أما نهج تسليط «المواطنين الشرفاء» على «الثوار» أثناء المظاهرات فى الأحياء المختلفة أو عروض الداتا شو التى تعرض للجماهير الجزء الغائب من الحقيقة الذى لا يعرضه التليفزيون المصرى، فهو نهج ربما ينتشر الآن فى صورة تحريض فى بيانات أو إعلام سلطوى مغرض. وربما يهدف هذا النهج لتقزيم الثوار ومن يطاوعهم على الحركة فى الشارع، ليس فقط لإجهاض أى تحركات كبيرة محتملة، ولكن لسحب الناس من الشوارع والميادين التى شعروا بعد الثورة بأنها ملكهم وعبرها يصل صوتهم.
المشكلة لم تعد فقط عبء «الثورة» بما تمثل من صداع يقض مضاجع من هم فى السلطة أو ملتحقون بها، المشكلة صارت فى تلك الكتل الاجتماعية التى لم تنتظم بعد ولكنها عرفت الطريق للاحتجاج. فمسألة التسوية المؤقتة التى ستعتمدها أى أغلبية منتخبة مع القائمين على الحكم الآن ربما تكتمل بهدوء ولكن إلى حين. فطالما لم تبلغ هذه الثورة مداها ولا الجزء اليسير حتى من أهدافها ستبقى هناك جماعات اجتماعية تؤرقها أزمات كبرى سياسية واجتماعية واقتصادية لم تشملها صفقات التسوية.
وهذه الجماعات كلها لم يعرض عليها أى تسوية هى الأخرى، بل ويتم استبعادها من محاولات صنع «توافق» حقيقى غير مزيف، ولا مرهون برأى البرلمانيين الجدد، يعبر بالبلد لعقد اجتماعى جديد أو «إعلان استقلال مصرى» يدشن مرحلة ما بعد الثورة. إذن ما سقط من أحلام، وما تغافل عنه «المتوافقون» من مطالب وحقوق، لا يزال يبحث عن صوته فى الشارع.
يحلم من فى السلطة الآن باستيعاب كل هؤلاء وامتصاص غضبهم، بل وتفتيتهم وتأليب الجمهور عليهم حتى لا يواصلوا حراكهم الذى اتسع وزادت أخطاره. والمسار الانتخابى هو بالتأكيد حل ديمقراطى يضمن حجة دائمة لنزع الشرعية عن الاحتجاج، بينما لم نسمع من قبل عن دولة ديمقراطية بها برلمان وليس بها احتجاجات اجتماعية من كل نوع.
ولذلك ربما يصبح الحل أمام من أتموا المسار الانتخابى بنجاح، ثم التسوية المؤقتة الهشة بعده، أن يستعينوا بمواطن شريف لكل محتج. كتلة أوسع ممن يتشبعون بخطابات التخوين والعمالة والتكفير والمؤامرات التى تستهدف مصر من كل حدب وصوب، يكون دورها تتبع هؤلاء الذين يثيرون الاحتجاجات التى يسمونها «القلاقل»، وتشويه صورتهم ونشر الشائعات عنهم وضربهم لو لزم الأمر. شرطة شعبية تفتيشية مقتحمة لحياة الناس الشخصية والعامة، مدججة بكل أسلحة الشر المجانى الذى تفرغ عبره غلّها.
هذا الغل الذى أودعه نظام مبارك داخل الجميع بعدما عذّب وقمع وأفقر وأنهك وذل ونفى وشرّد، وصار المصريون قنابل موقوتة كل منها ينفجر فى اتجاه يخصه. والاتجاهات منها ما كان إيجابياً (مثلما حدث فى يناير) ومنها ما هو وبال يحمل نزعة انتقامية من ماض قريب وموجع، ولكنها موجهة غالبا تجاه من نكئوا الجراح بالثورة، ليطالبوا الجميع بأداء ما عليهم واحترام الدم الذى سال.
الأغلبية المنتخبة لم تبتعد كثيرا عن مشهد التعذيب الجماعى فى عهد مبارك وقبله، بل كانت فى القلب منه أحيانا. والآن تشارك بالتحريض أو بالصمت المساند فى تعبيد الطريق أمام شرطة المواطنين الشرفاء لاستنفارها وقت الحاجة. لأن هناك من لا يزالون فى الشارع... وسيظلون.
12/01/2012
فيروز كراوية :مين عذّبك بتخلص منى؟!
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
موضوعات عشوائية
-
ADDS'(9)
ADDS'(3)
-
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى