سلامة احمد سلامة
لحسن الحظ أن انعقدت محاكمة الرئيس السابق مبارك ورجاله فى موعدها المحدد بحضوره فى قفص الاتهام، خلافا لما كان يخشاه الكثيرون من احتمالات التعلل بأسباب مختلفة لغيابه، أو ما قد يفتعله الدفاع من حجج وأعذار للتأجيل.. خصوصا بعد تكهنات وتوقعات لا حصر لها، راجت فى الداخل والخارج قبل المحاكمة، كانت تشكك فى نوايا العسكريين ورغبتهم فى تقديم الرئيس المخلوع إلى محاكمة عادلة، وما أشاعه محاميه بكل الطرق من أن حالة المتهم لا تسمح له بالحركة والانتقال من شرم الشيخ إلى القاهرة.. وذهبت هذه التكهنات إلى حد الزعم بأن المسألة لا تعدو أن تكون كسبا للوقت إلى أن يحين قضاؤه!!
ولكن شيئا من ذلك لم يحدث. وشهدت الجلسة الأولى رغم كل ما أحاط بها من ضجيح وملابسات، ورغم العدد الكبير الذى حشر فى القفص من المتهمين ومعهم عشرات المحامين وهيئة الدفاع، وقائع الجوانب الإجرائية التى تتبع عادة فى مثل هذه المحاكمات.
وبدا الرئيس السابق فى محفّته داخل قفص الاتهام واعيا تماما بما يدور حوله بل وعلى استعداد للكلام إذا سئل.
فانكسرت بذلك أكذوبة كبرى ظلت محلقة فى الأجواء بين فصيل كبير من ثوار ميدان التحرير، الذين شككوا فى ولاء العسكريين للثورة ومدى تأييدهم لها.. واستعاد الشعب ثقته بعد مرحلة تغلبت فيها الانقسامات.
وأعرب الكثيرون عن مخاوفهم وتشاؤمهم من اضطراب المسار فى ضوء الاعتصامات والمليونيات التى سمحت بانحراف الثوار وتشتتهم بين قوى إسلامية وأخرى ليبرالية.. ضاع فيها طريق البحث عن بناء الديمقراطية والحرية.
ودفع بطائفة واسعة من أبناء الشعب إلى الضيق بالثورة والثوار الذين يتسببون فى قطع أرزاقهم باعتصامات تولد احتكاكات، واحتكاكات تقود إلى اعتصامات شلت أوجه الحياة فى مصر!
لم يحدث من قبل فى تاريخ مصر المعاصر، وربما فى تاريخ الأمة العربية القريب باستثناء ما شهده العراق فى ظل الاحتلال الأمريكى، أن مثل رءوس النظام أمام القضاء لمحاسبتهم عن أخطاء ومفاسد ارتكبوها، وأموال انتهبوها. وأن يكون رئيس الدولة هو المتهم الأول فيها هو وأنجاله.
.. فلا تتردد مقولة «عفا الله عما سلف». ولا يهرب الرجل بثرواته ومظالمه إلى بلد مجاور أو دولة بعيدة، تنمحى فيها آثاره وتغيب أخباره. وهو ما كانت تتمناه بعض دول عربية وتخشى على نفسها منه. بل وضع تاريخ حقبة كاملة من ثلاثين عاما تحت المجهر بخيرها وشرها.. فهى ديمقراطية بأثر رجعى لم يألفها الحكام ولم تطبقها الشعوب. وما زال عامة الناس يعتقدون أنه لو سرق الأمير تركوه ولو سرق الفقير أقاموا عليه الحد.. أى بعكس ما تقضى به الشرائع والقوانين.. تلك مقولة انقضى زمانها ولم تعد الشعوب على استعداد للأخذ بها.. ولذلك كانت المفاجأة ثقيلة على الكثيرين حين طالبت الثورة بإسقاط النظام، ومحاسبة القتلة والمفسدين!
ومن هنا بدت بعض الذيول الناشزة المؤيدة لحسنى مبارك فى ميدان مصطفى محمود أو أمام المحكمة التى انعقدت فى أكاديمية الشرطة خارجة على إجماع الجماهير.. بعضها قد يكون نوعا من التعاطف «الأهبل» مع الرئيس السابق، والبعض الآخر قد يكون بإيعاز ممن لهم مصلحة فى إعادة عقارب الساعة إلى الوراء من المستفيدين من النظام السابق ويتمنون عودته!
ولكن هناك للأسف طائفة من الكتاب والإعلاميين الذين التقوا بالرئيس المخلوع وأنجاله، وكانوا ضيوفا دائمين عليه يمجدونه ويدافعون عن أفعاله وسياساته، ولا يهمهم مدى ما ألحقه بالشعب من إساءات، ولا حجم الفساد الذى نما وترعرع فى أكنافه وما تسبب فيه من اندحار لقيم الديمقراطية والعدالة. فأنشأ بذلك طبقة من الطفيليين الذين اكتنزوا الثروات على حساب شعب فقير.. كل ما يهمهم أنه كان مع السلام وضد الحرب والمغامرات العسكرية والاقتصادية.. هؤلاء لا يختلفون كثيرا عن المتظاهرين الذين يعارضون مبارك ويهتفون دفاعا عنه فى ميدان مصطفى محمود وعلى ظهور الجمال والحمير، والذين رأيناهم يشتبكون مع أهالى الشهداء أمام أكاديمية الشرطة.
فى بلاد مثل بلادنا، تظل الحاجة إلى العدل أقوى من الحاجة إلى سائر القيم الحافظة للمجتمع. ويظل الميزان الذى يحكم علاقة الحاكم بالمحكوم هو القضاء العادل الذى لا يفرق بين غنى وفقير ولا بين عالم وجاهل.. والذى يعيد الحق لأصحابه مهما طال الزمن.. ولهذا تأتى محاكمة الرئيس السابق وأعوانه فى وقتها وزمانها لتعيد بعض الأمور إلى نصابها!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى