ما بين الشفوى والتحريرى فى لقاء ممثلى بعض الأحزاب والمجلس العسكرى مساحات شاسعة من الإبهام والغموض والأكروبات السياسية.
ويمكن القول وحسب شهادات الشهود إن اللقاء نجح فى الشفوى، لكنه فى التحريرى سقط بامتياز، وخصوصا فى الفقرة الأخيرة التى جاء فيها «أن الموقعون على البيان يعلنون تأييدهم الكامل للمجلس» وبصرف النظر عن أن الصياغة حافلة بالخطايا اللغوية والنحوية، كون اسم أن أصبح مرفوعا بمرسوم عسكرى رغم أنف سيبويه، فإن فقرة التأييد هذه تكشف إلى حد طغت روح الصفقة على الموضوع برمته، فأصحاب مطلب المادة الخامسة اعتبروا أن اللقاء نجح من منظورهم الخاص، وطالبو القرب من المجلس اعتبروه لقاء نموذجيا طالما جلسوا وأكلوا والتقطوا الصور، ثم طلعوا علينا فى الفضائيات يتحدثون عما ينبغى ولا ينبغى فى هذه المرحلة.
وكنت أتمنى من الثورجى الكبير الجنرال رامى لكح قبل أن يعطينا دروسا فى الممارسة السياسية وعبور المراحل الانتقالية أن يقول لنا إلى أى مرحلة وصلت مشاكل قروضه من البنوك، وما نشر عن قرار منعه من السفر بشأن هذه القضية، وعندها من الممكن أن نستفيد من ثقافته العميقة فى التزلج فوق الثورات والوصول بها إلى الشواطئ البعيدة.
لكن غير المفهوم حتى الآن فى هذه «القعدة» هو موقف الثائر الكبير الدكتور محمد أبوالغار، والذى قيل إنه وقع بالأمس على البيان على الرغم من صدور بيان من حزبه يؤكد التلاعب فى نتائج الاجتماع، وإقحام أشياء فى البيان الصادر عن «العسكرى» غير تلك التى تم الاتفاق عليها فى المناقشات، وحسب البيان الصادر عن الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى «وقد انتهى الاجتماع إلى مجموعة من القرارات والتوافقات التى وجدها حزبنا أقل مما يصبو إليه، لكنه وجدها غاية ما يمكن تحقيقه فى ظل توازنات القوى الراهنة، وفى ظل حرص حزبنا على ما نراه ضرورة من دفع عجلة المرحلة الانتقالية إلى الأمام فى اتجاه بناء مجتمع ديمقراطى، ولكن د. أبو الغار فوجئ- بعد أن اضطر الى مغادرة الاجتماع قبل الاطلاع على المسودة النهائية - بأن الصيغة النهائية التى تم التوقيع عليها تتضمن فقرة تتحدث عن التأييد الكامل للمجلس العسكرى وهو أمر يرفضه د. أبو الغار ويرفضه حزبنا الذى كان أعضاءه ومؤسسيه وقادته طوال الوقت فى مقدمة صفوف ثورة يناير منذ الأيام الأولى وحتى الآن»
وبصرف النظر مرة أخرى عن كمية الأخطاء النحوية المهولة فى النص فإن اللافت للنظر أكثر هو توقيع الدكتور أبو الغار على بيان مغاير لما تم التوصل إليه فى المناقشات، وهو ما يقود إلى أسئلة قد تبدو سمجة بعض الشىء عن استسلام واحد من آباء الثورة لأسلوب الأمر الواقع، والرضوخ لمنطق القبول بما دون الحد الأدنى من مطالب ثورة قدمت الحد الأقصى من التضحيات؟
إن آفة مصر بعد الثورة أنها فى الشفوى متفوقة للغاية، لكنها عند الاختبارات التحريرية والعملية تكون مرتبكة ومتلعثمة، وربما بليدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى