ظهر القناصة مرة أخرى فى أحداث ماسبيرو.. شهادات الشهود وطريقة قتل المتظاهرين كلها تقودنا إلى هذه الحقيقة، أن القناصة موجودون، ثم لا يزالون يمارسون دورهم حتى الآن، ثم إنهم غير مرئيين أمنيا، ثم إنهم يفرون دائما من موقع الجريمة بمنتهى السهولة!
سيقول البعض إن هذا كلام غير مؤكد.
طيب، وما المؤكد إذن؟!
لا يوجد أى جهة فى مصر تعلن أنها متأكدة من حاجة فى هذه الظاهرة، حتى إن المؤتمر الصحفى للمجلس العسكرى قال «إننى لم أضرب ولم أقتل»، لكنه لم يقل من الذى فعلها فهو لا يعرف، حتى الجنرالات لا يعرفون!
وزير الداخلية اللواء منصور العيسوى قال لى فى مكالمة تليفونية مطولة أول من أمس إنه لا ينفى وجود قناصة خلال الثورة قتلوا متظاهرين، لكنه ينفى حاسما أنهم كانوا من وزارة الداخلية أو أنهم ظهروا فى الأيام من 25 إلى 28 يناير!
كل من التحق بدورة قنص فى وزارة الداخلية منذ عام 1974 حتى يومنا هذا هم ألف وأربعمئة ضابط، تدربوا على قنص محتجزى الرهائن، ومنذ ثلاثين عاما يوجد هيكل طائرة يتدربون فيه على عمليات الإفراج عن الرهائن فى منطقة طرة، أما أن الداخلية شاركت فى عمليات قنص فى ميدان التحرير منذ 25 إلى 28 يناير، فلم يحدث -وفق كلام الوزير- حيث لم تكن هناك أهداف للقنص مثلا، فلا يوجد قادة معروفون للمظاهرات، ولا أسماء مستهدفة بالاغتيال، فضلا عن أن وزارة الداخلية -طبقا لحوار وزيرها معى- قد ماتت فى 28 يناير مساء، وخشى كل مسؤول فيها من المحاكمة والمساءلة فترك موقعه ومسؤوليته، فانتهى الأمر، إنها لم تكن موجودة لتفعل شيئا، لا قنص ولا غيره!
الوزير منصور العيسوى يقول ما يصدقه وما أصدق تماما أنه يصدقه، لكن هل هو يعرف كل شىء؟
فالداخلية وقت مبارك كانت جهازا متشعبا وواصلا بجسور لأعلى مستويات الدولة ومأمورا من رئيس الجمهورية مباشرة، ثم هناك دوائر داخله مجهولة تماما وسرية كلية عن كثير جدا من مسؤولى ولواءات الداخلية، فمن الممكن أن تكون هذه البؤر تعمل وحيدة ومنفردة ومنفصلة، وبعد انهيار الوزارة راحت تعمل لحسابها أو لحساب مباشر مع قيادات علوية تتجاوز الوزارة ووزيرها!
ربما يمضى هذا التصور صحيحا كذلك فى تعاون أجهزة أمنية مع عناصر البلطجية ومسجلى الخطر، وهو موضوع معلوم للجميع، سواء فى انتخابات أو غيرها، لكن هل هو موثق؟ هل كان بعلم كامل من مسؤولين وبشكل شرعى علنى فى دوائر وزارة الداخلية؟ ربما كان هذا انفرادا من جهاز أمن الدولة، الذى صارت له مع عصر مبارك صلاحيات ومسؤوليات وقدرات وتحركات أبعد كثيرا من التقارير والأوامر التقليدية، وكان لهذا الجهاز بنفوذه وفلوسه وعلاقته برئيس الجمهورية وابنه قدرة على الحركة وحده منفردا عن الوزارة، أو بعلم حبيب العادلى فقط، وهو ما يجعل كثيرا من خفاياه وأسراره المعتمة قد ماتت أو دفنت بتغيير طواقم الوزارة أو رحيل وزير ورئيس الجهاز نفسه!
لماذا أذهب للقطع بأن هناك أسرارا لم يكشف عنها أحد الستار حتى هذه اللحظة؟
لأنه لا توجد إجابات عند وزير الداخلية نفسه ولا المجلس العسكرى ذاته عن قناصة ميدان التحرير، فاللواء العيسوى يرى أن هناك قناصة بالفعل بعد 28 يناير، وتحديدا -طبقا لما رواه لى- منذ 2 فبراير، وأنهم قتلوا متظاهرين بغرض بث الذعر والرعب وتفتيت المظاهرة والاعتصام فى التحرير. من هؤلاء يا سيادة الوزير.. ومن يتبعون.. وهل تم الإمساك بهم أو بخيوط تقود إليهم؟
يجيب وزير الداخلية: لا أعرف!
طيب هل يعرف النائب العام بناء على تحقيقاته؟ لا يعرف!
إذن هل يعرف المجلس العسكرى، وها هو يدير شؤون البلاد منذ ثمانية أشهر؟
لا يعرف!
إذن لا جنرالات الجيش ولا الداخلية يعرفون عن هؤلاء القناصة شيئا، فكانت النتيجة ببساطة أن القناصة عادوا إلى الظهور فى ماسبيرو!
ماذا تسمى هذه العودة إلا أنها فشل فى إدارة البلاد، فشل من الناس اللى فوق والناس اللى تحت.
كانت إجابة وزير الداخلية لى فى نهاية مكالمته الكريمة: لا شك أن هناك يا أستاذ إبراهيم جهات وأطرافا تخرب فى البلد ولا تريد له الاستقرار ولا تبغى للثورة النجاح!
أوافق اللواء العيسوى تماما، لكن الفرق أن مهمة وزارته وحكومته والمجلس العسكرى قطعا أن يعرفوا -هم- من هذه الجهات؟!
هم لم يقوموا بمهمتهم حتى الآن، فنحن نرى التخريب لكننا نسمع فقط عن المخرب ولا نمسكه، ونحن لا نقبض على القناصة ولا نعرفهم، لكننا نقبض على الجمر ونعرف أسماء شهدائنا فقط!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى