فى الوقت الذى تواصل فيه رياح «الربيع العربى» مسيرتها فى عدد من بلدان المنطقة بهدف إسقاط الأنظمة الديكتاتورية، اختارت المملكة العربية السعودية لنفسها لعب دور قائد «الهجوم المضاد» للتغيير فى المنطقة، فى الوقت الذى اعتمدت فيه سياسة السخاء الاقتصادى وطرح إصلاحات سياسية هزيلة فى الداخل بهدف إحداث «صدمة معاكسة للربيع العربى» لدى مواطنيها للحيلولة دون وصول الاحتجاجات للمدن السعودية، لكن مراقبين يرون أنه من المبكر الركون للانطباع السائد لدى البعض بأن المملكة قد نجحت فى تخطى تداعيات «الربيع العربى».
وتشير صحيفة «الجارديان» البريطانية إلى أن السعوديين يقودون النظم الملكية الأخرى فى المنطقة فى الهجوم المضاد للتغيير السياسى، موضحة أنهم دعموا الديكتاتورين فى كل من تونس ومصر حتى الدقيقة الأخيرة، وقدَّموا مبلغ 1.4مليار دولار أمريكى كمساعدة للأردنيين، ووافقوا على ضم الأردن والمغرب إلى مجلس التعاون الخليجى، كما أرسلوا قواتهم إلى البحرين لقمع الاحتجاجات التى يهيمن عليها الشيعة، واعتبرت الصحيفة البريطانية أنه «من الحماقة أن نتخيَّل أن السعودية يمكنها أن تحصِّن نفسها ضد التغيير، ولكن هذا ما تحاول هى حقيقة فعله».
ووسط مخاوف من احتمال سقوط حكامها بعد الثورات الشعبية، يبدو أن السعودية تنازلت عن قدر من دورها الإقليمى الريادى إلى تركيا التى اتخذت موقفاً قوياً ضد اسرائيل والرئيس السورى، ففى مواجهة قضايا ملحة مثل الاعتراف بالدولة الفلسطينية والاضطرابات فى اليمن وسوريا، تتحاشى السعودية الأضواء وتنتهج «دبلوماسية التمويل» كتعهدها بمليارات الدولارات لمصر والسلطة الفلسطينية.
فعلى الرغم من أن كلا من الملك عبدالله ووزير الخارجية الأمير سعود أيدا الطلب الذى تقدم به الفلسطينيون لإعلان دولة فلسطينية، لكن ذلك جاء فى شكل بيانات تصدر للصحفيين ولم يقم أى منهما بقراءة البيان بنفسه مما قد يكون مؤشرا على أنهما لا يضغطان بشكل كاف فى هذا الملف. ويقول روبرت جوردان، السفير الأمريكى السابق لدى الرياض، إنه من غير المرجح أن يخاطر السعوديون بالعلاقة الأساسية مع الولايات المتحدة بسبب أى استخدام لـ«الفيتو» مما يلمح إلى أن ثقلهم فى هذه القضية محدود.
ويقول محللون إن السياسة السعودية المتعلقة باليمن تفتقر إلى القوة أيضاً، ففى حين أيدت الرياض خطة سلام خليجية لتنحى الرئيس اليمنى على عبدالله صالح فإنها لم تضغط على الزعيم اليمنى للقيام بعملية نقل سلس للسلطة، كما بدت السياسة السعودية بشأن سوريا فاترة بعض الشىء. ففى شهر أغسطس، طالب العاهل السعودى الملك عبدالله بن عبدالعزيز بإنهاء العنف ضد المحتجين وسحب سفيره من دمشق، لكنه لم يسمح عبر جامعة الدول العربية على سبيل المثال باتخاذ إجراءات ضد الرئيس السورى بشار الأسد.
داخلياً، قام العاهل السعودى بخطوتين مؤخراً لتقديم وجه أكثر ليبرالية، حيث إنه أبطل حكما بجلد امرأة لقيادتها السيارة، وأصدر أمراً ملكياً يقضى بالسماح للمرأة بالمشاركة بانتخابات المجالس (الشورى والبلدية) فى عام 2015، لكن «الجارديان» ترى أن أيَّا من القرارين المذكورين لن يترك من أثر أكثر من كونهما «تموُّجات على السطح»، موضحة أن نصف مقاعد مجلس الشورى فقط تُشغل عن طريق الانتخابات، وأنه لا سلطة حقيقية لمجلس الشورى وللمجالس البلدية فى المملكة، إذ إن «جميع المناصب المهمة فى المناطق يشغلها أفراد من الأسرة المالكة»، كما توضح الصحيفة أن الإعلام بشكل عام مازال يخضع لسيطرة النظام.
ويقول الكاتب والمحلل السياسى السعودى حسين العلق إن «المملكة تبدو اليوم متأهبة أكثر من أى وقت مضى لاحتواء الربيع العربى فى الخارج، واحتواء مطالب التغيير والإصلاح فى الداخل فى آن واحد. ولعل الرؤية القائمة اليوم لدى دوائر صنع القرار هى أن مقتضيات احتواء الخطر الخارجى المتمثل فى سقوط الأنظمة الحليفة يتطلب فرض المزيد من التشدد إزاء مطالب الإصلاح فى الداخل، حتى لا تظهر هذه الاستجابة على أنها علامة ضعف قد تدفع لتقديم المزيد من التنازلات فى الداخل والخارج».
وعلى الرغم من أن السعودية نجحت مؤقتاً فى امتصاص جزء من حالة الاحتقان القائمة، فإنه من الصعب اعتبار هذا النوع من المعالجات حائط صد دائم أمام رياح التغيير التى تضرب دول المنطقة، فالاحتجاجات التى خرجت مؤخراً فى بلدة «العوامية» الشيعية أثبتت أن «السدود» التى وضعتها المملكة فى وجه «رياح الربيع العربى» لم تكن بالقوة الكافية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى