لم أكن أتوقع أن تتكرر التجربة بعد مرور خمسة أعوام ، بعد ثورة أطحنا فيها بالطاغوت ، أعود الى سجونه؟
تعود اليّ ذكريات الحبس ، كل التفاصيل، من مهارات النوم على الأرض مع ثمانية زملاء في زنزانة ضيقة (2X 4 أمتار) لأغاني السجن وحوارات الجنائيين.
ولكني أعجز تماماعن تذكر كيف كنت أحافظ على نظارتي أثناء النوم. دهست ثلاث مرات في يوم واحد. أدرك فجأة أنها نفس النظارة التي صحبتني في حبسة القضاة .
وأني محبوس الآن، احتياطيا أيضا، على نفس نوعية التهم الفضفاضة والأسباب الواهية لتلك الحبسة،الفرق الوحيدأننا استبدلنا نيابة أمن الدولة بالعسكرية
تغيير يليق باللحظة العسكرية التى نحياها. المرة السابقة شاركني الحبس خمسين زميلا من "كفاية" أما الآن أنا وحيد، يشاركني ثمانية مظاليم، المذنب منهم مظلوم كما البرئ. ما أن عرفوا اني من "شباب الثورة" حتى انطلقوا في لعن الثورة وكيف أنها فشلت في "لمّ" الداخلية أقضي أول يومين استمع فقط الى حواديت التعذيب على يد شرطة تصر ألا تنصلح، بل وتنتقم لهزيمتها على أجساد الغلابة، البرئ منهم والمذنب.
من حواديتهم أكتشف حقيقة الانجازات العظيمة لعودة الأمن. اثنان من زملائي يرون الأقسام والسجون لأول مرة، شباب بسيط بلا ذرة عنف وتهمتهم؟ تشكيل عصابي!
نعم، أبو ملك وحده عباره عن تشكيل عصابي مسلح. الآن عرفت ما تقصده وزارة الداخلية وهي تخرج علينا كل يوم بأخبار القبض على التشكيلات العصابية .
في الساعات القلية التي يدخل فيها نور الشمس الزنزانة المظلمة دائما، نقرأ ما نقشه بخط عربي بديع على الحائط زميل سابق.
أربعة حوائط من الأرض للسقف مغطاة بقرآن ابتهالات وأدعية وخواطر ، وما يبدو كرغبة طاغية في التوبة.
نكتشف في الركن تاريخ اعدام الزميل ويتملكنا كلنا البكاء. يخطط المذنبون للتوبة. أما الأبرياء فلا يعرفون ماذا عليهم أن يفعلوا ليتفادوا نفس المصير.
أسرح عنهم في الراديو، وأستمع لخطاب سيادة اللواء وهو يفتتح أطول علم في العالم، الذي سيدخل بالتأكيد موسوعة جينيس للأرقام القياسية.
وأتساءل: هل الزج باسم الشهيد مينا دانيال كأحد المحرضين في قضيتي رقم قياسيفي الصفاقة؟ على أساس أنهم أولمن يقتل القتيل ولا يكتفي بالمشي في جنازته.
أنهم أول من يقتل القتيل ولا يكتفي بالمشي في جنازته، وانما يبصق أيضا على جثته ويتهمها بالجريمة أو ربما تفوزهذه الزنزانة بالرقم القياسي في عدد الصراصير؟ يقاطع أفكاري أبو ملك : "والله العظيم لو ما نصفت المظلوم، الثورة دي مش هاتنجح
اليوم الثالث : 1 - 11- 2011 الزنزانة 19 ، سجن الاستئناف ، باب الخلق
نقلا عن جريدة الشروق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى