أمضى السفير محمد العرابى ثلاثة أسابيع وزيرا لخارجية مصر، فماذا جرى فى هذه الفترة الخاطفة؟
للحقيقة ترك العرابى عدة بصمات واضحة أهمها رصف المنطقة الواقعة أمام بيته فى الشارع الذى يسكن فيه بمصر الجديدة، وأيضا إعادة تأهيل المصعد الخاص بالعمارة وكسوة أرضيته بالرخام الفخم، وفقا لما رآه وتابعه مجموعة من جيرانه المحترمين الذين لم يخفوا دهشتهم من السرعة التى تمت بها عملية التجديدات.
وعلى المستوى الخارجى أتحفنا الوزير العرابى بتصريح هو الأعجب فى تاريخ الدبلوماسية المصرية حين أفتى سيادته على هامش زيارته للبحرين بأن «السعودية هى الشقيقة الكبرى»، وهو التصريح الذى صدم المرشح المحتمل للرئاسة المثقف والمحامى البارع الدكتور محمد سليم العوا فطالب بإقالة العرابى من هذا المنصب الرفيع، لما اعتبره تصريحات مسيئة لمصر، وعلمنا فيما بعد أن الوزير زار العوا وشرح له الموضوع، ثم خرج علينا العوا بعد أن خرج من صدمة تصريح الوزير ليصدمنا هو بتصريح آخر فى مؤتمر جماهيرى بالمنوفية، قال فيه إن العرابى وزير خارجية ممتاز ووطنى بل أكثر وطنية من نبيل العربى.. ثم كان أن أقام السفير السعودى بالقاهرة احتفالا كبيرا بالوزير العرابى لتكريمه وتهنئته على تولى الخارجية المصرية.
إن تعيين وإقالة محمد العرابى نموذج صارخ لعشوائية القرار السياسى فى مصر، ذلك أن أصواتنا بحت مع تسرب قرار تكليف عصام شرف له بحقيبة الخارجية بأن هذا الرجل ليس هو الشخص المناسب لهذا الموقع لاعتبارات كثيرة، منها ما سجلته فى هذا المكان بتاريخ 21 يونيو تحت عنوان «وزير للخارجية من مدرسة سوزان مبارك»، كون الرجل كان الذراع اليمنى لزوجة الرئيس المخلوع فى جمعية مصر الجديدة التى طال عملها الكثير من الغبار قبل وبعد الثورة، وقلنا إن الدبلوماسية لم تعدم رجالا يصلحون للمنصب حتى يتم اختيار هذا الرجل.
غير أن كل ذلك تحول إلى صراخ فى البرية مع الإعلان عن استقبال المشير طنطاوى له لحلف اليمين وتولى المنصب رسميا.
وما جرى مع العرابى يكاد ينطبق حرفيا على كثيرين غيره ممن وضعوا فى مواقع مهمة فى «حكومات ثورة 25 يناير» رغم أنهم أبعد ما يكونون عن روحها وأهدافها، ولعل نموذج يحيى الجمل هو الأبرز، ومعه حفنة وزراء كان اختيارهم صدمة للرأى العام، والآن فقط قرر أصحاب القرار التضحية بهم استجابة لصوت جماهير الثورة.
لكن ما بين الإصرار على خطأ الاختيار والعناد فى تطبيقه، وبين الرجوع إلى الحق وإصلاح الخطأ مسافة طويلة للغاية، ومساحة زمنية لا يستهان بها كلفت مصر كثيرا من الاحتقان والتوتر فى العلاقة بين المجلس العسكرى والجماهير، وأزعم أن هذه العشوائية الممنهجة وهذا الارتباك الاستراتيجى والتخبط المبدئى والبطء القاتل فى استيعاب قانون الثورة، كانت السبب المباشر وراء تعثر مسيرة الثورة، بل ورجوعها إلى الخلف أحيانا.
إن الثورة بريئة من ثقب عجلة الإنتاج وتعثرها، ولا دخل لها فى تأخر عودة الحياة الطبيعية ويبقى أن يدركوا أن التطهير هو المفردة الأولى فى أبجدية الثورة.
«إنك لا تستطيع أن تنزل النهر ذاته مرتين لأن مياها جديدة تغمرك باستمرار» هكذا قال هيرقليطس الفيلسوف قبل خمسة قرون من بداية التاريخ الميلادى.. استوعبوا الدرس أيها السادة.
18/07/2011
وائل قنديل: كوميديا تعيين وتسريح وزير الخارجية
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ADDS'(9)
ADDS'(3)
-
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى