أحداث ماسبيرو..فتنة طائفية أم قصور فى إدارة أزمة؟

تحقيق – د. هند بدارى
ليست المرة الأولى وربما لا تكون الأخيرة.. فكم تظاهر الأقباط أمام مبنى ماسبيرو، محتجين على هدم كنيسة أو اتلافها، رافعين شعار"سلمية .. سلمية و الجيش والشعب ايد واحدة".
ولكن المظاهرات الأخيرة المطالبة بسرعة حل مشكلة كنيسة مريناب بأسوان، شهدت الاحد 9 أكتوبر مواجهات عنيفة بين قوات الأمن والمتظاهرين، أسفرت عن قتلى ومصابين، ما اثار جدلا واسعا فى محيط الرأى العام.
فكيف يفسر الخبراء الاستراتيجيون والقانونيون هذا المشهد الخطير.. هل يرتبط كالعادة بالفتنة الطائفية أم بخلل فى ادارة الأزمات أم بحالة الفراغ الأمنى بعد ثورة يناير أم محاولة جديدة لضرب استقرار مصر قبيل انطلاق الانتخابات؟.
ليست فتنة طائفية
د. زكريا حسين الخبير الاستراتيجى ومدير أكاديمية ناصر العسكرية سابقا قال لموقع أخبار مصر إن أحداث ماسبيرو الأخيرة بعيدة تماما عن الفتنة الطائفية ولكنها تكشف قصوراً فى إدارة أزمة طائفية نشبت من مدة طويلة ،متسائلاً : كيف يصف البعض الموقف بالفتنة دون أن يتضمن المشهد الواقعى اشتباكاً بين طرفين أو طائفتين مختلفتين؟.
وأضاف د. حسين أن القراءة المتأنية للمشهد تبرز أسبابا جوهرية لتوتر ظاهر بين طائفة المسيحيين بسبب خلاف ادارى حول ترخيص كنيسة ماريناب فى أسوان ،والملاحظ أنه قد اندست بينهم عناصر من البلطجية لاثارة شغب بحجة عدم الاستحابة لمطالب طال إنتظارها مشيرا الى أن هؤلاء المندسين يستحقون المحاكمة وفق قانون الطوارىء.
وأوضح الخبير الاستراتيجى أن هناك دوافع كامنة للاحتقان من أهمها أنه لم يصدرحكم واحد خلال الفترة الماضية على من قام باتلاف كنيسة أو الاعتداء عليها ولم ير قانون دور العبادة النور حتى الآن.
قانون دور العبادة ..تحت الدراسة
بينما يرى د.نبيل حلمى عميد كلية الحقوق بجامعة الزقازيق ، وأحد الأساتذة المشاركين فى صياغة المسودة الأولية لمشروع قانون دور العبادة الموحد أنه على عكس الاعتقاد السائد لدى العامة ، فإن التعجيل بصدور قانون دور العبادة الموحد كان سيثير موجة من الجدل الكبير لوجود نقاط تحتاج دراسة وحسماً لأنه ليس للمسلمين والأقباط فقط ، وانما لليهود أيضا وكل الأديان السماوية والعبادات غير السماوية ..فماذا يكون الحال اذا تمت ممارسة شعائر الديانة البوذية الشائعة بآسيا وعبادات طائفة السيخ الهندية بمصر؟.
وأكد الدكتور حلمى أنه لابد من اجراء حسابات تأخذ فى اعتبارها توزيع عدد السكان بطوائفهم المختلفة بحيث يتم تحديد مساحة وعدد دور العبادة فى كل منطقة وحى وقرية بما يتناسب مع عدد ممارسى طقوس وشعائر العبادة بها طبقا لبيانات حقيقية موثقة منبها الى نقطة أخطر،ألا وهى أن بعض الأديرة مساحتها واسعة واذا تعددت يمكن أن يساء استغلالها فى تدريب وتفريغ عناصر متطرفة.
وقال عميد حقوق الزقازيق : رغم هذه التحفطات على قانون دور العبادة ، أنا مع سرعة دراسته لتيسيرإقامة المعابد والكنائس لكن بضوابط محددة ومحكمة ويفضل أن يطرح للنقاش فى حوار مجتمعى واسع قبل إقراره منعا لأية احتجاجات محتملة أو تعديلات لاحقة.
غياب سيادة القانون
أما نبيل صمويل مدير الهيئة القبطية الانجيلية سابقا،فيرجع تطور أحداث العنف أمام ماسبيرو إلى غياب سيادة القانون مشيرا الى وجود حزمة من القوانين والتشريعات ،منها دور العبادة الموحد وعدم التمييز ، تأخرصدورها وتتطلب دراسة فاحصة قبيل التصديق عليها لاحتواء مثل هذه الأزمة .
ثم استدرك صمويل، قائلاً: ليس بالقانون وحده يحيا الانسان ، فلابد من تفعيل القانون وتطبيقه بديكتاتورية على الجميع حتى تستقر الأمور بما يعنى محاسبة كل من يخطىء فى حق الوطن بغض النظر عن خلفيته الدينية أو الاجتماعية .. فاذا كانت هناك جماعة من الناس تتعبد فى دار ما ثم وجدت من يمنعها من التعبد بحجة عدم وجود ترخيص..فلماذا لم يتم التحقيق الفورى فى القضية وحسمها قبل ان تتطور الأمور الى مرتبة الأزمة ؟.
ونبه مدير الهيئة الانجيلية سابقا الى ضرورة التخلص من عادة وضع الرؤوس فى الرمال وإنكار وجود مايثير الفتنة ، لأن هناك شيوخ يظهرون على بعض الفضائيات ليكفروا الناس والتصدى لهم من صميم دور الاعلام فى مواجهة ما يفرق بين الأشقاء،الذين يشهد تاريخ مئات السنين بوحدتهم وتآلفهم ، ولعل لحظات تجلى الوحدة بين المسلمين والأقباط بثورة يناير -التى يجب أن نستدعيها دائما -تنوه عن احتياج الأجيال الجديدة من الشعب المصرى الى بناء ثقافة قبول واحترام الاخر والتحاور الحضارى لإنهاء حالة الاستفزاز والاستنفار السائدة فى الشارع الآن .
فن إدارة المرحلة الانتقالية
فى حين يعتقد د. حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن كل الأسباب السابقة مجتمعة ، كانت وراء مناخ تصعيد الأزمات، فهناك تيارات سياسية ترى أن الحكومة غير حاسمة فى ادارة المرحلة الانتقالية ونوايا المجلس العسكرى غير واضحة بشأن الانتخابات البرلمانية والرئاسية وميعاد تسليم السلطة الى مؤسسات مدنية منتخبة غير محدد.
بل إن قوانين الانتخاب يسودها ارتباك وتعديل للدوائر دون مراعاة أن بعض الناس لاتستوعب هذه التعديلات فضلا عن حالة الاحتقان الاجتماعى المتصاعدة منذ فترة بينما يقوم المجلس العسكرى بمهمة مؤقتة لاطفاء الحرائق دون ايجاد حلول جذرية للمشاكل.
وأضاف د. نافعة أن حالة الفراغ الأمنى التى أعقبت ثورة 25 يناير وصاحبها تعدد وتنوع المطالب الفئوية جعلت البعض يعتقد أنه كلما كثف الضغط وافتعل الأزمات ،كلما حصل على أعلى قدر ممكن من المكاسب.
وألمح أستاذ العلوم السياسية الى أن هناك تزامناً واضحاً بين توقيت اشتعال المواجهات بين قوات الأمن والمتظاهرين الأقباط أمام ماسبيرو وميعاد فتح باب الترشح لانتخابات مجلس الشعب،ما يشير الى وجود قوى متضافرة داخليا وخارجيا لضرب استقرار مصر حرصا على مصالحها الخاصة.
وأوصى د. حسن نافعة الحكومة بالبحث عن جذور المشكلات بدلا من الاكتفاء بتوفير المسكنات والتأهب لاحتواء أى أزمة منذ ظهور بوادرها مع وجود شفافية وجدول زمنى واضح ومحدد لتسليم ادارة البلاد الى مؤسسة مدنية فى أقرب وقت ممكن

مواضيع مشابهة