في الرحلة العلاجية الأخيرة للرئيس حسني مبارك في ألمانيا، ثبت بالدليل القاطع أن الدكتور زكريا عزمي - رئيس ديوان رئاسة الجمهورية - هو أهم رجال الرئيس وأخطرهم علي الإطلاق، وسقطت للمرة الأولي مقولة رجال الرئيس بشكل عملي ومذهل في آن واحد، بحيث لم يعد هناك سوي رجل واحد هو الدكتور زكريا.
ثمة أسباب كثيرة تدفع الرئيس مبارك إلي الثقة المطلقة في هذا الرجل الذي كرس حياته للعمل في مؤسسة الرئاسة وتحول طيلة سنوات حكم الرئيس إلي أحد أهم أركان النظام السياسي المصري.
زكريا هو الرجل الذي لا بد وأن تقع عليه عيون الرئيس عندما يستيقظ من نومه وقبل أن يدخل إلي مكتبه، كما أنه آخر المحيطين بالرئيس ذهابا إلي سرير النوم وأولهم حضورا وأكثرهم انضباطا.
لا يتعلق الأمر هنا فقط بتلك الكيميا التي عرفت طريقها مبكرا بين الدكتور وزكريا، بل بقدرات الدكتور زكريا النفسية والعقلية التي أهلته بجدارة لشغل موقع الرجل الأول حول الرئيس.
ومن بين كل من تعاقبوا علي منصب رئيس ديوان الرئاسة، سيظل عزمي اسما لا يمكن تجاوزوه ولن تمحوه السنوات بسهولة، فهو نجح في أن يحفر اسمه حول الرئيس في صمت وفي دأب وأدب.
المتمعن في تلك اللقطات المصورة التي بثها التليفزيون المصري مؤخرًا ويظهر فيها الدكتور زكريا إلي جانب الرئيس وهو يوقع علي بعض القرارات الجمهورية، يدرك أن مكانة الرجل قد وصلت قمتها إلي جوار الرئيس.
طيلة يوميات رحلة العلاج ظل الدكتور زكريا هو حلقة الوصل بين الرئيس والحكومة وبين الرئيس والعالم الخارجي، وهو ما بدا بشكل واضح في مرافقة عزمي للرئيس منذ أن وطأت أقدامه الأراضي الألمانية في الرابع من الشهر الجاري.
لم يكن غريبا إذن أن يعلن الدكتور أحمد الطيب - شيخ الأزهر الشريف - إن الدكتور زكريا هو أول من أبلغه بقرار الرئيس مبارك بتعيينه في منصبه الجديد، خلفا للدكتور محمد سيد طنطاوي ـ رحمه الله.
من يعرفون الرجل يقولون إنه يستحق ما وصل إليه من حظوة لدي الرئيس، بينما مازال البعض يتساءل حول ما يصفونه بالمتناقضات التي مازال الرجل يصر عليها من جهة إصراره علي عضوية مجلس الشعب بينما هو في نفس الوقت يعتلي أهم منصب في مؤسسة الرئاسة.
وكما قال الدكتور جهاد عودة عضو أمانة السياسات بالحزب الحاكم لـ «الدستور» فإن زكريا عزمي ركن ركين من أركان النظام وأحد رجال النخبة الإستراتيجية للرئيس ، لافتا إلي الدور المحوري والحيوي الذي لعبه إلي جانب آخرين في الحياة السياسية المصرية.
وهكذا ورغم أن مضمون وظيفته الرئاسية يجعله فقط مسئولا عن شئون مؤسسة الرئاسة والرئيس، إلا أن الدكتور زكريا حقق طفرة كبيرة في المنصب مقارنة بمن سبقوه إلي حد أن الرئيس بات متمسكا بالرجل ولا يستطيع بسهولة الاستغناء عنه.
ثمة أسباب يراها عودة تدفع الرئيس إلي التمسك بهذا الرجل في مقدمتها خلفيته العسكرية وثانيا كونه يمتلك عقلانية منضبطة وثالثا أنه رغم مشغولياته الرسمية لا يزال لصيق الصلة بأهالي دائرته في حي الزيتون الشعبي.
وبرواية دبلوماسي غربي مخضرم في القاهرة فإن الدكتور عزمي هو البوابة الرئيسية للرئيس مبارك وبمعني أدق الباب الملكي والمفتوح لمكتب الرئيس.
علي مدي السنوات الأخيرة أثبت الدكتور زكريا أنه أقوي من محاولات النيل منه، لاسيما أنه تمكن من إقناع الجميع بأن لا علاقة له بصاحب عبارة الموت الشهيرة.
وكان المشهد الذي جرت وقائعه تحت قبة مجلس الشعب يوم الثلاثاء الثاني من شهر مايو عام 2006، خير دليل علي قوة الرجل، عندما رفض المجلس طلبا مقدما من21 عضوا بإحالة الدكتور زكريا إلي المدعي الاشتراكي لصداقته لممدوح إسماعيل صاحب شركة السلام والعبارة الغارقة..
يومها قال الدكتور فتحي سرور إن ما جاء عن صداقة الدكتور زكريا عزمي لممدوح إسماعيل لا يعد اتهاما له وأنه ليس مسئولا عن أعمال غيره.
لكن براعة الدكتور زكريا وقدراته القانونية تبدت بجلاء عندما وقف في المجلس ليقول إنه من واجب الإنصاف والعدالة أن يتفضل من يشاء بالتقدم ببلاغ إلي سلطات التحقيق مباشرة حتي يتحمل مسئوليته عنه ، مشيرا إلي أنه سوف يطارد بالحق والقانون هذا التجني والتشهير حتي آخر العمر.
وثمة من يقولون إن نفوذ الرجل في داخل الحزب الحاكم تخطي دائرته إلي دوائر أخري، حيث يربط هؤلاء بينه وبين ياسر صلاح - نائب القمار والتليفونات المحمولة - عن دائرة الشرابية والزاوية الحمراء الذي سقط بفعل غبائه السياسي والأخلاقي سجينا لمدة عامين، حيث قيل إن الدكتور زكريا هو من أتي بهذا النائب علي متن بارشوات مفاجئ وألقي به في سماء تلك المنطقة الشعبية المنسية.
علي أن نفوذ الدكتور زكريا ليس دوما بهذا المستوي فهو في بعض الأحيان يلعب دور حمامة السلام ويمارس دوره كوزير لداخلية أو مدير للأمن، عندما تدخل مؤخرا لتهدئة الأجواء الطائفية التي كانت محتقنة في منطقة الأميرية التي شهدت مقتل شاب مسلم وإصابة زوجته وطفلتها علي يد شقيق زوجته المسيحي.
يومها فاجأ زكريا والد القتيل بعد صلاة الجمعة وقدم له واجب العزاء، وأكد أن حقه لن يضيع، وأن زوجته وطفلته ستعالجان علي نفقة الدولة.
في هذا المشهد لعب الدكتور زكريا دور أطفائي الحرائق الطائفية وكسب حضورا متميزا في الشارع المصري الذي كانت عيونه دائما عليه وهو يردد قبل سنوات مقولته الكلاسيكية الشهيرة « الفساد بقي للركب».
مقولة زكريا التي تعبر عن صرخة رجل مسئول تحمل في طياتها أيضا دليل إدانة لكل من أوصلوا البلاد إلي ماباتت عليه من حال لا يسر العدو قبل الصديق.
لكن عزمي بين القلائل الذين يجيدون صياغة التعبيرات وينجحون في صك مصطلحات شعبية ترتبط بهم وتعد دليلا علي براعتهم اللغوية والسياسية، علي أن الرجل مازال يعزف عن الحديث لوسائل الإعلام بحيث لم نجده ولو مرة واحدة يدلي بأي أحاديث إعلامية أو تليفزيونية.
هنا ملمح آخر وأخير للرجل الكتوم الذي يلعب أهم الأدوار ويمارس أخطر المناصب حول الرئيس، فلا هو بهامان ولا بكاهن للمعبد، لكن تلك ما يقولون قصة أخري.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى