أسعد طه: يحكى أن أمراً غاية في الغرابة وقع ذات يوم في البلاد الوضاءة، الحجاج يعود إلى المدينة، الجنود يعدمون كل رهينة، وعلى الحدود جحافل التتار تحاصر زاد الصغار، والعدوَّان يمنعان عن البلاد الدفاتر والكتاب، وكل ما يمكن أن يكون خبزاً أو حرية.
أغرب ما في القضية –ويا للعار- أن الأحرار خلف الحدود والديار يشاهدون وهم صامتون وقائع الجريمة، الرفاق منهم وحتى الإخوان.
فلما زاد الزمان والظلم والحصار قال رجال ونساء من مختلف الأعمار: نهرب، لعل عند الغريب نجد الملجأ والأمان، لكن كان ما كان.
وهاكم الحكاية من البداية:
آه أبا مسلم!! الذهن في شرود، والنفس في هيام، والقلب كقدر الماء يغلي ويغلي.
آه!! ها أنت من جديد يصحو فيك الحنين، تهيج في الفؤاد الأشواق، رغم طول الفراق.
يغالبك البكاء، تهزمك –يا صاحبي- قوافل الذكريات كف عن هذا، وهل انقطع الود يوماً، أو هي غابت عني حين غبت، وأنا الذي كأني حين وُلدتْ وُلدتُ زمان.. في قديم الزمان قرية صغيرة وسوق للغنم والجِمال، ثم من العز تأتي الأيام وتصير حضارات وحضارات، وتغار منك يا بغداد أمم وإمبراطوريات. هذا أبو جعفر المنصور وهذا الخليفة المأمون، وقبله هارون الرشيد تكبرين وأكبر، والذكريات في القلب تكبر، الكرخ والرصافة، عيون المها، فتون الهوى، في الطرق إغراء وسحر، وفي الساحات إنشاد وشعر، رويدك رويدك أبا مسلم.
وكأن الحب والحكمة لا يجتمعان وإلا ما هجر الأوطان العاشق الولهان.
مواطن عراقي: الظروف اللي خلتني أطلع من العراق يعني ظروف أعتقد كل العالم يعرفها، مو هو بس ظرف يعني من الظرف الشعب العراقي بأكمله.. الحصار دمر العراق تقريباً.. دمار فعلياً دمره، (..) رجعتنا ما وراء التاريخ، ورجعونا من وراء ذلك، يعني اللي أرادوه أخذوه من عندنا، وأكثر يعني.
أسعد طه: بعد ألف حرب وحرب، ألف حصار وحصار، وقبضة حديدية، يفكر الجميع في الأمر، أين من الفقر المفر؟ وأين نجد للأطفال بدلاً من الأكفان حبات البرتقال؟ حسم بعضهم أمره، ليس من مخرج سوى الفراق، فلنغادر إذن العراق.
مواطن عراقي: أنا عندما ضاقت بنا الدنيا اتجهنا هذا الاتجاه، والآن.. الآن الواحد منا.. العراق لو ما بدي بترابه كل العالم، إحنا العراقيين حنينين لترابنا، حنينين لوطننا، ما نشوف إلا. الأسباب اللي خلتنا نهاجر من العراق، ليش هاجرنا؟ هاجرنا من الظلم الموجود في العراق، من الاضطهاد الموجود من العراق، فاضطريت أن أهرب. أقرب مكان إلي هو إيران، اتفقت ويا شخص أن أهرب إلى إيران عن طريقه، قال لي التكلفة.. يكلفك تقريباً 150 ألف دينار عراقي فاضطريت أن أبعث أخويا لأحد الأقرباء أخويا اللي أكبر مني، .. تقرض لي، فاتفقت وياهم، وبدا تسليم الفلوس، فقالوا انتظر الليل إحنا نطلعك، فعلاً دخل الليل علينا، فبعتوا ويايا اتنين شباب مسلحين ومشوني بين القصب، طريق ما به أي.. أي أحد، وهذا الطريق يعني طريق عسكري يعتبر، فولينا نمشي حذرين بنفس الوقت وخايفين، شفت وصلت إلى منطقة، يعني شفت العوائل الأقربين، وهم عوائل أطفال، شيوخ كبار.. هاربين ويايا، فسألناهم يعني ما كان إحنا واحد يسأل التاني شنو قضيتك، ( ….)، أكو بعضهم يتخوفون من اعتقادهم إحنا جزء.. جزء من المخابرات العراقية مبعوثين أو مدسوسين داخلهم. أكو اللي حصل وقت اللقاء..، مشينا.. يعني تقريباً 3 أيام ظلينا (بالهور) لحد ما وصلنا، طبعاً إحنا لما نمشي (بالهور) بدون أحذية، حفايا.. وهذا الشوك اللي بأرجلنا يتواجد يعني لحد ما وصلت يعني داخل اللي هم أقربائي، يعني بديت وفاقت الجراح صار برجلي من الشوك هذا. يوم 15/10/1997 دخلت إيران، ويا ريتني ما دخلتها. أول ما جيت طبعاً سلمت نفسي للحكومة الإيرانية وما فعلوا لي أي شيء، رغم أنا قلت لهم.. قلت لهم أعطوني أي مستند أقدر أمشي به في الشارع، تتصور يقول لي: أنا ما أعطيك مستند.
أسعد طه: يقول البيان الرسمي "إن هؤلاء عملاء وليس –كما يزعمون- عن لقمة العيش يبحثون وللحرية هم عاشقون" مهما كان الأمر، الحقيقة أنهم ينتمون إلى حزب الإنسانية، وأن الجارة التقية شكاها الجميع، حتى تقرر مجدداً الرحيل مهما كانت المغامرة أو كان المصير.
مواطن عراقي: أنا خرجت من إيران من أجل مستقبلي يعني، من أجل.. يعني إيران مُتْعِبة.. متعبة جداً يعني جداً، يعني مستقبل ما بها.. يعني ما بها، يعني أنا.. أنا ابني عمره حالياً أربع سنوات، يعني لما يصير عنده ست سنوات أريد أدخله المدرسة، فين يدخل المدرسة.. شنو مصيره شنو؟ مصيره شنو؟ لا قراءة لا كتابة لا..
مواطن عراقي: لذلك بدأت الهجرة، أنت هتقول لي: ليش ما هاجرت إلى.. مثلاً إلى أوروبا؟ أوروبا يحتاج.. يحتاج إلى مبلغ كبير، يعني يكون عندك أقل شيء 6 آلاف دولار، يعني أرخص طريق عندنا هو هذا.. الطريق طريق أستراليا، يعني ما يكلفك أقل يعني من 6 آلاف أو أقل من 6 آلاف دولار الشخص الواحد، يعني حتى لو كانت عندي عائلة ماليزيا.. ما يحتاج إلى أي (فيزا) تقدر يعني كدولة إسلامية تعتبرها أنت مسلم تقدر تروح تسافر.. تسافر إلها يعطوك إقامة 14 يوم تقدر تروح، فبديت.. روحت اشتريت الجواز، طبعاً جوازات هناك كلها مزورة، وتقدر طبعاً الحكومة الإيرانية تعلم هذا.
أسعد طه: كم هم ضعفاء أصحاب هذه الحكاية، الهجرة باتت لهم غواية، من العراق إلى إيران إلى ماليزيا، إلى إندونيسيا في انتظار السفر هرباً بالبحر إلى أستراليا، حيث المحطة الأخيرة والخيرات الوفيرة أو هكذا هي أحلامهم العجيبة.
…….: من مدينة بون بإيران سافرت بها إلى ماليزيا، من ماليزيا جيت إلى إندونيسيا، جيت عن طريق البحر، أول ما جينا.. دخلت بها أتذكر.. بلد اسمها ميدان من ميدان إلى.. إلى جاكرتا، جينا بباصات ما يقارب ليلتين، ما يقارب.. والله وصلنا وبقينا في.. في.. أربعة أشهر.
…….: طلعنا من إيران لماليزيا، فبقينا بماليزيا يومين، جينا على طريق.. البحر، بقينا يوم كامل بالبحر لحد ما وصلنا إندونيسيا ميدان، منطقة يسمونها ميدان، فمن ميدان جينا لجاكرتا تحولنا، فهم نصحونا يعني ناس من أهل الأوتيل قالوا ما تبقوا بجاكرتا، روحوا لمنطقة يسمونها..، رجعنا قعدنا بالأوتيل اللي يشوفوه..
………: تقريباً بقينا 8 أيام داخل كوالالمبور، من كوالالمبور قعد.. إجانا بالليل، أخر يوم.. اليوم الثامن إلنا، قالوا حضروا نفسكم هتبدأ الانطلاق إلى إندونيسيا، جينا بالمسير بالبحر، تقريباً طيلة يوم كامل، فعطل بينا المحرك، يعني تقريباً باقي عن الوصول ساعتين أو ثلاثة على آخر جزيرة يعني نوصل إلى سومطرة ما يسمى الميدان. وصلنا هناك بعد.. الأول قبضوا علينا (imigration).. تقريباً انحبسنا 4 أيام ففكرنا بالهروب إلى جاكرتا، رحنا اتعاملنا ويا باصات، رحنا بفلوس اتعاملنا ويا باصات بأن تأخذنا إلى جاكرتا عن طريق الغابات، الطريق من سومطرة إلى جاكرتا 3 أيام.
أسعد طه: مغامرة، عن الوطن مغادرة، وفي المهجر أوراق مزورة، ثم سفر. ثم زوارق وخطر، ومهربون جشعون وشرطيون مرتشون، آه! حانت الآن الاستراحة ينالها المحاربون، حتى في المعارك الفتاكة، قمر وشمس ونهر، ونخيل صنوان وغير صنوان يذكِّر المرء بالأوطان. وشعب مسالم كان هو الآخر ضحية الطغيان.
…….: بديتشوية شوية يعني مرات أعلم الأطفال أعلمهم ABC الحروف الأبجدية باللغة الإنجليزية فكان كل طفل.. كل طفل من الصلابة.. حلم أكو طفلة اسمها علياء، هايدي شنويدها محروقة، مشوهة تقريباً، فكان تبقى بحضني يعني تحتضني وتقول لي: خالة. أنا إيش وقت أوصل استراليا حتى اسوي لي عملية تجميل وأصير مثل الأطفال أقدر ألعب وياهم وأقدر.. يعني بعد ما أخجل من جسمي مشوه، الأطفال ينفرون من عندي، فكل.. كل طفل مازال يبقى.. عنده حلم، يعني يفرح به.. أكثر اللي كانوا.. كانوا معي ما عندهم أكل، يعني ما يملكون.. يعني خالصة كل فلوسهم، حتى أكل آخر الأيام ما عندهم يعني يأكلون، فالشيء اللي عجبني بيناتنا صار تعاون، يعني اللي ما عنده.. يعني ما يظل حائر حيران، كتير يعني أسوأ مني جاي يطلب مساعدة فصار فيه تعاون بيناتنا، وكانت الناس يعني بالرغم من التعب بس كان بيتجدد الأمل عندهم يعني إحنا.. قريباً يعني راح نوصل لكي نصل أستراليا.
أسعد طه: كما الخفافيش، كما هو الكذاب الأشر، يخرج المهربون بين أوجاع البشر، يقصدون البشر.. يدغدغون أحلامهم، عيونهم على أموالهم. على ما تبقى لهم. حتى ولو كان الأثر، يقضمون قضمة وقضمة، ويمضون كما الخفافيش، كما هو الكذاب الأشر.
…….: رحنا له بالليل الفندق، درجة كان قاعد به، كان في منطقة (..)، رحت أنا وسيد ويايا، اسمه أبو ياسر –الله يرحمه- اتفقنا بأن العد معنا تقريباً إحنا 8 ونريد ياخد منا مبلغ بسيط، فطبعاً طلب من عندنا ألف دولار النفر، إحنا هذا المبلغ ما عندنا، فبدت المفاوضات وياه لحد ما اقتنع بـ550 النفر الواحد.
…….: إحنا نفرين، أنا وزوجتي ألفين دولار أعطيناه.. أعطيناه ذهب.. ما أعطيته فلوس، بالذهب تعامل ويايا، والذهب يعتز به لكون الصياغة جيدة، وهو يعتز به وشاهدته زوجته، وهي معتزة فيه. ولحد الآن عنده الذهب موجود عند زوجته.
…….: وبالفعل جاني قال: حضروا نفسكم إحنا راح ننقلك بالليل، معاه فرقة جابوا سيارة .. طبعاً، والسيارة قاعدة ولها 6 إلى 8، هم وحقائبهم، فبدت النقلة الأولى إلى منطقة (..) رحنا هناك تقريباً أخذنا 6 فيلل. كل فيلا تقريباً بها.. إلى 50 نفر أو أقل، .. قلنا لهم تعالوا شون تقولون 180 نفر ليش أنتم جايبينهم (…) في حدود 200 نفر؟ شنو قالوا: السفينة الكبرى.. اشترينا سفينة أكبر منها، صارت بعد ما سكنا بالفيلل تقريباً 3 أسابيع، صارت النقلة الثانية وفي نفس المنطقة..، بس إلى فيلل بعد أحدث.. تقريباً صرنا 430 نفر، تعالى.. شو صرنا 430 نفر شلون هاي، وقال لنا.. قال لا راح نسوي سفينتين سفينة أولى وسفينة ثانية.
…….: ولليوم حتى الآن أنتم كلكم حضروا نفسكم وناخد أشياء تبعنا، وبالمناسبة الشرطة ويانا لابسين زي عسكري وإحنا موجودين على نفس المكان يعني حماية.. طب بدنا نقل.. نقل يودينا بالسفينة شباب..، تصور بلا سلاح ضربوهم، (…)، يعني إذا بدنا رحيل، يسببون ..، باعترافهم.. اعتراف عليهم.
…….: بعدما وصلنا لنقطة.. نقطة الصفر يعني رجعنا مبعدين الأطفال والنساء، يعني بحيث يسيطرون على البقية لأنه لو أحد شاف السفينة هاي ما تكفي يمكن يفكر بالرجوع، يا إما نقعد والنساء أجبروا العالم على الصعود، بعدها يعني اتفاجئنا بالعدد، وسفينة واحدة، لأن إحنا كل تفكيرنا وهذا العدد الضخم، كان سفينتين موجودة، مو سفينة واحدة، فأكو بعض الجماعة صار توسع المركب، هذا الذي بده بينزل، هذا اللي عم بيصيح على..، وخارج المساعدين له…، وهم يقولون: لا لا.. هذا المركب يوصلكم يوصلكم، على كل زين ومعد لكل شغلة، لا تخافوا. سفينة طبعاً ما يجاوز طولها عن 13 متر.. 13 أو أقل من، عرضها تقريباً 3 أمتار ونصف، يعني كان مسوي هي طابق واحد، والطابق الأرضي ما لها سفلي، دا كان حُشر به النساء والأطفال، والطابق الثاني أيضاً حُشر به الأطفال والنساء من عدد ضخم.
أسعد طه: لا خيار. ليس سوى السكون قال المغادرون، شاركتهم الأشجار والرياح والطيور، تحسس المهرب جيبه، اطمئن إلى صيده، ثم أعطى الإشارة ووزع العطايا على رجال الشرطة المرتشين، ثم بدأت السفينة المسير، ساعات ويكون الوصول إلى بر الأمان، قال القبطان، ثم في أستراليا يكون اللجوء السياسي، فلا فقر ولا حصار ولا شرطي ولا مخابرات، إنما هو صبر ساعة ونصل أرض الجنة.
…….: كنا قاعدين في مقدمة السفينة، يعني بعض الأصدقاء يعني، لكن كنا نتكلم عن المستقبل لما نصل إلى أستراليا، كل واحد شلون يعمل، شلون يجيب عائلته، شلون يشتغل، يكوِّن مستقبله.
……..: فوصلت السفينة تقريباً على أقرب جزيرة، لأندونيسيا ومن وراها بعد.. في المحيط، إحنا قال كابتن السفينة، قال: ترى السفينة ما توصل هاي، قلنا له زين ليش ما قبل قبل..، ليش قبلت أن تبحر بها وإحنا عليها؟ قال: أرفض، يعني ما تقدر المهرب ما يتورط، وقعدنا بها، كان يقول أنا مهدد مثلك، مهددون يعني، لو استطعنا ما يكونش.. قال ما في، قلنا له الحل شنو؟ قال: 2000 دولار بتوعنا ياللي يوصل هاي السفينة أو يتركنا، قلنا له: إحنا نعطيك بعد ألفين دولار، تقدر أن توصلنا راح فعلاً قال: أقدر أوديكم، لازال يسير معنا، سار بالمحيط، طبعاً بدت.. تضرب
دوار البحر، العالم كلها اتخربطت تقريباً الأطفال والنساء، الشباب، كذلك مشى بينا تقريباً 16 ساعة أو 17 ساعة دخل علينا الليل، سلم السفينة إلى شخص عراقي، هذا ما هو بحار، صبح الصبح علينا الكابتن ما فيه.. بعدما استراح، صرنا بالسفينة، طبينا نقف بعمق البحر يعني، تقريباً بنصف المحيط إحنا صرنا، ما حد فينا إلا قال تُرى (water pump)، هذا أقول الثاني شغَّله، قال لي طيب شغلوا بالثاني اشتغل، نصف ساعة ونصل..
…..: قالوا لنا: عطل بسيط صار، والكابتن راح يصلح المحرك ونستمر بالمسير إلى أن تقريباً ساعتين ونصف أجى صديقي محمد، عليه علامات الخوف وعلامات الرعب يعني، وجهه أصفر صاير، وسألناه قلنا له: شنو.. شنو القبطان شنو صار؟ كان ما يقدر يتكلم من جراء الخوف اللي.. اللي صار عنده، قال: المحرك عطل.
……: أحد الأشخاص كان أكو ثقب بسيط جداً، وهذا من خوفه على الناس حب يساعد، حب يساعد، فأخذ مسمار وشاكوش وخشبة، يريد يسد هذا الثقب، دق المسمار.. الفتحة اتسعت أكثر بدل ما يقف.. يعني أنا بدت يعني وجوه الناس تتغير من مبتسمة إلى.. يعني الموت بعينه يعني.
…….: الرجال بدءوا (…) صحيح صعب يعني، قاموا ينقلون ميه، بس يعني ينقلون.. ينقلون سطل واحد، ألف سطل يساعد الناس، فأيقنوا الرجال إنه بعد ما أكو فائدة.
……: قبل ما تغرق أنا كنت واقف.. قاعد على برميل من المياه، برأس السفينة.. بأعمل كده قاعد، خلى راسه في حضني، وأشوف يعني شلون السعفة مثل النخل دائماً الهوا يحركها يجي ينهز.. يرجف، جيت أنا أقول.. صبراً… خلي عينك معانا الله.. الله كريم أكو الله يشوفنا، لا تخاف الله.. الله موجود ما أقدر.. ما أقدر، هأموت.. هأموت..
……….: بدءنا شاهد يعني علامات الخوف والرعب على وجوه النساء، على.. على وجوه الأطفال، إنه الآن جتنا الأوامر إنه الحقائب الموجودة في مقدمة السفينة وفي المؤخرة نلقيها بالمحيط، لكن أحد الشباب يزقون بأنفسهم إلى المحيط يعني، بالذات ما… بالمحيط، يعني بعض الأصدقاء، حتى يقووا معنويات الشباب، حتى أيضاً يزقوا نفسهم بالمحيط يبقى بس النساء خفوا في الحمل الموجود على السفينة
…….: صار تقريباً 13 يعني… ما حد فينا إلا.. شوي.. يعلى. السفينة بدت (….) الشباب يركبون بحيث يأخذون يوازنون السفينة، يعني صارت مرتين، المرة الثانية.. وقعنا بالمحيط لغاية ما السفينة فوقنا يعني انهارت..
…….: لما انقلبت السفينة، أكثر النساء تقريباً 150 امرأة كانت موجودة على.. داخل السفينة يعني رأسا غرقت يعني.. غرقت الأطفال كذلك.
……..: يعني تقريباً حدود 3 مرات أو أربع مرات خلاص ما كان فيه، طلعت على سطح البحر أدوَّر عليه، وأصيح: وليد.. وليد.. وليد ما أكو، وليد أصبح وهم.. هابدي مني أنا.. ما أكو..
…….: السفينة بدت شوي شوي تغرق بالأطفال، إذن الموقف صعب، واحد ورا الثاني يطلعون السفينة.. أخوي كان.. وأخويا الأخر.. وابني عمار ويا علي عمره عشر سنوات أصغر من عمار، صاح قال لي: عم.. زيارة علي ابني ياخدها، وظل.. وصلت.. الحقيقة ما يقدر يوصل له، لأن أيده انجرحت وظلت بدون.. ولا خشبة ما..
……: السفينة لما غرقت بدأ الحطام مال السفينة الأخشاب تخرج من السفينة، تطفو على.. على البحر، بدنا كنا.. كل مجموعة تتمسك لها بخشبة حتى.. يطول يعني أكثر مدة ممكنة يظل على قيد الحياة.
……..: كل واحد بالبحر يصيح على اللي أقرب الناس إله منه، أخوه، ابنه، أهله، امرأته، أي شخص يعرفه عزيز عليه، أنا كنت ملتهي بابني أنا طبعاً قلقان عليه. أصيح بس.. وليد وليد.. مين شافه؟ مين شافه؟ ما أكو خبر..، كل واحد محتار يعني كأنما يوم القيامة.. يوم الحشر صار هذا كل.. كل واحد يسأل عن روحه.
أسعد طه: وكأنها القيامة، حيث العدالة، الجنة للفقراء التعساء المطحونين وجهنم للسادة الكبار ولمن منحوهم الولاء ولمن سكن البيوت البيضاء.
……: فتحتعيني عشرين متر تحت الماء وال(Boat) فوق راسي، والأطفال حواليَّ كلهم يموتون..
…….: بالإضافة شوف جثث الأطفال النساء موجودة يعني.. لما كان، طفل مثلاً نائم على بطنه يعني أنه مات، تقول… شوفه منتهي، يطلع من حاجة.. الماء الأبيض إلى أن اختفت السفينة، نزلت إلى قعر المحيط يعني.
…….: طلعت على سطح البحر أشوف الأطفال طوفوا على البحر، نساء كلهم طافين على البحر، رحنا.. ما بأقدر أدور على ابن عمي، ما أقدر أساعد هذا الطفل أشيله، أشيل الطفل ألقى.. يجيب اللي في بطنه، فبجده مات.. خلال لحظات.. لحظات، يعني لحظات يشوف الجثث كلها على البحر، يعني ما أكو طفل عايش، أريد ولو.. فمشينا… رجعت السفينة مثل ما كانت، بس غرقانة بالميه، نزلت تدريجياً…
……..: ابنتي.. لحظات أسوأ ما أرى يعني، ساعة ماتت.. يعني كان يلتصق بي،.. غطست ملتصق بي.. ملتصق بي وجيت على ابني، جيت خليني أموت يمك، التفتت شفت أم علياء، وبقى ابنها جثة، و.. تبكي بحرقة..
…….: فجأة امرأة، .. حقيقة شبه ميتة، فمسكتها من شعرها. الله بيتولى زوجة أخويا. صيحت على أخويا.. شعر زوجتك...، وهو شوي شوي لما وصل قال... الحقيقة قال: ما فيه كتير، هو عندما جاء أقل ما يقال ساعتين أو ثلاثة يجي أحد.. دقائق.. تكلمنا.. قال لي: شفت منظر أخوك، أصبحت اللي كانت زوجته.. زوجته، اللي..، لقيناها متوفية.. قال لي أخويا
……..: فجأة أن أشوف زوجي مقابلي.. فصحت عليه إذن ..قال اعتني بنفسك يعني.. وبعدين من إجا..قال وين البنات .. قلت له ما أدريالبنات طاحوا من إيدوي (..)من عندي.. قال ما يخالف تلقاهم مثلنا طاحوا بأي مكان.. يا خالة اسمعي لها مثل.. مكانتك يعني واحد شاف..، يعني أخذها.. فقال لي.. قال: كل شيء بها، ما.. منها شيء نلقاها، فأول ما وصلنا كيف.. أنتم.. شو.. علياء.. يعني بنسوي.. فبعدين شافها رأساً، انقلب وجهها كان يبوس فيها، يمكن يشوفها، علياء راحت هادول رأسين، أيش بس يبوس فيهم ويبكي.. مش.. أيش أسوي.. أنا ما أعرف شنو..
……..: وجدتهم..، وفي بعض صارت واحدة.. يعني ما بأقول أحد يعني، لأن هاي قلت لك المرأة المسكينة اللي (…) شون أعرف إنها ….. الإنسان اللي يموت يغرق بالبحر، جسده..، كانت
ما كافية قلت لك.. إذا قال أيش اللي.. كوثر.. كل شوي نذهب نخش لجارها يعني كوثر شوي قليل بعد من علياء كان... مطوفة.. فهمنا إنه.. قام... يسوي.. يحترق البيت.. كل بيت يحترق الآسى وبعدها.. في.. آسى ويقول: تعرفوها بأن الحياة كلها، وأنا اللي طلعت لخاطرها، واللي أريد بس أسويه في المستقبل راح، كله راح. ما عاد.. عندي عايش..
…….: أحد النساء الموجودات كانت امرأة حامل، ما تعرف الماء المالح والأمطار والأمواج اللي.. تعرف، تحرك ما مسيطرة على نفسها، صرخت صرخة مو طبيعية ما إحنا.. يعني من الخوف أو أقل شيء يعني، بس إن هاي المرأة اللي.. شو.. اللي هي، قالت.. حالة ولادة راح تصير عندها..
….: أفظع ما شفناه بالبحر هي هاي المرأة كانت حامل في شهرها السادس أو السابع، يعني لقيناها مطوفة وجايبة بالبحر يعني أثناء الغرق.. جايبة بالبحر، طبعاً هي وين تروح.. مطوفةوإبنها وراها عن طريق الحبل السُّري.
أسعد طه: حل الليل، وحل مع الظلام ظلم جديد، حادثة يرويها الملتاعون رآهم أناس حضاريون، صوروهم وهم يغرقون، ثم انصرفوا بدعوى أن الغرقى إنما هم مجرمون.
……..: شفت من بعيد غواص، ركزت النظر، فيه ستة بواخر بعيدة علي، فحاولت بإيدي أدبدب حتى أصرِ قريبة على هاي البواخر، وصرت.. صرت قريبة من عندهم، يعني صرت كل شيء قريبة من عندهم، بقيت أسمع أصوات المحركات ما لتهم، وبديت أصيح help.. help..، وبعدين بنفس اللحظة اللي أنا أصيح بها ما عاد.. ناس حوالي يصيحون: الله أكبر.. الله أكبر فأردت أكو ناس أحياء.
……..: قلنا الحمد لله والشكر، الله كتب لنا عمر جديد، يعني قلنا دول جايين على.. راح ينقذونا، راح يخلصونا.. نصيح أنقذونا.. أنقذونا.. النجدة. شوف.. نحنا يعني نسمع صوت المحرك مال السفينة يعني جداً قريبة كانت الصوت، أي.. نشوف..، فما نفرق بيناتهم، نروح هاي.. هاي..
…….: يعني بس أريد أعرف يعني ما تهز مشاعر العالم؟ خاصة الأستراليين، يقولون علينا إحنا: هادول مجرمين.. هادول مجرمين جايين علينا.. هم اللي غرقوا نفسهم؟! يعني بس أريد أعرف أي عاقل بالعالم يجي بنفسه للتهلكة؟!
أسعد طه: الليل طويل، كما هو حكم الطغاة كعمر المستكبرين، قصير في عيون الصابرين تهدمه في النهاية أشعة الفجر المضيء يتسلل فرادى واحدة.. واحدة، فإذا ما اجتمعت تفرق الظلام اللعين وبدت الدنيا وكأنها العيد.
…….: أنا طالعة الفجر بدك طيارة 2 ونصف تيجي فوق راسي، .. أصيح وتؤشر لي.. تؤشر على.. مكان، تؤشر لي روحي بهذا الاتجاه، صدقني أنا رحت وراء.. ورا الاتجاه اللي هم بيؤشرون عليه، يعني ما تابعنا.. يجي.. كم مرة يجي فوق راسك ويصيح.. ويصيح.. ويصيح.. ويصير..، قلت خلي.. بقت هذه معجزة ثانية من رب العالمين، إنه يبعث لي الطيارة هذه يقول لي: روحي بهذا الاتجاه.
……..: .. تقريباً ساعة، سمعت صوت أشخاص يعني قريبين، .. أقرب منهم وألقاهم جماعة.. عقيد وبعض الأصدقاء اللي كنا سوا بالفنادق اللي مرينا بها.
……..: .. على الخشبة كان ويايا حدود 16 نفر، بقينا 7 بدا تدريجيا واحد واحديروح اللي ينام يغرق واللي صاحي لا.. يظل يعني..
......: بعدين قلت خلي هذا وبعد هذا هذا نصيبي من هون.. أخر.. أخر لحظة في حياتي، اتشاهدت، قلت: أشهد أن لا إله إلا الله. وأشهد أن محمداً رسول الله، غمضت عيني، قلت على أساس أدخل نفسي بالبحر، سمعت صوت (boat) وأنا مغمضة عيني قلت بديت أحلم يعني.. بديت يمكن فقدت الوعي وبديت أحلم، بس ظل.. يعني سمعت صوت الباخرة.. فتحت عيني وجدت.. يعني قريب علي، قالوا: تعالوا.. الإندونيسيين موجود..
……..: تمينا جماعة تقريباً بهم 15 نفر، همي أنا.. عدي، فالرجال يستبقون راحوا.. يعني دفعته وأكثر من.. بسرعة، فوصلوا قبلنا للسفينة، فالسفينة بقت يعني –سبحان الله- سفينة هي واقفة وإحنا نيجي على شكل دائرة، هذا اللي.. منه هذا.. من هناك.. يعني.. كي يطلعنا على السفينة، بدت عملية الإنقاذ.
………: شعور يعني ما يوصف يعني.. يعني.. تتذكر أصدقائك.. أصدقائك اللي قبل ساعات كانوا وياك، وكل واحد عنده.. ذكرى حلوة يعني إلى.. إلى أطفاله ولمستقبله، إنه هادول راحوا وإحنا نطلع ما نلقاهم، شعور حزين يعني مؤلمة.. بالإضافة إلى نوع من الفرحة يعني، إنه راح تعيش حياة جديدة يعني، راح تستمر بالحياة في يوم من الأيام تتذكر..
……..: وصل.. ويعني ما أعرف يعني أول ما نظرت إلى ال (boat)، ورأيت وجوه هذه الأشخاص كانت كالدمى، يعني ليس هناك أي تعليق على الوجوه، حالة طبعاً صراع بدأت في المخيم، كل العراقيين الموجودين بقوا.. طبعاً من غير ما حد يعرف إنه..، فبعد الحادث.. يعني حتى أنزلناهم حملناهم حملاً، يعني.. ما بيستطيعوا المشي على أقدامهم، كانت البعض منهم أرجلهم كلها متآكلة من.. من الأسماك، وجوههم كلها متغيرة من أثار الشمس طبعاً، ومن أثار الماء الذي بقوا فيه مدة طويلة..
أسعد طه: في الدفاتر سجلت المسؤولية الدولية المعلومات، وقع حادث أليم يوم التاسع عشر من الشهر العاشر لعام 2001، عندما حاول 430 مهاجراً عبور المحيط من إندونيسيا إلى أستراليا غرق القارب، غرق المهاجرون والناجون فقط 43، ما لم تكتبه المسؤولة الدولية، مازال الحادث يتكرر وما زال المجرمون طلقاء.
…….: أكو بجانب هذا المكان، طبعاً الشباب كانوا يقعدون فوق، مثلاً إذا أكو سمك.. يأتون بسمك والنساء.. تطبخ، وهذا المكان.. لحد الآن للأسف باقي.. كانوا يصفون ذكريات عن الحطام مثلاً: أصدقاء الصناديق المقفلة مفاتيحها تجارب، مثلاً: إذا غاب اسمي عن البال ودُفن جسدي تحت الرمال، فهذا خطي لا يزال. طبعاً هاي مناسبتان، قبل شهر بالضبط عن الحادث، لأن هاي19/9 الحادث19/10 بالضبط، وأنا.. كانوا يجون أطفال الصيد،.. كان.. يجون.. قاعد أخذهم.. هناك.. وقاعد هنا على.. يصرخون.. يصرخون..
أسعد طه: انتهت الحكاية، وكأن النهاية كانت في المحكمة، محكمة. صاح الحاجب، وقف الجميع، من مات ومن غلب البحر وعاد، ضجت القاعة يشكي الأطفال الآباء، يتهم الفقراء الأغنياء، يسب الضعفاء الأقوياء، الرجال تلومهم النساء، والجميع يلعنون فقرهم والأغلال التي كانت في أعناقهم، الضجة خلف الأبواب، الناس والحراس والجلاد، القاضي ليسمع الادعاء، والشهود والاتهام. ثم يصدر الأحكام، يعدم كل من يحاصر العتبات، والحليب في صدور الأمهات والأرجوحة وفساتين الصغيرات، يعدم كل من يحاصر المشافي والحقول والحدائق، وكل مغرد عصفور.
وقاعات الدرس والطبشور، ثم يلتفت القاضي إلى الحضور، إلى المهاجرين والمهاجرات، الأحياء منهم والأموات، ويقول: يُدان كل من يهجر الأوطان ويدع الحكم للزبانية ولا يزرع في الأرض المقاومة. إلى الملتقى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى