رأيت آثار ثورة 25 يناير المصرية على وجه الحياة فى الدانمارك.. زملاء إعلاميون مصريون كانوا معى فى زيارة إلى كوبنهاجن قالوا إن تعامل الشعب الدانماركى معهم مختلف هذه المرة، وصار أكثر نعومة وبشاشة.. لقد أثمر ربيع الثورات العربية مناخا اجتماعيا مغايرا فى الغرب، وانخفض مستوى التوجس والريبة فى كل وافد عربى، وصار هناك نوع من الإعجاب أو الانبهار وربما الدهشة لما أنجزته الشعوب العربية فى 2011 من تغيير.
هذه الحقيقة تخرج بها أيضا من الحديث مع شخصيات من أصول عربية، ومن مسئولين دانماركيين مثل وزيرة الثقافة السابقة جريسا روستول التى تعرف جغرافيا ميدان التحرير جيدا، حيث سافرت إلى مصر لمشاهدة لحظة تعامد شمس الحرية على وجه المجتمع المصرى.
لكن آثار الثورات العربية تظهر أكثر فى نتائج الانتخابات البرلمانية الدنماركية، حيث نجحت قائمة المعارضة التى يأتى فى طليعتها الحزب الاشتراكى الديمقراطى فى حسم السباق على حساب القائمة الزرقاء التى تضم أحزاب اليمين المعروفة بتشددها وتطرفها تجاه المهاجرين والأجانب وخصوصا من الشعوب العربية والإسلامية.
ووفقا لتحليل كثيرين من الدانماركيين فإن تغيرا كبيرا حدث فى المزاج الشعبى الدانماركى، وأن أشواق التغيير هاجرت من الجنوب إلى الشمال هذه المرة لتطيح برئيس الحكومة اليمينى العتيد، وتضع امرأة لأول مرة فى تاريخ الدانمارك فى مقعد الحكم الأول، وهى هيلين شميث» زعيمة الاشتراكيين الديمقراطيين ذات الـ 44 ربيعا.
ورئيسة الحكومة الجديدة تتحرك بين الجماهير على دراجة، حيث لا ينافس الدانماركيين فى استخدام الدراجات كوسيلة انتقال أساسية إلا الصينيون، وربما كانت النسبة فى الدانمارك أعلى، حيث لا يزيد عدد السكان عن خمسة ملايين ونصف، نصفهم تقريبا يعتمدون على الدراجات فى الذهاب إلى العمل والدراسة أو التسوق، حتى الوزراء يذهبون إلى مكاتبهم بالدراجة، ومن الأمور الاعتيادية أن تجد وزيرا أو مسئولا متوقفا فى إشارة مرور بدراجته منتظرا الضوء الأخضر حتى يتحرك مثله مثل أى تلميذ أو عامل بسيط، ومن لا يفضل الدراجة أمامه المواصلات العامة، المترو أو الحافلات، فيما يبقى مستخدمو السيارات الخاصة أقلية هناك.
حتى وزيرة الثقافة الدنماركية السابقة والتى تعدت الستين من عمرها بعد أن استقبلتنا داخل إحدى قاعات البرلمان ثم ودعتنا على البوابة الرئيسية اتجهت يمينا واستقلت دراجتها وانطلقت برشاقة، على أن نلتقى لاحقا فى مبنى بلدية فريدنسبرج مع العضو ذى الأصول العربية المنتخب فيها على مكتبى والذى يتحدث بفخر عن الثورة المصرية معتبرا أنها قدمت الكثير للجاليات العربية فى الدول الأوروبية، التى تقف، شعوبا وحكومات، احتراما وتقديرا وانبهارا بها باعتبارها منجزا حضاريا رائعا قدمه الشعب المصرى.
والمفارقة العجيبة أن الثورة المصرية التى فتن ببهائها العالم المتحضر تواجه فى بلادها بأحط أنواع الانتقام والتنكيل والإهانة وكأنها «بنت خطيئة».. فمتى يدرك حكامنا الجدد روعة ما صنعه المصريون بأيديهم وصفق له العالم كله ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى