الهجوم على عبد المنعم الشحات فيه ظلم حقيقى رغم طرافة وخفة ظل الانتقادات الصادرة عن الشباب التى حولت الرجل فعلا إلى محل تندُّر ليس فقط محل تهكم وتهجم، فالحقيقة أننا يجب أن نشكر عبد المنعم الشحات على صراحته ووضوحه وشفافيته فالرجل تكلم بمنتهى التجرؤ والفخر عن أفكار هى نموذج صارخ لضيق الأفق والصدر وصورة نابضة صادقة للتزمُّت والغلو ولكنه على الأقل قال حقيقة ما يعتقده ويؤمن به، لا كان ملاوعا ولا مخادعا ولا ملتفًّا مناورا، قال مكنونات فكر وحقيقة آراء كل الحركات السلفية التى تعلنها يوميا وتغذى بها كل أعضائها وأنصارها وملتحيها ومنقّبيها فى مصر، من «قذارة» حضارتنا المصرية ومن خلاعة أدبنا وفننا ومن حرمانية عشيتنا ومن جاهلية ديننا ومن انحلال أخلاقنا وكفر أقباطنا ورِدّة ليبراليينا والكراهية العميقة للثقافة والإبداع والغربة عن الواقع المصرى تماما بحيث يعيش السلفى بوجدانه وعقله وفكره فى السعودية حيث سَعْوَدة مصريته من أول ملابسه ولحيته وسواكه ونقاب زوجته وفرض قواعد الفصل بين الأولاد والبنات فى معيشته حتى تحاشِى الالتحام مع منتجات الفكر والفن والحنق الغاضب من أى مظهر للتفتح والانفتاح على أى فكر مختلف ثم تكريس لمشاعر وآراء وفتاوى للتعامل مع الأقباط باعتبارهم فلبينيى السعودية، أى درجة ثانية، أو عبيدا لدى السعودى المتفاخر بإسلامه وثروته، وكذلك تكفير الشيعة (وهم أقلية فى السعودية تزعج الحاكم هناك والمحكوم أيضا) والإمعان فى التنفير منهم لا العمل على التقريب بين المذاهب ولا السعى لتأكيد الذى يجمع بين المسلمين (كما كانت مصر الأزهر دائما) بل الحرص الجهادى على الفصل والتفرقة ووصم الآخرين بأنهم مرتدّون أو كفرة، الانعزال السعودى الوهابى الذى يعتقد أن فرقته ومذهبه هو الدين الصحيح وأى آخر هو مارق أو كافر، ثم إن السلفى المصرى كما الوهابى السعودى تماما لا يكتفى بأن هذا فهمه للدين وطريقة ممارسته لشعائره بل لا صحة لدينه إلا بتكفير الآخرين، ثم إنه حريص على أن يكون داعية ومبشرا لأفكاره ولفهمه، ولعلك تلاحظ أنه لا يوجد سلفى من منازلهم بل معظم السلفيين ينتمون إلى جماعة أو إلى شيخ ويؤدون واجبات ومهامَّ كما أن معظمهم يدرس فى معاهد دعوية وهابية وسلفية حرصا منه على مزيد من الاعتقاد بفهمه ورأيه ومذهبه فضلا عن إحساس بأنه لا يكتمل دينه إلا بأن يتحول إلى داعية له ومبشر به ومطارد للمذموم والمرفوض فى عقيدة الآخرين. والمتأمل للمعاهد الدعوية السلفية يجد أنها معنية بتخرج دعاة لا بتعريف الدارسين بدينهم فقط، وبالمناسبة كلها معاهد خاصة وممولة من تبرعات سواء مصرية أو سعودية أو خليجية، ثم إن مناهجها تقوم على التلقين ولا تستغرق أى جهد ظاهر فى عرض ودراسة آراء المخالفين بل مهتمة بنقد المختلف عنها لا التعريف به ودراسته لفهمه، وما يبدو كذلك شديد الدلالة هو دروس شيوخ ودعاة السلفية التى تعتمد على التلقين والوعظ والإرشاد ولا تعرف المناظرة ولا المجادلة ولا مناطحة الأفكار ومحاججة المسائل بل هى سين عن فتوى وجيم بها ثم تتميز الحركات السلفية ودعاتهم ومناصروهم بأنهم لا يناقشون مخالفيهم بل يطعنون فورا فى دينهم ولا يتحملون نقدا بقدر ما يفتحون نيران السباب واللعان عليهم ولا يسمحون لأنفسهم إطلاقا بتصور إمكانية أنهم على خطأ، فمن أكبر داعية شهرة لديهم إلى أصغر شاب اعتنق سلفيتهم مؤخرا يؤمنون أنهم الصواب والصحة، ولا يجد أى منهم أى مشكلة فى وصف أى هجوم على أفكاره أو تصرفاته بأنه هجوم على الإسلام شخصيا، وهنا تأتى أهمية التوقف عند ما أعلنه عبد المنعم الشحات ليقر واقعا ويكشف حالا فنناقشه بطريقة أبعد من السخرية منه ومن أفكاره على الطريقة النِّتّاوية (نسبة إلى مستخدمى الإنترنت) أو الترفع عنها أو التعالى عليها كما يفعل بعض المثقفين، ولا عن طريق الشماتة الطفولية فى فشل صاحبها فى الانتخابات، فأنا أطمئنكم أن الثلاثين سلفيا الذين نجحوا فى الانتخابات وصاروا نوابا فى البرلمان القادم يؤمنون تماما بما قاله الشحات وربما أكثر منه غلوا ورجعية، ومن ثم فلا يوجد أدنى مبرر للاستغراق فى الفرحة بغياب الشحات، فهناك ثلاثون شحاتا وسيكون مع المرحلتين الثانية والثالثة أكثر نواب المجلس شحاتيى النزعة ذاتها، وأنا أضم هنا نواب الإخوان المتأثرين بالسلفية الوهابية، وهم كثيرون ومنتشرون لا يمنع وضوح شحاتيّتهم السلفية إلا قوة الجماعة ومركزيتها القوية وحرصها الدعائى على تأكيد وسطيتها.نحن أمام ردود أفعال تعيد اكتشاف الحالة السلفية فى مصر بين شعور بالمفاجأة والصدمة من وجود هذه الأفكار والإنكار من أنها منتشرة، وشعور بالترفع والتعالى عن هذه الأفكار والرغبة فى تجاهلها والتعامل معها باعتبارها موضوعا محدودا وهامشيا، واهتمام مفزوع ومذعور بما يقوله هؤلاء كأنهم سيحكمون البلاد أبدا وسيقنعون المصريين كلهم حتى تتحول مصر المتنورة إلى السعودية الوهابية!وهذا ليس طعنا فى السعودية، فمواطنوها أحرار فى ما يذهبون ويتمذهبون، فلم يكن فيهم ولا عندهم يوما إبداع مصر ومثقفوها وفنانوها وحضارتها، ولكنه طعن طعين فى هشاشة العقل والوعى المصرى فى عصر مبارك الذى حوّل مصر إلى أرض تم غزوها من أفكار غريبة يتمرد عليها حتى جيرانها العرب فى الخليج، ففى الوقت الذى تشهد فيه دبى وأبو ظبى مستثمرين أجانب وفنادق وسياحة ترفيهية ومهرجانات سينمائية ونجوم هوليوود العالميين ومعارض للكتاب واستضافة كل مفكرى الغرب، إذا بالسلفيين فى مصر يريدون شدها إلى الصحراء التى يفر منها بدوها. مناقشة عبد المنعم الشحات وزملائه وجمهوره (عرفنا على الأقل مليونين ونصف مليون منهم فى المرحلة الأولى) أهم الآن من أى وقت مضى بعد كل الوقت الذى ضاع ومضى!
12/12/2011
إبراهيم عيسى يكتب: دفاعا عن عبد المنعم الشحات!
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ADDS'(9)
ADDS'(3)
-
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى