المشكلة أن ملامح السيناريو لم تتغير إلا فى التفاصيل، بينما بقيت الخطوط العريضة الغليظة حاضرة.
لو تأملت ما فعله نظام مبارك أيام الثورة، ثم أعدت النظر ممعنا وفاحصا لما يتم هذه الأيام، فستجد تشابها مقلقا…
مثلا أراد مبارك أن يقسم الشعب إلى شعبين، شعب غاضب عليه فى ميدان التحرير وميادين مصر الأخرى، وشعب خائف أمام أجهزة التليفزيون يشاهد برامج قنوات رجال الأعمال المتواطئة والمتواطئين، وكذلك تليفزيون الحكومة، وهى تضلله وتضرب فى ثورته وتصور له مصر حلبة للعصابات والبلطجية، تلصق بالمظاهرات تهمة بث الفوضى والذعر فى شوارع وبيوت المواطنين!
الشعب الخائف يغضب على الشعب الغاضب ويسحب منه شرعية الغضب وشعبيته وجماعيته الممثلة للشعب كله.
وقد وفر لهم مبارك مع مباحث أمن الدولة صور هذه الفوضى وأصواتها حسب سيناريو مرسوم ومتبع تحالفت فيه أجهزة إعلام مبارك
ومحطات رجال أعماله فى جريمة لم يحاسبهم عليها أحد!
لكن النظام أراد من هذه الظاهرة ثلاثة أهداف:
الأول هو تضخيم وتعميم الإحساس بالفوضى والانفلات الأمنى.
الثانى الإلهاء عن المشاركة فى المظاهرات ودفع الناس للاستغراق فى حماية أنفسهم من اللصوص بدلا من توجيه غضبهم إلى النظام.
الثالث تحميل مسؤولية الفوضى وأسبابها وذرائعها على المتظاهرين لتصب فى ما يتمناه ويأمله، وهو أن يربط الناس بين الثورة والفوضى من جهة، وبين الأمان والاستقرار ومبارك من جهة أخرى.
وربما خال هذا بالفعل على المواطنين وتحقق شىء من كل هدف عند بعض من القطاعات وشرائح من الناس، لكن إصرار ملايين المصريين الآخرين الذين حافظوا على غضبهم أجهض نجاح مبارك فى خطته، بل ارتدت خطته -المكشوفة لنا كالعادة والغائبة عن آخرين كالمعتاد- إلى صدره الذى لم يتوقف عن تلقى سهام ونبال وحجارة المصريين!
هل تدرك مدى التشابه الحاصل الآن حيث استمرار انفلات أمنى غير مبرر وغير مفهوم ومتتالٍ ومتسع ومنتشر لتنفيذ نفس أهداف مبارك لصالح إجهاض التغيير الجذرى والعميق والشامل والرضا بالمقسوم، ثم الربط بين الثورة والفوضى وبين مطالبها والانفلات؟
ثم على الجهة الأخرى كان نظام مبارك يدير حربا للطعن فى وطنية المعارضين وقادة المظاهرات، والخطة كذلك كانت تعمل جهدها كله على الطعن فى مجمل المتظاهرين واتهامهم بالعمالة والخيانة وبث الفوضى، وأنهم مأجورون من حكومات أجنبية وشركاء مع أجانب فى ميدان التحرير يبغون مصر بسوء، وطبعا لم يغفل أى من راقصى التنورة فى الإعلام الذين يروجون لهذه الأكاذيب أن يخصخص الأجانب فى الإيرانيين والحمساويين (نسبة إلى حماس) ورجال حزب الله، ولم تتورع مذيعة شهيرة عن توقيف متحدث تليفونى معها عندما قال إنه شاهد أشخاصا بملامح آسيوية فى ميدان التحرير، وطلبت منه أن يكرر هذه المعلومة الخطيرة، ورفعت نصف دستة من الحواجب اندهاشا عندما كرر الرجل المعلومة، وكان طبيعيا والحالة هكذا أن تتحول القاهرة إلى مصيدة للأجانب، فلجان الحماية الشعبية المزودة بقاموس الكراهية وكتالوج الأفكار التافهة من مقدمى البرامج المسائية كانوا يهجمون على الأجانب ويطاردونهم فى حماقة لا تقل عن حماقات نظام مبارك التى تدفقت من جعبته طوال الأسبوعين الأخيرين من عمره، وكان طبيعيا مع حالة التضخيم الأمنى أن يتم ترحيل آلاف الأجانب المقيمين فى مصر عبر رحلات جوية خصصتها الدول الأجنبية لرعايها فى ما يشبه فترات الحروب والكوارث الطبيعية، وهو ما كان يريده مبارك، بل وخططت له أجهزته، فهذه الصورة التى تم تصديرها للغرب كانت تهدف إلى إثارة فزعه على مصر والخوف من اندلاع قلاقل فيها وتحولها إلى بؤرة توتر فى منطقة مهمة وحساسة وحرجة، خصوصا أن حكومة تل أبيب كانت تولول على رجلها فى قصر العروبة وتحاول إنقاذه بالضغط على الإدارة الأمريكية لدعم ديكتاتور القاهرة الحليف والشريك فى كل جرائم إسرائيل ضد العرب والإنسانية خلال ثلاثين عاما!
ألا تعتقد أننا ما زلنا نعيش تحت قصف الاتهامات بالعمالة والخيانة للمعارضين وقادة المظاهرات، ثم تحويل الأجانب إلى هدف للكراهية حيث هم من يريد أن ينشر الفوضى ويدمر بلدنا، كذلك هم الذين يمولون عملية هدم مصر (بالمناسبة سلموا لى على مستقبل السياحة وتدفق السياح!)؟
دعك هنا من أى منطق أو دليل، ففى مصر هذه الأيام الهرتلة والعبث والخرافات والخزعبلات تجد لها سوقا فى عقول نيئة غير مدربة على النقد والنقض والفرز والتفكير فى مصداقية الهراء الذى تسمعه!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى