آخر المواضيع

آخر الأخبار

06‏/11‏/2011

أيقونات الثورة المصريّة

320

م. هبة عبد الجواد

مستحيل أن أكون فقدت القدرة على التعبير إلى هذه الدرجة التي أصابتني منذ اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير, هل حروف العربية وكلماتها لا تحمل من المعاني ما يعبر عن أحداثٍ عشناها, أم أن صدمة الفرحة قد اختلطت بمذاق الحرية والكرامة الذي لم نكن نعرفه, فأصبحنا في أمية تحول بيننا وبين تدوين ما حدث!

استجمعتُ ما تبقى من حروف مع ذاكرة حُفرت فيها مواقف لا تنسى بعد أن أصبح هناك هاجسٌ يطاردني, تفاؤلٌ بحذر يطفو على السطح كل حين.. إلا أنّ علاماتٍ بارزة حُفرت في الذاكرة ترفض أن تنصاع إلى تلك الهواجس. ليست تلك المواقف صاحبة العناوين الإخبارية الكبرى التي تحدّث عنها الأبطال الحقيقيون الذين وقفوا أمام قمع البلطجة والأمن المصري.. هي مواقف تبدو هامشية لكنها صنعت إطاراً ذهبياً لتلك الثورة البيضاء.. هي محطات كأيقونات سأضعها على سطح مكتبي.

أيقونة للصمود, وأخرى لعطاء بلا حدود.. وثالثة كلوحة ملونة بضحكات شعب تألّم ثلاثين عاماً.. ورابعة تصور إنكار الذات في سبيل حب الوطن.. صور ومشاهد متفرقة ستجبر الساسة والخبراء على إعادة النظر في دراسات ونظريات التغيير وتكسر بعضها وتخالفه. ربما سأظل أضع تلك الأيقونات واحدة تلو الأخرى كلما استدعيت مشهداً أو صوتاً من وحي الثورة الشعبية بمصر, فلا أدري ما ستأتي به الأيام القادمة, فلربما نحتاج إلى استدعائها كل حين في مواجهة محاولات قتل تلك الملحمة المجيدة .

 

وجوه في زحام التحرير

وجوه لن تراها على الشاشات ولن تسمع صوتها في الإعلام!

صاحبة الوجه المشرق كنت أراها كل يوم في أماكن مختلف, بوجهها الذي أجهدته أشعة الشمس نهاراً, والهواء البارد ليلاً, كانت تقف لتأمين المداخل مع مجموعات كثيرة, كان يظهر عليها الإعياء الشديد, رغم ذلك تنظر إلى عينيها فتجد بسالة تقف أمام أعتى معاقل الظلم والقمع .

حاولي أن ترتاحي.. نظرت إلي مبتسمة: أنا بخير.

تمرّ الأيام وهي هي بنفس ابتسامتها لم تفتر, لن يعرفها أحد ولن نراها على الشاشات.

 

على أبواب التحرير

عند مدخل التحرير نفس الوجه المضيء يقف يومياً وقد بح صوته الشجي.. نعم شجي.. كنت تسمعه فتطرب فرحاً بابتسامته وهو يقف في ذات المكان كل يوم رافعاً بيديه علم مصر, مرحباً بالقادمين إلى الميدان: المصريين أهمه.. حيوية وعزم وهمة “مش هانمشي هو يمشي”,  ”مرحب مرحب بالأبطال”..

كنت تشعر بنشوة عظيمة وأنت تراه وقد اصطف حوله صفين من الشباب للترحيب بالقادمين, كان فعله هذا يهز المشاعر, يقذف في القلوب النخوة والقوة, فتدخل على أرض التحرير وقد فاض إناء حبك للوطن بالصمود والإصرار، فينهمر كنهر جارٍ يسبح فيه الجميع . كم من أصواتِ هتفت فزرعت جذور الحرية في النفوس.. لن نرى وجه هذا الفتى على الشاشات ولن يعرفه أحد.

 

عاملة النظافة

كانت طبيبة مرموقة أراها بملابسها الراقية تمسك بكيس أسود كبير غطى على مكانتها التي خلفتها وراءها ولم تبحث عنها وهي تلملم بقايا أوراق أو أطعمة, لم تكن وحدها.. كان هناك الكثيرون تراهم يومياً يغوصون وسط الزحام, يجمعون القمامة ويبتسمون.. ابتسامة تحكي الكثير والكثير من تفاصيل ثمانية عشر يوماً من العطاء المتواصل.

لن يعرفها أحد ولن تراها سوى مغمورة وسط الزحام في ميدان التحرير.

 

مهمته.. أنه صائم!

هو أستاذ جامعي في العقد الثامن من عمره, يصر أن يتواجد كل يوم في ميدان التحرير, يقول أنه لا يفعل شيء, يذهب هناك صائماً كل يوم, فقط يصلي ويبتهل لله أن ينجينا مما نحن فيه.

في قنوط الجمعة الأخيرة.. كان صوته ضمن الملايين التي هتفت يا الله.. رجت الميدان.. يا رب .. يا رب .. كانت تخرج من القلب وتهز كل الجوارح.. لم ير أحد دمعته.. ولن تراها على الشاشات.. لكن الله فقط أعلم بذاك الصوت الرخيم عندما ابتهل ودعى المولى أن يفرج الكرب.

 

كوثر التحرير

كنت أراها كل يوم تسير حاملة زجاجات الماء, توقف المعتصمين ليشربوا, هم من فرط انشغالهم نسوا عطشهم وجوعهم, فكانت تذكرهم بالماء, كان ثقيلاً على ظهرهاً الضعيف بجوارها ابنتها الصغيرة تساعدها, يطوفون بالميدان.. أوقفتني وشربت.. لا أظن أني سأنسى طعم هذا الماء ما حييت.. سقاها الله من ماء الكوثر.

هي ومثلها تدفعهم فرحة ونشوة ربما لو سألتهم لماذا أنتم فرحون, ما عرفوا للسؤال إجابة, لن يذكرهم أحد .. ولن تشاهدهم على الشاشة أو تسمع صوتهم.

 

ابتسامة الصمود

منذ اليوم الأول, وهو يسير بين الجموع حاملاً لافتته ليذكرنا بأسباب صمودنا, نفس اللافتة حملها طيلة مدة الاعتصام, هو نفسه بنفس الملابس كان يمسكها ويسير بمفرده, يقف دقائق كي يقرأها الناس.. كانت لوحة كرتونية, من المؤكد أن يداه قد تورمت .. نفس الابتسامة وعلامة النصر ظلت قرابة أسبوعين وكأنه نصب تذكاري متحرك.. كان هذا ما يستطيع أن يقدمه لمعشوقته مصر.

هؤلاء جميعاً لن يذكرهم التاريخ بأسمائهم, ليسوا من قادة الميدان .. ليسوا هم الكتلة الحرجة التي صعنت التغيير, وإنما هم الشعب وفقط, تنسموا نسيم الحرية على أرض التحرير, فخلقت فيهم جينات ظن أساتذة علم الاجتماع أنها اختفت ولم يعد لها وجود.

بهم ستمتلئ صفحات التاريخ بآيات الصمود في صمتٍ مهيب.. وستظل صورهم عالقة عند جموع شعب الثورة يذكرهم بصمود وعطاء بلا حدود.. ستكون تلك الأيقونة كصمام أمان يحفظ تلك الثورة وإنجازاتها.

يقظة فكر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى

موضوعات عشوائية

-

 


ADDS'(9)

ADDS'(3)

-

اخر الموضوعات

مدونة افتكاسات سينمائية .. قفشات افيهات لاشهر الافلام

مدونة افتكاسات للصور ... مجموعة هائلة من اجمل الصور فى جميع المجالات

مدونة افتكاسات خواطر مرسومة.. اقتباسات لاهم الشعراء فى الوطن العربى والعالم

مدونة لوحات زيتية ..لاشهر اللوحات الزيتية لاشهر رسامى العالم مجموعة هائلة من اللوحات

من نحن

author ‏مدونة اخبارية تهتم بالتوثيق لثورة 25 يناير.الحقيقة.مازلت اسعى لنقلها كاملة بلا نقصان .اخطئ لكنى منحاز لها .لايعنينى سلفى ولا مسلم ولا اخوان يعنينى الانسان،
المزيد عني →

أنقر لمتابعتنا

تسوق من كمبيوتر شاك المعادى