"مافيش ظلم تاني ، ما فيش خوف تاني" هكذا صاحت نوارة في 11 فبراير وقبلها بسبعة عشر يوماً أعلن الشعب المصري كله أن حاجز الخوف انكسر ، واليوم وبكل عبقرية التعبير المصري يهتف الكثير : "أيوه بنهتف ضد العسكر" وكأنهم يردون على سؤال استنكاري خائف : " العسكر ؟! إلا العسكر فهم خط أحمر" ، خائف خوفاً مباشراً من المحاكمات العسكرية والقتل وفقأ العيون وتلفيق القضايا ، أو خائف خوفاً معنوياً من انهيار الدولة إذا سقط العسكر ..
وأقول كما قال مالك مصطفى : " بعد أن حملنا الشهداء من أصدقائنا وأحبائنا وأهلنا ، وبعد أن فقدنا عيوننا هل يتصور عاقل أننا يمكن أن نخاف !" .
فإذا رأينا وأيدت رؤانا كل القرائن والشواهد أن العسكر لا يقدرون على التغيير الحقيقي وأنهم أيضاً لا يسمحون للقادرين أن يغيروا بأنفسهم ، فقد هتفوا يسقط يسقط حكم العسكر ... أيوه بنهتف ضد العسكر
كان هذا على سبيل الإجمال ، وفي التفصيل دعونا نحاول أن نفهم بهدوء لماذا مازال الثوار الحقيقيون الأطهار في الشوارع ، ولماذا المرجفون والمعوقون مازالوا سارحين في أرجاء البلاد..
خرجنا في 25 يناير نطالب بإسقاط النظام وهدم الفساد لننتج على طريقة الشعراوي رحمه الله بناءَ جديداً يثمر عن عيش ، حرية ، كرامة ، عدالة اجتماعية ، لم يكن لأحد منّا خصومة شخصية مع مبارك ، ولا أعلم أن أحداً نزل في ميادين الثورة احتك بمبارك شخصياً أو حتى رآه عن قرب !
خرجنا لأن هناك ثأر مع سياسيات مبارك وأفعال مبارك ونظام مبارك ، تنحى الرجل أو خُلعَ ولكن أياديه المنتشرة في كل مكان مازالت تعمل كما كانت ، وسياساته وأفكاره ، بل حتى أحياناً نفس آلياته وشخوصه !
من كان يكره مبارك فإن مبارك قد رحل ، ومن كان يرجو الحق والعدل فإنهما باقيان
حرية – كرامة
في عهد المخلوع كان الضابط يرى نفسه خلقاً آخر غير الناس ، يجب أن يقف أمامه المواطن العادي مرتعشاً منحنياً لاهثاً بعبارات الثناء والتوسل حتى يحصل – إن أراد الباشا - على حقه البسيط المشروع ، ويشكر الله أن الباشا لم يلجأ إلى إهانته أو تعذيبه بل وربما قتله أيضاً دون رادع من قانون أو ضمير ، فهذا من حق الباشوات المكتسب بل وربما باب للتباهى والتفاخر.
في عهد المخلوع وما قبله كانت وصية الآباء لأولادهم أن يمشوا جنب الحيط وربما "جواه" حتى لا يذهبوا وراء الشمس ، إذ لأي ضابط الحق في القبض والمحاكمة بتهم فضفاضة معلبة عن التجمهر وتكدير السلم العام والعمالة والتمويل الأحنبي ،
وبيانات الداخلية والحكومة عبارة عن سيل من الإنكار لكل الوقائع المجردة ، وأن الشعبهو المخطئ دائماً ، والضباط ملائكة !
خرجنا لنقول: لا نريد فوضى ، ولا نريد للعملاء والممولين الخائنين ، ولا المجرمين الجنائيين أن يعيثوا في الأرض فساداً دون عقاب . لكن ضعوهم تحت طائلة القانون ، حاسبوهم بأدلة واضحة حاسمة ، إذا ثبت جرمهم فعاقبوهم عليه بما يمليه القانون والأعراف دون قذف بالباطل ودون تعسف في الإجراءات ودون إهانة أوتعذيب .
في عهد المخلوع وما قبله كان الغلبان - حتى وإن كان عبقرياً في مجاله - لا سبيل له إلى الولوج إلى منطقة النور ، فالكرامة محجوزة للشلة اللي فوق ومحاسيبهم وأقاربهم وجوقتهم.
في عهد المخلوع وما قبله كان الغلبان – لا كرامة له في مستشفى ولا مدرسة ولا حتى وسيلة مواصلات فهو ابن الناس اللي تحت ، هل يعلم هؤلاء أن الناس اللي تحت هم مصر الحقيقية وأنهم على أكتافهم – وحدهم – رفعوا هؤلاء فصاروا الناس اللي فوق؟!
خرجنا لنقول : لنا الحق - كل الحق - في نقد أي شيء - وكلّ شيء - مادام لدينا الحجة والمنطق ، لا أدعي أننا نملك الحقيقة المطلقة ، بل ولا الحقيقة نفسها ، ولكننا نملك أن نحرك المياه الراكدة بنقدنا وأسئلتنا وملاحظاتنا دون الخوف من أن يغضب الجماعة اللي فوق فنذهب وراء الشمس.
خرجنا لنقول : للغلابة الحق في العيش الكريم والعلاج اللائق والاحترام الآدمي :" ولقد كرمنا بني آدم" .
أعلم أن الطريق إلى هذه الحرية والكرامة طويل ، وأنه لا أحد يملك أن يمحو كل هذا الظلام بكبسة زر ، ولكن هل رأى منكم أحد بريق نورٍ في آخر النفق حتى نهدأ قليلاً ، وهل شعر أحدٌ أن الجماعة اللي فوق عقدوا النية على الاعتراف بخطئهم وتطهير أنفسهم وأننا سائرون في الطريق الصحيح؟!
وهل يتوقع أحدٌ أن الجماعة اللي فوق سوف يتسابقون إلى التطهير بمحض إرادتهم دون قوة تقهر النفس الأمارة بالسوء داخلهم ، وحيث أن القوة الحاكمة -المجلس العسكري في هذه الحالة- لم تظهر حتى بادرة خير لتطهير هذه الأنفس خرجت القوة الثائرة لتصرخ : سنطهر بأيدينا ويسقط يسقط حكم العسكر.
عدالة اجتماعية
كان مبارك ونظامه يتشدقون في كل حين أن أول ما يهتمون به هو محدود الدخل ، وكذلك قال العسكريون والإسلاميون من بعد ، ولم ير أحدٌ اهتماماً غير بعض أكياس السكر وقناني الزيت الممهورة بذلة لشراء أصواتٍ موسمية وفقط.
لا أريد أن أتحدث في تفاصيل الاقتصاد فالخبراء الشرفاء كثير ، وقد قدموا من الدراسات ما تنوء بحمله الجبال ، لكننا نجد الميزانيات دائماً لشراء أدوات القمع والتعذيب ، ولندفع رواتب المستشاريين من منازلهم بينما يقول الوزراء المتعاقبين حين ضج الناس وطالبوا بالحد الأدنى للأجور : "هنجيبلكم منين" ، ويرددها من ورائهم المجلس العسكري أيضاً ،
وأقول : الإجابة الحد الأقصى يا سيادة المشير ، هناك دراسات كثيرة ، شاركتُ على استحياءٍ في بعضها ، خلاصتها أنه يمكن لكل مؤسسة منفردة أن تكفل الحد الأدنى لكل موظفيها إذا طبقنا الحد الأقصى على الجماعة اللي فوق في نفس المؤسسة ، بل ربما وفرنا فائضاً تستخدمه الدولة في مرفق آخر.
ولكن ، لأن الجماعة اللي فوق لن يتنازلوا بسهولة عمّا يظنونه مكتساباتهم ، فلابد أن تُعَرقلَ كلُّ محاولات إنقاذ الغلابة الحقيقيين ، والاكتفاء بالشعارات البراقة والشكوى من تدهور الاقتصاد وسوء الأحوال ، ولهذا خرجت القوة الثائرة مرة أخرى لتقتنص من أفواههم حقوق هؤلاء الغلابة صابين لعناتهم على القوة الحاكمة التي كان لها – أن أرادت – ان تكفيهم عناء الاعتصام في البرد ، وأن تقي أهاليهم جزع الفراق فصرخوا : يسقط يسقط حكم العسكر.
العمود الآخير
"أنا أو الفوضى" ، هكذا هدد المخلوع ، وصدقه بعضهم من الخوف ، وهكذا يهدد المجلس العسكري ويصدقه البعض أيضاً ، لا أحب الخوض في تفاصيل أعلم أن الشيطان يسكنها ، ولكن هل طالب أحدٌ بتفكيك القوات المسلحة ، بل حتى وهل طالب أحد برحيل المجلس الأعلى عن موقعه كقائد للجيوش والهيئات والأركان ، نطالب فقط أن يلتزم المجلس الأعلى بصفته حاكماً مفوضاً بما تمليه عليه الثورة ، أو فليترك الحكم لمن يقدر على ذلك .. اللهم إلا إذا كانوا يفكرون بمنطق الأطفال الذي انتهجته الداخلية في 28 من يناير " طيب ، والله مش لاعب ، شوفوا بقى من هيحمي الحدود ، ومين هيأمن البلد".
الشرعية الدستورية
قُلِبت أدمغتنا ، وتاهت خطانا في الدوائر المتشابكة الذي يرسمها الحاكمون ومعهم كل القوى السياسية التي تربت في حظيرة مبارك .
هل تذكرون الجدل العقيم حول الاحتياج إلى مبارك لبضعة أشهر حتى يتم تعديل الدستور ، وأن المادة الفلانية لا تسمح لغيره بالتعديلات ، وأننا في مأزق دستوري ؟!! ألا يذكركم الجدل الدائر الآن بنفس الحلقة من المسلسل ؟!
الدستور ياسادة هو عقد اجتماعي يكفل الحقوق والحريات لجميع طوائف الشعب ، هكذا أفهم وهكذا يردد الجميع بما فيهم فضيلة المرشد العام للإخوان ، فلماذا كل هذا العته من الجانبين ؟؟ أم أنها دوامة التلاسن لأسباب أخرى في نفس اليعاقيب !
أيها العقلاء : "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" ، ولا أظن أن مسلماً حقاً يسعده أن يساهم في فرض النفاق فالإيمان كما يعرفه أهل العقيدة : " ما وقر في القلب وصدقه العمل " ، فبالله عليكم مالفائدة أن تعمل الجوارح طقوساً شكلية اتقاءً لقانون أو خوفاً من حاكم ، دون أن يستقر في القلب شيء.
اصدقوا النوايا واعملوا ، حينها سيعود الثوار إلى عائلاتهم وأعمالهم ، وسيهتفون بحياتكم أيها العسكر ، ويصلّون وراءكم أيها المشائخ ، وإلا فسيواجهون قنابلكم وغازاتكم وصلواتكم بهتافهم المبدع : " ايوه بنهتف ضد العسكر".
احمد البحرواى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى