بسيط وهو أنهم لن يعطوا لي حصانة كسفير لو كنت مواطنا أمريكيا , فإذا عرضت عليك جواز سفري فستجد مكتوبا في التأشيرة الحالية بجانب مكان الولادة عبارة وتم التأكد من عدم حيازته الجنسية الأمريكية .
كتبت في احدي مقالاتك في الأهرام أن الحديث عما يسمي بعملية السلام أصبح مكررا وأن الرأي العام ـ وأنت منه ـ قد مل أو يئس منه .. هل هذه هي صراحة ما بعد المنصب ؟
قصدت أن أكون صريحا وأثير انتباه الناس , أنا مؤمن بالسلام العربي ـ الاسرائيلي الشامل , أنا مارست عملية السلام ما يقرب من 30 سنة , وكل مرحلة كانت فيها إنجازات وإخفاقات في مؤتمر جنيف في السبعينيات كنا نتحدث عن شكل المائدة وهل هي حدوة حصان أم مربعة ومن سيجلس بجانب من وما هو أساس التفاوض ومن سيجلس علي رأس المائدة , ثم بعد حرب أكتوبر بدأت عملية السلام بشكل حقيقي لأنها عدلت ميزان القوي وجعلت كل طرف يتفاوض بثقة , وحصل اتفاق السلام المصري ـ الاسرائيلي وذهبت لمدريد في بداية التسعينيات وأصبح التفاوض بين إسرائيل وكل الدول العربية وتوصلنا إلي الاتفاق الأردني واتفاق أوسلو ومررنا في التسعينيات بمرحلة فيها تفاؤل بالغ , النهاردة بنتكلم عن استئناف مسار السلام وحكومة نتنياهو بتهود القدس وبتزود الاستيطان وتقول أن تواجدها في الضفة تواجد أبدي , إحنا بنرجع للوراء , هل نحن باستئناف المفاوضات سنتقدم أم أن استئنافها علي أسس غير سليمة سيعني الإقرار بالشروط الإسرائيلية التي تخل بعملية السلام .
ما تعليقك علي الجدل الدائر بخصوص تراجع أهمية الدور المصري في العالم العربي؟
لا يوجد شيء يستمر , لا أقصد بذلك أن دورنا انكمش , ولكن فكرة أن المنظومة تستمر علي ما كانت عليه فهذا تصور سلبي وغير سليم , فالريادة المصرية كانت ريادة فكرية , عمرها ما كانت مادية , عمرنا ما كنا دولة تشتري مواقف الغير , قوة ناعمة من أيام الفراعنة وحتي الآن , أنت كنت القوة الناعمة ومصدر الغالبية العظمي من كل التيارات السياسية والاقتصادية والفكرية في العالم العربي , الفكر يبدأ من عندك والباقي يأخذ موقف رد الفعل ! ومع الوقت تعددت الأصوات , بفضل جهد مصر في الكثير من الأحيان , ولكن المصريين لم يتعودوا علي أن هناك أصواتا أخري , هذا أول سبب للنزاعات , السبب الثاني أنه بكل صراحة خلال السنوات العشر الماضية الأمور في المنطقة تسير من سيئ إلي أسوأ , أيضا لأنه أصبحت هناك أصوات أخري تحقق نجاحات فالبعض أصبح يقلق , وأنا لا أري داعيا لهذا لأن طبيعة الأمور أنك لن تكون الوحيد طوال عمرك , لأنك لو نجحت سيظهر منافسون جدد , كثير من الاتفاقيات التي تمت بعيدا عن الطريق المصري فشلت ولم تستكمل , ومع ذلك أتمني أن تظهر دول أخري في المنطقة وتبني لنفسها أرضية تستطيع لعب دور مستمر من خلالها , إنما الريادة المصرية مستمرة , لا يجب أن نقلق من تحرك الغير مادام تحركا إيجابيا , العالم لم يعد قطبين وإنما متعدد الأطراف , إذا كان الأمريكان يتعاملون معه باعتباره متعدد الأطراف , أنت عاوز تتعامل مع الشرق الأوسط كما في الخمسينيات؟ لو عاوز تحافظ علي ريادتك لا تركز علي ما يفعله غيرك وإنما ركز علي عناصر القوة عندك التي أوصلتك إلي هذه القوة .
هل هذا الريادة كلفت مصر الكثير؟
إطلاقا , الريادة بدون شك مكلفة , إنما السلبية مكلفة أكثر , سأعطيك مثالا بسيطا جدا , الكتب المصرية تقرأ من المغرب إلي المشرق حتى العامية المصرية يفهمها المغاربة الذين لم يكونوا يتحدثون العربية من عشرين سنة , لايعني هذا أنك لم تخطئ وتدفع ثمن أخطائك , حرب اليمن مثلا كانت خطأ ودفعت ثمنه , نحن كرواد لم نكن معصومين من الخطأ ولكن كنا مسموعين .، أنا كدبلوماسي أتذكر أن الوفود العربية كانت تنتظر أن يتحدث مندوب مصر في الأمم المتحدة أو أي مؤتمر دولي قبل أن تقرر الحديث أم لا , علشان تسمع المصري هيقول إيه , حتي لو اختلف معاك , إحنا دايما بنبسط الأمور ونقول إن الريادة كلفتنا أن نحارب من أجل العرب ... هذا ليس صحيحا , إنت حاربت سنة 48 لأنه حدث احتلال لفلسطين وهذا له حساب معين في منظومة الأمن القومي المصري , في 56 تم الاعتداء عليك , في 67 بصراحة كان تقديرا خاطئا منا للمعادلة السياسية , في 73 حاربت من أجل تحرير أرضك , فمسألة تحميل الغير كل أخطائك أو الثمن فهذا يعكس عدم ثقة في النفس , الدولة الرائدة تتحرك عبر منظور وطني قومي .
دائما نسمع عن الفشل العربي في الوصول إلي المواطن الغربي والأمريكي , رغم سعيهم للوصول إلينا عن طريق العديد من القنوات الفضائية .. هل توافق علي ذلك؟ !
بالفعل نحن فشلنا في التأثير السريع والكافي في الساحة الأمريكية تحديدا والغربية بشكل عام , لمجموعة أسباب : كنا نحاول التأثير عليهم من الخارج , بمعني إقناعهم فقط من خلال السفراء والوفود أو الإعلام الخارجي , أغلب الأنظمة في العالم وخاصة الديمقراطية تتأثر أساسا بالضغوط الداخلية , إذن المطلوب أن تفعل وتنشط الصداقات الداخلية لكي يتحدث المواطن الأمريكي من أصل عربي في صالح قضيتك ويشارك سياسيا , لأنه لو شارك في الحملات الانتخابية وأصبح له تأثير سيلتفت لك الناخبون ، عندما تتحدث من الخارج سيستمع لك مرة واثنتين ولكن لا توجد تكلفة سياسية لعدم الاستجابة لك , مالكش صوت عنده , إلا لو كنت قادرا علي أن تقول : هقفل بير البترول والأسواق دي وهمنع مرور السفن من عندي .، وأنا في واشنطن وضعت خطة إعلامية للسفراء العرب داخلية وخارجية , جزءا منها تنشيط داخلي وإنشاء مراكز بحثية في أمريكا , وجزءا منها خارجي في استخدام الإعلام المرئي والإلكتروني , وأرسلت هذه الخطة لوزراء الإعلام العرب في الجامعة العربية فخصصوا لها مليون دولار !! مما يعكس عدم الجدية , مليون دولار مايكفوش أسبوع , الخطة وضعت في درج مكتب ممثل الجامعة العربية في واشنطن وأعتقد أنها لسة موجودة هناك .
وهل استطعت أن تدفع الجالية المصرية لتقوم بدور؟
بصراحة قامت , والجالية العربية الأمريكية موقفها الآن أفضل بكثير مما كانت عليه , قبل كده لم يكونوا يحسبون أساسا في العملية الانتخابية , الآن أصبح لهم صوت , وتوجد منظمة لمكافحة التمييز ضد العالم العربي وغير ذ لك , ويوجد الآن عدد من أعضاء الكونجرس من أصل عربي , أي هناك تقدم ولكن المشوار مازال طويلا في الحقيقة .
هل حقق عملك في هذه النقطة النتيجة المرجوة؟
النتيجة المرجوة لأ , أما النتيجة الجيدة فنعم , بمعني أن الخطأ كان كبيرا جدا , نحن كنا متهمين بدون أي حق , بدون شك الإرهابيين كانوا عربا ولكن الإدانة كانت للمجتمع وهذه الإدانة غير سليمة , وإنما كانت قاسية , علي سبيل المثال إسرائيل كانت تتبني حملة يظهر فيها مقطع لأي عمل إرهابي وبعده يظهر عنوان مكتوبا فيه إسرائيل هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط , فكان عليك أن تواجه هذا , وأعتقد أنني نجحت في كبح جماح هذه الحملة والحد من الضرر , لم نصل إلي المستوي المطلوب لأن الضرر كان كبيرا ولأن الحدث نفسه وهو ـ 11 سبتمبر ـ كان قد حدث ولا يمكن أن ننكره .
ماهي أسباب التوتر الذي حدث في العلاقات ــ المصرية الأمريكية ــ في عهد الرئيس بوش؟
العلاقات المصرية ـ الأمريكية كانت خشنة وغير مريحة أغلب فترات الرئيس بوش وإنما ليست كلها , في البداية كانت طيبة , مع تداعيات 11 سبتمبر بدأت تسوء عندما نظرت الولايات المتحدة للعالم فقط من زاوية مكافحة الإرهاب وسمحت لبعض التيارات السياسية الأمريكية اختزال كل العلاقة والمشكلة في إن الإرهاب أساسه عدم وجود الديمقراطية في الشرق الأوسط , وباعتبار أن مصر رائدة الشرق الأوسط فإذن المشكلة تنبع من عندها وأن أسلوب الحديث مع مصر هو المواجهة وليس التحاور باحترام حتى ولو اختلفنا حصل جفاف وخشونة في العلاقة بيننا , ومع انهيار عملية السلام وحرب العراق , أصبح هناك تصاعد في القضايا , يمكن من بعد حوالي سنة ونصف من بداية الرئيس بوش إلي بداية ولايته الثانية كان هناك تصعيد مستمر وتوتر بيننا وبينهم , الرئيس مبارك مع هذا زار الولايات حتى قبل احتلالها للعراق وبعد ذلك لم يدخلها نظرا لأسلوب تعامل الإدارة الأمريكية , إنما الرئيس بوش زار مصر رغم أن العلاقات كان فيها قدر من التوتر .
تقول إن رأي الشارع له أهمية , البعض في الشارع يرون أن علاقتنا بأمريكا فيها نوع من التبعية ؟
أكرر أن رأي الشارع مهم , لكن مسألة التبعية غير سليمة وسأعطيك أمثلة صريحة , في سنة 73 الرئيس السادات دخل الحرب رغم أن هذا القرار لم يعجب لا الروس ولا الأمريكان , بعد ذلك عندما أعاد الرئيس مبارك العرب إلي مصر كانت أمريكا غير راضية عن هذا , كما رفضنا مشاركتهم في دخول العراق مع بوش الابن , الخشونة بيننا وبين أمريكا كانت نتيجة لأسلوب التعامل وليس لاختلاف المواقف ، في مرحلة معينة وأنا سفير في واشنطن قبل حادثة محددة ذهبت إلي مستشار الأمن القومي وقلت له أنا كده شامم إن فيه خطوة هتعملوها , ولو عملتوها لن تحصلوا علي موافقة مصر علي أي شيء حتى انتهاء ولاية بوش , بدون مواجهة , كل شيء هتطلبوه مش هنرد عليه , وهقولهالك مرة واحدة , هتلاقي مننا أذنا من طين وأذنا من عجين ولن تسمع منا شيئا بعد ذلك ولا حتي لأ وحصل فعلا وقالوا ما كنت أحذر منه والرئيس مبارك لم يضع قدمه في أمريكا بعد ذلك , رغم أن بوش زار مصر أربع أو خمس مرات بعد ذلك آخرها زيارة شرم الشيخ , إذا كانت هناك تبعية فأين هي؟؟ الاتهام بالتبعية فيه الكثير من المبالغة ، أنا لا أحب أن نبالغ في حجمنا , ولا كمان نقلل من أنفسنا .
بمناسبة حديثك عن زيارة بوش لشرم الشيخ .. يقال إنك علمت أن خطابه تضمن كلاما غير لائق وأنك طلبت تغييره ورفضت توضيح ماهو أكثر , هل يمكن أن توضح الآن ما هو أكثر؟
العلاقة بيني وبين إدارة بوش كانت علاقة غريبة جدا , ثماني سنوات من الشد والجذب , أنا كنت فاهم النظام الأمريكي وهو نظام جدلي صريح , إنك تقول للأعور إنت أعور في عينه , طالما قلتها له بمنطق فعليه أن يتقبلها بدون زعل , أنا كنت صريحا جدا , نتيجة لذلك فرغم إنهم عارفون إنهم يمكن أن يأخذوا ردا لن يعجبهم كانوا يهتمون بأن يستمعوا لرأيي , ويعرفوا إني غلباوي ودماغي ناشفة ، بوش وهو في طريقة إلي مطار أندروس اتصل بي نائب مستشار الأمن القومي وقال لي إنه مكلف بأن يقرأ لي ما سيقوله الرئيس بوش في القاهرة , وفيه كلام حلو كثير , فقلت له طيب هات من الآخر أصل لو كلام حلو لماذا سيقرؤه لي؟, وهات من الآخر لفظ بصراحة اقتبسته من الرئيس مبارك دائما عندما تعرض عليه شيئا يعرف أصله يقول لك هات من الآخر , فقرأ الإيجابيات أولا وأنا أسمع بأذن واحدة وأنتظر ما سيفاجئني به , حتى وصل لجزء جعلني أشك إذا كان هؤلاء الناس عاقلة , كيف يقال هذا الكلام في أي مكان في العالم وكيف يقال في الدولة المضيفة , فقلت له : لو إنتم عاوزين تقولو هذا الكلام فوضح لي هدفكم من الزيارة , فقال لي يعني ايه؟؟ فقلت له وضح لي هدفكم من الزيارة فقال لي أنا غير مفوض أن أتفاوض معك فقلت له أنت من تكلمت لأن رئيسك طلب رأيي , وأنا أقول لك قل لمن قال لك إذا أردت أن تقول هذا الكلام فلماذا ستذهب إلي مصر؟؟ الرجل إتخض , بعدها بساعة كلموني من الطائرة إنت قلت لفلان كذا , إنت بتتكلم جد؟؟ فقلت له أيوه وسأكرر لك مرة أخري , لو إنت عاوز تقول هذا الكلام وضح لي لماذا ستذهب إلي مصر؟؟ فقال لي : هل تعرف معني ماتقوله؟؟ فقلت له أعرفه بالضبط وأقوله لك لأنك طلبت رأيي .. ومش هكملك القصة .
لماذا؟
هذا ما فيه الكفاية .. بالمناسبة هذه القصة لم أحكها من قبل .
ولكن توجد مواقف أخري بالتأكيد نجحت الإدارة الأمريكية بالضغط عليكم فيها؟
هذا طبيعي مادام هذا لن يضر بمصلحة مصر , كما أننا كنا نضغط عليهم وأحيانا ننجح وأحيانا نفشل , نعم فشلنا مثلا بإقناعهم بعدم غزو العراق أو بأهمية استئناف عملية السلام أو بعدم إعطاء ضمانات لشارون , ولكن نجحنا في أمور أخري .
وماذا عن نجاح أمريكا في الضغط علي مصر لتقبل بمد معاهدة منع الانتشار النووي إلي مالا نهاية؟
هذا الموقف بالتحديد يبين لك مدي قوة الموقف المصري , دول عدم الانحياز كانت قد اتفقت علي مد المعاهدة 25 سنة فقط , ولكن أمريكا نجحت في شق موقفهم بعد أن أعلنت جنوب أفريقيا خروجها عن موقف عدم الانحياز وتأييدها لمد المعاهدة إلي مالا نهاية , وذهبنا للتفاوض فوجدنا أننا أصبحنا وحدنا , نحن فقط الذين نرفض والباقي يقف في موقف المتفرج , فاشترطنا أن يوضع نص في المعاهدة لإخلاء منطقة الشرق الأوسط وإسرائيل من أسلحة الدمار الشامل , فإتشال الأمريكان وإتحطو وبعثوا برسائل للرئيس مبارك يقولون فيها إن الوفد المصري يفسد المؤتمر بمواقفه المتشددة , وكان هذا أيام الرئيس كلينتون ووقتها كانت العلاقات المصرية الأمريكية كأفضل ما يكون , ورغم هذا لم يأتنا أي تعليق من الرئاسة في مصر , وعندما رفضوا تماما وضع إسرائيل في المعاهدة اشترطنا أن تنص منطقة الشرق الأوسط وأن يكون هذا برعاية أمريكية وبريطانية , ولم يكن الأمر سهلا , ولكن في المساء وافقوا علي ماقلناه , من يقول إن العلاقة بينا وبين أمريكا علاقة تبعية كان يأتي ليتفرج علي مصر وهي تعترض علي ماتريده أمريكا وتعطله بينما أكثر من 150 دولة تتفرج علي الخناقة اللي بينا !!
وماذا عن المعونة الأمريكية لمصر والتي شهد الحديث حولها جدلا كبيرا في ذلك الوقت؟
طوال مدة وجودي في أمريكا لم تنقص المساعدات الأمريكية مليما واحدا , وعندما حاولوا ربط المساعدات الاقتصادية بالإصلاح السياسي رفضت أن أكمل المناقشة , حتي عندما ربطوا بين اتفاقية التجارة الحرة مع أمريكا بالإصلاح السياسي قلت لهم شكرا نحن لانريدها , ولم أكن أقبل نهائيا أي تدخل في شئون مصر الداخلية .
ما هي أصعب أيامك في أمريكا؟
حادثة مصر للطيران , أولا لأنه كان موضوعا إنسانيا وشعرت بمسئولية تجاه عائلات الضحايا ولم تكن لدي إجابة بعد الحادثة مباشرة , كل من علي الطائرة ماتوا , فكان صعبا من ناحية أنك ممثل مصر وهذه طائرة مصرية والكل ينظر لك ويريد منك الإجابة التي لاتملكها , مرة واحدة وجدت نفسي أبا لمائتي عائلة , لاتعرف من مات ومن نجا وللأسف كانت هذه الحادثة بعد 12 يوما من وصولي لأمريكا , هذا علي المستوي الشخصي , أما علي المستوي المهني فكان مابعد 11 سبتمبر , المواجهة التي كنا فيها لم تكن دبلوماسية ولاحتي إعلامية , كانت حضارية الناس كانت تتساءل إن كنت إنسانا أم إرهابيا قاتلا أم متحضرا , أسئلة تجعلك بعد دخولك للمحاضرات وتلقي الأسئلة تخرج من الجلسة وتشعر كأنك اتصفيت , متهم في هويتك وديانتك , كانت عملية صعبة علي المستوي المهني , لكن مادمت تشرفت بتمثيل بلدك في الخارج فعليك أن تتعامل مع كل المواقف , ولكن للحقيقة أري أن المشكلة الأكبر هي مشكلة حادث مصر للطيران وحتي الآن متأثر بها .
هل سمعت بعض التكهنات التي تشير إلي احتمال تعرض الطائرة لعمل تخريبي متعمد أو تفجيرها؟
سمعته , القصة كلها من أولها لآخرها ملخبطة , أول ماحدثت الحادثة اتصل بي الأمريكان الساعة 2 الصبح وقالوا لي طائرتك وقعت فقلت لهم أين؟ فقالوا إن آخر إتصال بها تم عند مطار أندرسو , فقلت لهم وما الذي ذهب بها إلي هناك؟، بعد قليل قالوا لي إن هناك لخبطة وإنها سقطت بالقرب من كندا , أول ماطلعوا الصندوق الأسود سمعوه ووصلوا لنتائج أولية , فكلمني نائب وزير الخارجية وطلب مني أن اسمع التسجيل فرفضت , فقال لي لماذا؟ فقلت له لأنه موضوع فني يتحدث فيه الخبراء ولا علاقة له بالسياسيين , فقال لي أرجوك أن تسمعة لتكون مطمئنا لنتيجة التحقيقات وحتي تفهم الموضوع , فذهبت وسمعت الشريط ولم أجد عليه أي شيء يجعلني أصل لقناعة إنه انتحار , الكلام كله دارج , مسلم أو مسيحي بيقول توكلت علي الله , هم فسروه من خلال المترجم علي أنه بداية انتحار , في اليوم التالي وجدت تسريبات للجرائدو أن هناك انتحارا , التقرير النهائي قال إن الطائرة نزلت من 31 ألف قدم وحتي 21 ألف قدم بنزول منتظم , بعد كده تفتت , لايوجد دليل علي أي إنفجار أو حريق , ولم يحسم سبب ماحدث لها .
عمل سفيرا لمصر في الولايات المتحدة الأمريكية في فترة حرجة للغاية , وبعد اعتماده بـ 12 يوما وقعت حادثة مصر للطيران , وفي فترة خدمته حدثت تفجيرات سبتمبر وحرب أفغانستان والعراق , أيضا كانت فترة سوداء في عملية السلام العربية ـ الاسرائيلية , ومرحلة جفاء في العلاقات المصرية ـ الأمريكية ..
في حوار لا يخلو من الصراحة جلسنا مع السفير نبيل فهمي سفير مصر السابق في واشنطن , الذي وصفه الأمريكيون بالغلباوي .
كتب: شريف بديع النور
تصوير : محمد عادل
أنت من مواليد نيويورك سنة 1951, فهل تحمل الجنسية الأمريكية؟
والدي كان دبلوماسيا وكان يعمل في البعثة المصرية للأمم المتحدة في نيويورك وقت ولادتي ولكنني لم أحصل علي الجنسية الأمريكية لا وقتها ولا بعد ذلك , وسأحكي لك قصة طريفة , عندما ترشحت سفيرا في واشنطن كتبت إحدي الصحف الخاصة كيف تعينون سفيرا في واشنطن وهو أمريكاني طبعا الخارجية عارفة إني مش أمريكاني , ولكن السفارة الأمريكية في مصر قلقت فأرسلت تستفسر من الخارجية المصرية ما إذا كانت عندي جنسية أمريكية , والسبب بسيط وهو أنهم لن يعطوا لي حصانة كسفير لو كنت مواطنا أمريكيا , فإذا عرضت عليك جواز سفري فستجد مكتوبا في التأشيرة الحالية بجانب مكان الولادة عبارة وتم التأكد من عدم حيازته الجنسية الأمريكية .
كتبت في احدي مقالاتك في الأهرام أن الحديث عما يسمي بعملية السلام أصبح مكررا وأن الرأي العام ـ وأنت منه ـ قد مل أو يئس منه .. هل هذه هي صراحة ما بعد المنصب ؟
قصدت أن أكون صريحا وأثير انتباه الناس , أنا مؤمن بالسلام العربي ـ الاسرائيلي الشامل , أنا مارست عملية السلام ما يقرب من 30 سنة , وكل مرحلة كانت فيها إنجازات وإخفاقات في مؤتمر جنيف في السبعينيات كنا نتحدث عن شكل المائدة وهل هي حدوة حصان أم مربعة ومن سيجلس بجانب من وما هو أساس التفاوض ومن سيجلس علي رأس المائدة , ثم بعد حرب أكتوبر بدأت عملية السلام بشكل حقيقي لأنها عدلت ميزان القوي وجعلت كل طرف يتفاوض بثقة , وحصل اتفاق السلام المصري ـ الاسرائيلي وذهبت لمدريد في بداية التسعينيات وأصبح التفاوض بين إسرائيل وكل الدول العربية وتوصلنا إلي الاتفاق الأردني واتفاق أوسلو ومررنا في التسعينيات بمرحلة فيها تفاؤل بالغ , النهاردة بنتكلم عن استئناف مسار السلام وحكومة نتنياهو بتهود القدس وبتزود الاستيطان وتقول أن تواجدها في الضفة تواجد أبدي , إحنا بنرجع للوراء , هل نحن باستئناف المفاوضات سنتقدم أم أن استئنافها علي أسس غير سليمة سيعني الإقرار بالشروط الإسرائيلية التي تخل بعملية السلام .
ما تعليقك علي الجدل الدائر بخصوص تراجع أهمية الدور المصري في العالم العربي؟
لا يوجد شيء يستمر , لا أقصد بذلك أن دورنا انكمش , ولكن فكرة أن المنظومة تستمر علي ما كانت عليه فهذا تصور سلبي وغير سليم , فالريادة المصرية كانت ريادة فكرية , عمرها ما كانت مادية , عمرنا ما كنا دولة تشتري مواقف الغير , قوة ناعمة من أيام الفراعنة وحتي الآن , أنت كنت القوة الناعمة ومصدر الغالبية العظمي من كل التيارات السياسية والاقتصادية والفكرية في العالم العربي , الفكر يبدأ من عندك والباقي يأخذ موقف رد الفعل ! ومع الوقت تعددت الأصوات , بفضل جهد مصر في الكثير من الأحيان , ولكن المصريين لم يتعودوا علي أن هناك أصواتا أخري , هذا أول سبب للنزاعات , السبب الثاني أنه بكل صراحة خلال السنوات العشر الماضية الأمور في المنطقة تسير من سيئ إلي أسوأ , أيضا لأنه أصبحت هناك أصوات أخري تحقق نجاحات فالبعض أصبح يقلق , وأنا لا أري داعيا لهذا لأن طبيعة الأمور أنك لن تكون الوحيد طوال عمرك , لأنك لو نجحت سيظهر منافسون جدد , كثير من الاتفاقيات التي تمت بعيدا عن الطريق المصري فشلت ولم تستكمل , ومع ذلك أتمني أن تظهر دول أخري في المنطقة وتبني لنفسها أرضية تستطيع لعب دور مستمر من خلالها , إنما الريادة المصرية مستمرة , لا يجب أن نقلق من تحرك الغير مادام تحركا إيجابيا , العالم لم يعد قطبين وإنما متعدد الأطراف , إذا كان الأمريكان يتعاملون معه باعتباره متعدد الأطراف , أنت عاوز تتعامل مع الشرق الأوسط كما في الخمسينيات؟ لو عاوز تحافظ علي ريادتك لا تركز علي ما يفعله غيرك وإنما ركز علي عناصر القوة عندك التي أوصلتك إلي هذه القوة .
هل هذا الريادة كلفت مصر الكثير؟
إطلاقا , الريادة بدون شك مكلفة , إنما السلبية مكلفة أكثر , سأعطيك مثالا بسيطا جدا , الكتب المصرية تقرأ من المغرب إلي المشرق حتى العامية المصرية يفهمها المغاربة الذين لم يكونوا يتحدثون العربية من عشرين سنة , لايعني هذا أنك لم تخطئ وتدفع ثمن أخطائك , حرب اليمن مثلا كانت خطأ ودفعت ثمنه , نحن كرواد لم نكن معصومين من الخطأ ولكن كنا مسموعين .، أنا كدبلوماسي أتذكر أن الوفود العربية كانت تنتظر أن يتحدث مندوب مصر في الأمم المتحدة أو أي مؤتمر دولي قبل أن تقرر الحديث أم لا , علشان تسمع المصري هيقول إيه , حتي لو اختلف معاك , إحنا دايما بنبسط الأمور ونقول إن الريادة كلفتنا أن نحارب من أجل العرب ... هذا ليس صحيحا , إنت حاربت سنة 48 لأنه حدث احتلال لفلسطين وهذا له حساب معين في منظومة الأمن القومي المصري , في 56 تم الاعتداء عليك , في 67 بصراحة كان تقديرا خاطئا منا للمعادلة السياسية , في 73 حاربت من أجل تحرير أرضك , فمسألة تحميل الغير كل أخطائك أو الثمن فهذا يعكس عدم ثقة في النفس , الدولة الرائدة تتحرك عبر منظور وطني قومي .
دائما نسمع عن الفشل العربي في الوصول إلي المواطن الغربي والأمريكي , رغم سعيهم للوصول إلينا عن طريق العديد من القنوات الفضائية .. هل توافق علي ذلك؟ !
بالفعل نحن فشلنا في التأثير السريع والكافي في الساحة الأمريكية تحديدا والغربية بشكل عام , لمجموعة أسباب : كنا نحاول التأثير عليهم من الخارج , بمعني إقناعهم فقط من خلال السفراء والوفود أو الإعلام الخارجي , أغلب الأنظمة في العالم وخاصة الديمقراطية تتأثر أساسا بالضغوط الداخلية , إذن المطلوب أن تفعل وتنشط الصداقات الداخلية لكي يتحدث المواطن الأمريكي من أصل عربي في صالح قضيتك ويشارك سياسيا , لأنه لو شارك في الحملات الانتخابية وأصبح له تأثير سيلتفت لك الناخبون ، عندما تتحدث من الخارج سيستمع لك مرة واثنتين ولكن لا توجد تكلفة سياسية لعدم الاستجابة لك , مالكش صوت عنده , إلا لو كنت قادرا علي أن تقول : هقفل بير البترول والأسواق دي وهمنع مرور السفن من عندي .، وأنا في واشنطن وضعت خطة إعلامية للسفراء العرب داخلية وخارجية , جزءا منها تنشيط داخلي وإنشاء مراكز بحثية في أمريكا , وجزءا منها خارجي في استخدام الإعلام المرئي والإلكتروني , وأرسلت هذه الخطة لوزراء الإعلام العرب في الجامعة العربية فخصصوا لها مليون دولار !! مما يعكس عدم الجدية , مليون دولار مايكفوش أسبوع , الخطة وضعت في درج مكتب ممثل الجامعة العربية في واشنطن وأعتقد أنها لسة موجودة هناك .
وهل استطعت أن تدفع الجالية المصرية لتقوم بدور؟
بصراحة قامت , والجالية العربية الأمريكية موقفها الآن أفضل بكثير مما كانت عليه , قبل كده لم يكونوا يحسبون أساسا في العملية الانتخابية , الآن أصبح لهم صوت , وتوجد منظمة لمكافحة التمييز ضد العالم العربي وغير ذ لك , ويوجد الآن عدد من أعضاء الكونجرس من أصل عربي , أي هناك تقدم ولكن المشوار مازال طويلا في الحقيقة .
هل حقق عملك في هذه النقطة النتيجة المرجوة؟
النتيجة المرجوة لأ , أما النتيجة الجيدة فنعم , بمعني أن الخطأ كان كبيرا جدا , نحن كنا متهمين بدون أي حق , بدون شك الإرهابيين كانوا عربا ولكن الإدانة كانت للمجتمع وهذه الإدانة غير سليمة , وإنما كانت قاسية , علي سبيل المثال إسرائيل كانت تتبني حملة يظهر فيها مقطع لأي عمل إرهابي وبعده يظهر عنوان مكتوبا فيه إسرائيل هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط , فكان عليك أن تواجه هذا , وأعتقد أنني نجحت في كبح جماح هذه الحملة والحد من الضرر , لم نصل إلي المستوي المطلوب لأن الضرر كان كبيرا ولأن الحدث نفسه وهو ـ 11 سبتمبر ـ كان قد حدث ولا يمكن أن ننكره .
ماهي أسباب التوتر الذي حدث في العلاقات ــ المصرية الأمريكية ــ في عهد الرئيس بوش؟
العلاقات المصرية ـ الأمريكية كانت خشنة وغير مريحة أغلب فترات الرئيس بوش وإنما ليست كلها , في البداية كانت طيبة , مع تداعيات 11 سبتمبر بدأت تسوء عندما نظرت الولايات المتحدة للعالم فقط من زاوية مكافحة الإرهاب وسمحت لبعض التيارات السياسية الأمريكية اختزال كل العلاقة والمشكلة في إن الإرهاب أساسه عدم وجود الديمقراطية في الشرق الأوسط , وباعتبار أن مصر رائدة الشرق الأوسط فإذن المشكلة تنبع من عندها وأن أسلوب الحديث مع مصر هو المواجهة وليس التحاور باحترام حتى ولو اختلفنا حصل جفاف وخشونة في العلاقة بيننا , ومع انهيار عملية السلام وحرب العراق , أصبح هناك تصاعد في القضايا , يمكن من بعد حوالي سنة ونصف من بداية الرئيس بوش إلي بداية ولايته الثانية كان هناك تصعيد مستمر وتوتر بيننا وبينهم , الرئيس مبارك مع هذا زار الولايات حتى قبل احتلالها للعراق وبعد ذلك لم يدخلها نظرا لأسلوب تعامل الإدارة الأمريكية , إنما الرئيس بوش زار مصر رغم أن العلاقات كان فيها قدر من التوتر .
تقول إن رأي الشارع له أهمية , البعض في الشارع يرون أن علاقتنا بأمريكا فيها نوع من التبعية ؟
أكرر أن رأي الشارع مهم , لكن مسألة التبعية غير سليمة وسأعطيك أمثلة صريحة , في سنة 73 الرئيس السادات دخل الحرب رغم أن هذا القرار لم يعجب لا الروس ولا الأمريكان , بعد ذلك عندما أعاد الرئيس مبارك العرب إلي مصر كانت أمريكا غير راضية عن هذا , كما رفضنا مشاركتهم في دخول العراق مع بوش الابن , الخشونة بيننا وبين أمريكا كانت نتيجة لأسلوب التعامل وليس لاختلاف المواقف ، في مرحلة معينة وأنا سفير في واشنطن قبل حادثة محددة ذهبت إلي مستشار الأمن القومي وقلت له أنا كده شامم إن فيه خطوة هتعملوها , ولو عملتوها لن تحصلوا علي موافقة مصر علي أي شيء حتى انتهاء ولاية بوش , بدون مواجهة , كل شيء هتطلبوه مش هنرد عليه , وهقولهالك مرة واحدة , هتلاقي مننا أذنا من طين وأذنا من عجين ولن تسمع منا شيئا بعد ذلك ولا حتي لأ وحصل فعلا وقالوا ما كنت أحذر منه والرئيس مبارك لم يضع قدمه في أمريكا بعد ذلك , رغم أن بوش زار مصر أربع أو خمس مرات بعد ذلك آخرها زيارة شرم الشيخ , إذا كانت هناك تبعية فأين هي؟؟ الاتهام بالتبعية فيه الكثير من المبالغة ، أنا لا أحب أن نبالغ في حجمنا , ولا كمان نقلل من أنفسنا .
بمناسبة حديثك عن زيارة بوش لشرم الشيخ .. يقال إنك علمت أن خطابه تضمن كلاما غير لائق وأنك طلبت تغييره ورفضت توضيح ماهو أكثر , هل يمكن أن توضح الآن ما هو أكثر؟
العلاقة بيني وبين إدارة بوش كانت علاقة غريبة جدا , ثماني سنوات من الشد والجذب , أنا كنت فاهم النظام الأمريكي وهو نظام جدلي صريح , إنك تقول للأعور إنت أعور في عينه , طالما قلتها له بمنطق فعليه أن يتقبلها بدون زعل , أنا كنت صريحا جدا , نتيجة لذلك فرغم إنهم عارفون إنهم يمكن أن يأخذوا ردا لن يعجبهم كانوا يهتمون بأن يستمعوا لرأيي , ويعرفوا إني غلباوي ودماغي ناشفة ، بوش وهو في طريقة إلي مطار أندروس اتصل بي نائب مستشار الأمن القومي وقال لي إنه مكلف بأن يقرأ لي ما سيقوله الرئيس بوش في القاهرة , وفيه كلام حلو كثير , فقلت له طيب هات من الآخر أصل لو كلام حلو لماذا سيقرؤه لي؟, وهات من الآخر لفظ بصراحة اقتبسته من الرئيس مبارك دائما عندما تعرض عليه شيئا يعرف أصله يقول لك هات من الآخر , فقرأ الإيجابيات أولا وأنا أسمع بأذن واحدة وأنتظر ما سيفاجئني به , حتى وصل لجزء جعلني أشك إذا كان هؤلاء الناس عاقلة , كيف يقال هذا الكلام في أي مكان في العالم وكيف يقال في الدولة المضيفة , فقلت له : لو إنتم عاوزين تقولو هذا الكلام فوضح لي هدفكم من الزيارة , فقال لي يعني ايه؟؟ فقلت له وضح لي هدفكم من الزيارة فقال لي أنا غير مفوض أن أتفاوض معك فقلت له أنت من تكلمت لأن رئيسك طلب رأيي , وأنا أقول لك قل لمن قال لك إذا أردت أن تقول هذا الكلام فلماذا ستذهب إلي مصر؟؟ الرجل إتخض , بعدها بساعة كلموني من الطائرة إنت قلت لفلان كذا , إنت بتتكلم جد؟؟ فقلت له أيوه وسأكرر لك مرة أخري , لو إنت عاوز تقول هذا الكلام وضح لي لماذا ستذهب إلي مصر؟؟ فقال لي : هل تعرف معني ماتقوله؟؟ فقلت له أعرفه بالضبط وأقوله لك لأنك طلبت رأيي .. ومش هكملك القصة .
لماذا؟
هذا ما فيه الكفاية .. بالمناسبة هذه القصة لم أحكها من قبل .
ولكن توجد مواقف أخري بالتأكيد نجحت الإدارة الأمريكية بالضغط عليكم فيها؟
هذا طبيعي مادام هذا لن يضر بمصلحة مصر , كما أننا كنا نضغط عليهم وأحيانا ننجح وأحيانا نفشل , نعم فشلنا مثلا بإقناعهم بعدم غزو العراق أو بأهمية استئناف عملية السلام أو بعدم إعطاء ضمانات لشارون , ولكن نجحنا في أمور أخري .
وماذا عن نجاح أمريكا في الضغط علي مصر لتقبل بمد معاهدة منع الانتشار النووي إلي مالا نهاية؟
هذا الموقف بالتحديد يبين لك مدي قوة الموقف المصري , دول عدم الانحياز كانت قد اتفقت علي مد المعاهدة 25 سنة فقط , ولكن أمريكا نجحت في شق موقفهم بعد أن أعلنت جنوب أفريقيا خروجها عن موقف عدم الانحياز وتأييدها لمد المعاهدة إلي مالا نهاية , وذهبنا للتفاوض فوجدنا أننا أصبحنا وحدنا , نحن فقط الذين نرفض والباقي يقف في موقف المتفرج , فاشترطنا أن يوضع نص في المعاهدة لإخلاء منطقة الشرق الأوسط وإسرائيل من أسلحة الدمار الشامل , فإتشال الأمريكان وإتحطو وبعثوا برسائل للرئيس مبارك يقولون فيها إن الوفد المصري يفسد المؤتمر بمواقفه المتشددة , وكان هذا أيام الرئيس كلينتون ووقتها كانت العلاقات المصرية الأمريكية كأفضل ما يكون , ورغم هذا لم يأتنا أي تعليق من الرئاسة في مصر , وعندما رفضوا تماما وضع إسرائيل في المعاهدة اشترطنا أن تنص منطقة الشرق الأوسط وأن يكون هذا برعاية أمريكية وبريطانية , ولم يكن الأمر سهلا , ولكن في المساء وافقوا علي ماقلناه , من يقول إن العلاقة بينا وبين أمريكا علاقة تبعية كان يأتي ليتفرج علي مصر وهي تعترض علي ماتريده أمريكا وتعطله بينما أكثر من 150 دولة تتفرج علي الخناقة اللي بينا !!
وماذا عن المعونة الأمريكية لمصر والتي شهد الحديث حولها جدلا كبيرا في ذلك الوقت؟
طوال مدة وجودي في أمريكا لم تنقص المساعدات الأمريكية مليما واحدا , وعندما حاولوا ربط المساعدات الاقتصادية بالإصلاح السياسي رفضت أن أكمل المناقشة , حتي عندما ربطوا بين اتفاقية التجارة الحرة مع أمريكا بالإصلاح السياسي قلت لهم شكرا نحن لانريدها , ولم أكن أقبل نهائيا أي تدخل في شئون مصر الداخلية .
ما هي أصعب أيامك في أمريكا؟
حادثة مصر للطيران , أولا لأنه كان موضوعا إنسانيا وشعرت بمسئولية تجاه عائلات الضحايا ولم تكن لدي إجابة بعد الحادثة مباشرة , كل من علي الطائرة ماتوا , فكان صعبا من ناحية أنك ممثل مصر وهذه طائرة مصرية والكل ينظر لك ويريد منك الإجابة التي لاتملكها , مرة واحدة وجدت نفسي أبا لمائتي عائلة , لاتعرف من مات ومن نجا وللأسف كانت هذه الحادثة بعد 12 يوما من وصولي لأمريكا , هذا علي المستوي الشخصي , أما علي المستوي المهني فكان مابعد 11 سبتمبر , المواجهة التي كنا فيها لم تكن دبلوماسية ولاحتي إعلامية , كانت حضارية الناس كانت تتساءل إن كنت إنسانا أم إرهابيا قاتلا أم متحضرا , أسئلة تجعلك بعد دخولك للمحاضرات وتلقي الأسئلة تخرج من الجلسة وتشعر كأنك اتصفيت , متهم في هويتك وديانتك , كانت عملية صعبة علي المستوي المهني , لكن مادمت تشرفت بتمثيل بلدك في الخارج فعليك أن تتعامل مع كل المواقف , ولكن للحقيقة أري أن المشكلة الأكبر هي مشكلة حادث مصر للطيران وحتي الآن متأثر بها .
هل سمعت بعض التكهنات التي تشير إلي احتمال تعرض الطائرة لعمل تخريبي متعمد أو تفجيرها؟
سمعته , القصة كلها من أولها لآخرها ملخبطة , أول ماحدثت الحادثة اتصل بي الأمريكان الساعة 2 الصبح وقالوا لي طائرتك وقعت فقلت لهم أين؟ فقالوا إن آخر إتصال بها تم عند مطار أندرسو , فقلت لهم وما الذي ذهب بها إلي هناك؟، بعد قليل قالوا لي إن هناك لخبطة وإنها سقطت بالقرب من كندا , أول ماطلعوا الصندوق الأسود سمعوه ووصلوا لنتائج أولية , فكلمني نائب وزير الخارجية وطلب مني أن اسمع التسجيل فرفضت , فقال لي لماذا؟ فقلت له لأنه موضوع فني يتحدث فيه الخبراء ولا علاقة له بالسياسيين , فقال لي أرجوك أن تسمعة لتكون مطمئنا لنتيجة التحقيقات وحتي تفهم الموضوع , فذهبت وسمعت الشريط ولم أجد عليه أي شيء يجعلني أصل لقناعة إنه انتحار , الكلام كله دارج , مسلم أو مسيحي بيقول توكلت علي الله , هم فسروه من خلال المترجم علي أنه بداية انتحار , في اليوم التالي وجدت تسريبات للجرائدو أن هناك انتحارا , التقرير النهائي قال إن الطائرة نزلت من 31 ألف قدم وحتي 21 ألف قدم بنزول منتظم , بعد كده تفتت , لايوجد دليل علي أي إنفجار أو حريق , ولم يحسم سبب ماحدث لها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى