يذكرنى جمال مبارك بأبناء شاه إيران..
وقفته فى القفص متصورا أنه يظهر قوته وصلابته وتماسكه، عجرفته الدفاعية وغطرسته العدوانية، كأنه برىء طاهر ونحن شعب مفتر ظالم، تؤكد أنه لم يعرف الحقيقة بعد، أنه يعيش على أوهام مريضة تسكن ذهنه، تشى بأن عقله لم يستوعب أخطاءه وأنه لم يعترف بينه وبين نفسه بأنه أجرم فى حق البلد، وأن شعبا بالكامل يكرهه، بل إنه سر نصف كراهية نصف المصريين لأبيه!
هذا رجل يبدو أنه تربى وكأنه ولى عهد، طموحه الهادر مع إمكانياته المحدودة مع انسحاب أى جاذبية له وفقدانه لأى ملكات رجل السياسة، فليس لديه حتى أى حد أدنى من الجماهيرية والجاذبية، جعلته عدوانيا وحادا وسلطويا، ورأى الابن كرسى أبيه أمامه وكاد يشعر بنفسه يتحسس جلسته على مقعد رئاسة مصر وسط رعاية من منافقين وأفاقين وقتلة ونهابين للبلد.
مصير هذا الرجل سواء تم سجنه أو برأته المحكمة سينتهى بحدث درامى فجائعى يشبه ما جرى لأبناء الشاه.
ففى يناير نفسه الذى قامت فيه مصر بثورتها ضد مبارك ونجله، قتل على بهلوى (44 عاما) نفسه فى بوسطن بالولايات المتحدة بإطلاق الرصاص من بندقية على رأسه بعد صراع مع الاكتئاب لعدة سنوات. حاول لسنوات -كما قيل وقتها- التغلب على ألمه، إلا أنه انهار فى النهاية ووضع حدا لحياته فى منزله فى بوسطن.
وكانت قد توفيت الابنة الصغرى للشاه ليلى بهلوى عام 2001 فى لندن عن عمر 31 عاما بعد تناولها مزيجا من الأدوية ومادة الكوكايين فى جرعة زائدة من المخدرات، بحسب نتائج التشريح. وعثر عليها مقتولة فى جناح فخم فى فندق كبير.His sister Leila died of a drug overdose in London 10 years ago.
هذا ما يجرى بالضبط عندما يشعر ابن الديكتاتور بزوال العظمة والنفوذ والأبهة والسطوة عن حياتهم وعائلتهم، وأنه لا أمل فى أن يعودوا مرة أخرى لهذا العرش فوق هذا الشعب!
شىء كهذا يمر به جمال مبارك فى سجنه، فهو لم يتطهر من ذنوبه لأنه لم يعترف بها، وهو لم يخرج من قفص حلمه الطامح الجامح الذى قتل أباه رغم هذه اللهفة الحنونة على رعايته داخل القفص، فالحقيقة أن الابن الواقف هو سر الأب الراقد وهو جالب أباه إلى قفصه، كان عدو مبارك الأول هو جمال مبارك!
الرئيس محمد نجيب لم تضعه الظروف موضع امتحان للأب والرئيس، فقد أطيح به مبكرا جدا حتى إن أحد أولاده من تكاثر أعباء الحياة عليه اضطر للعمل سائق تاكسى، كى يطعم نفسه ويصرف على نفقات حياته، أما الرئيس جمال عبد الناصر فقد توفى رحمه الله فى الثانية والخمسين من عمره وكبرى بناته قد تخرجت حديثا، وتزوجت من موظف، بينما كان أولاده طلبة وصبيانا لم يبلغوا الحلم السياسى حتى نختبره ونختبرهم، أما الرئيس أنور السادات فقد كان نجله صغيرا حين وفاة الأب ولم يعمل بالسياسة وكان المشهد العائلى تتصدره السيدة العظيمة جيهان السادات، وقد نالت من النقد والهجوم غير الموضوعى حينا، وغير المجحف حينا فى أثناء حياة الزوج الرئيس، ومن ثم فابن السادات كان بعيدا عن أن يمتحن والده فى رئاسته أو يختبر رئيسه فى أبوته، أما حسنى مبارك فقد طال زمن بقائه على مقعد الحكم حتى كبر أولاده، وصاروا رجالا ملء السمع والبصر وزاد الأمر أن كان أحدهم، وهو جمال مبارك، لم يكن سياسيا ولم نعرفه مهتما ولا راغبا ولا دارسا ولا مشتغلا أو منغمسا فى العمل العام، ولم نعرفه مثقفا ولا قارئا، لكنه كان يحمل مهمة رئيسية وهى قتل أبيه...!
وهو ما يتجلى فى الآية القرآنية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ) [التغابن: 14]: من أهل العلم من قال: ليست العداوة هنا أن ينصبوا لك العداء بالسيف ولا بالضرب، وإن كان هذا قد يرد فى حق أقلية، لكن المراد بالعداوة هنا فعل ما يفعله الأعداء، فالعدو يطلق عليه عدو لفعله -عند بعض العلماء- وليس لذاته إلا فى شأن الكفار. فقوله تعالى: (إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّا لَكُمْ) أى: إن من أزواجكم وأولادكم من يفعل بكم فعل أعدائكم من صرفكم عن طاعة الله سبحانه وتعالى وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيتنزل هذا الابن منزلة العدو، فالمؤدى من العدو ومن الزوجة الصارفة لك عن الدين ومن الابن الصارف لك عن الدين، مؤدى واحد. فهناك امرأة تحمل زوجها على الكسب الحرام إشباعا لشهواتها وإرضاء لنزواتها، فتفعل بزوجها فعل الأعداء الذين يحملونه على فعل الحرام، وكذلك كم من ابن يحمل أباه على أن يكتسب له من الحرام ويطعمه، فيفعل بذلك فعل الأعداء مع أبيه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى