المشير يعلن انحياز الجيش للشعب.. ويحمي شرعية الميدان
كانت الحشود لا تزال تتدفق علي ميدان التحرير بينما هناك عشرات الآلاف ظلوا معتصمين في الميدان لليوم الثاني علي التوالي وبدا للقيادات التي اجتمعت في القصر الجمهوري أو تلك التي أخذت تتجه إليه أن الأمر خطير للغاية وكان مبارك حتي اليوم الثالث من تزايد الحشود في ميدان التحرير لا يزال يعتقد أن الأمر لن يخرج عن يده ويد قواته سواء في الداخلية أو الجيش أو حتي الحرس الجمهوري.
ولكن بمرور الوقت وانقضاء الأيام واصرار الثوار علي عدم مغادرة التحرير إلا بعد تحقيق المطالب بدأ مبارك يشعر بخطورة الموقف بل وبالكارثة التي توشك أن تحل عليه.. لكنه باعتباره نفس الرجل الذي لم يتغير وظل 30 عاما يحكم البلاد بالعناد والاستهتار بالمواطن ويتصرف بغباء سياسي شديد لم يتنازل ولم يحتو المظاهرات منذ يومها الأول بل ظل معاندا ومستكبرا علي الخروج للشعب أو تهدئة هذه المظاهرات وينصرف الشباب إلي بيوتهم ولو حدث وانصرف الشباب في اليوم الثاني أو حتي الثالث لكانت الثورة قد انتهت تماما. ومع ذلك تعرض مبارك خلال 18 يوما ما بين خروج المصريين للثورة عليه وتخليه عن الحكم إلي ضغوط هائلة ما حاصرته من كل الاتجاهات ولكن كان أشدها قسوة وأخطرها تلك الضغوط التي مارستها أسرته عليه وخاصة الأم والابن الاصغر. وكان هدف الأم في هذه الأوقات العصيبة مرور هذه العاصفة وبعدها سيتم تحقيق آمالها وأحلامها بتولية ابنها عرش البلاد ومع ذلك كتبت هي في مذكراتها التي نشرت أجزاء منها في صحف متفرقة علي شكل فقرات مترجمة أن فكرة توريث الحكم لابنها وتوليه رئاسة مصر هي فكرة أمريكية إسرائيلية اختمرت في الوعي السياسي للبيت الأبيض منذ عهد جورج بوش الابن حيث كان يناديه خلال الزيارة التي يقوم بها جمال منفردا بلقب "الرئيس" "Presedent" ظلت سوزان وابنها جمال حتي الساعات الأخيرة من حكم الأب متأكدين من أن حدثا ما سينقذ مركب الحكم التي تحملهم بعيدا عن الغرق في بحر ثورة الشعب التي فجرها هؤلاء الشباب. وظل جمال حتي ساعة متأخرة من يوم الخميس 10 فبراير متصورا أنه نفس الشخص المسيطر الذي يمكنه انقاذ مصر من براثن الثوار والابقاء علي والده في سدة الحكم.
الأسوأ
كان مبارك قد أدرك بعد أن وقعت أحداث معركة الجمل والخيول ومن خلال حلفائه أن الأوضاع تسير نحو الأسوأ وأن أيامه في البقاء في السلطة أصبحت معدودة ومحسوبة خاصة بعد أن بدأت تقارير مباحث أمن الدولة التي وصلت إلي مبارك عن أحداث يوم 27 يناير تقول إن المظاهرات التي ستنزل التحرير اليوم ستكون الأضخم والاخطر وأن الإخوان المسلمين سيشاركون فيها وهذه نقلة نوعية في طبيعة المظاهرات التي دخلت يومها الثالث وبدأت بمجرد تجمع شبابي يوم 25 يناير ولكن اليوم سيكون الأمر مختلفا.
كان الخطأ الأكبر في هذا اليوم هو خطأ حبيب العادلي وزير الداخلية المحبوس حاليا حيث نقل له أنس الفقي رغبة جمال في سرعة القضاء علي هذه المظاهرات وكان العادلي قد استعد لمظاهرات 27 يناير بمواجهتها بطريقة غريبة وغبية في نفس الوقت حيث قرر العادلي قطع الاتصالات وخدمة الإنترنت وطلب من طارق كامل وزير الاتصالات الاسبق قطع هذه الخدمات إلا أن طارق كامل رفض قبل استئذان رئيس الوزراء أحمد نظيف إلا أن العادلي هدده بقطعها بمعرفته فطلب كامل رئيس الوزراء الذي طلب منه بدوره استئذان الرئيس.
كان الرئيس مضطربا اضطرابا خطيرا ومع تزايد الضغوط الأسرية اصبح اسير أفكار زوجته سوزان وابنه جمال وعندما اتصل الوزير السابق طارق كامل بالقصر الرئاسي رد جمال وطلب منه أن ينتظر قليلا علي الهاتف وبعد قليل عاد يخبره بضرورة سماع كلام حبيب العادلي.
السفينة الغارقة
كان العادلي وسوزان وجمال وأنس الفقي ومعهم المغربي ورشيد وبطرس ومحيي الدين يعملون معا كفريق للخروج من سفينة الحكم الغارقة بآمان ان لم يستطيعوا تعويمها.. لم تكن التعليمات بقطع الاتصالات عن الميدان وخدمات الانترنت صادرة من الرئيس المرتبك والخائف للمرة الأولي في حياته بل كانت بالاتفاق ما بين الوزير المخلص لفكرة التوريث اللواء حبيب العادلي المسجون حاليا وبين الوريث المنتظر لحكم مصر جمال فالأب لم يكن في حالة أو لديه القدرة علي التفكير في المغزي من وراء قطع الاتصالات كان مرتبكا بدرجة خطيرة وكانت قرارات القصر الجمهوري كلها تقريبا تصدر من الأم أو الأبن أو أحد الوزراء المقربين ولم يكن في القصر الجمهوري معارض سوي المشير محمد حسين طنطاوي الذي كان يقف في جبهة تميل نحو الشعب وضد كل رجال الرئيس.
كان يوم 28 يناير يوما فاصلا في تاريخ الثورة فقد أثبتت ثورة الشباب أن أحدا لن يستطيع أن يقف ضدها علي وجه الاطلاق وعند الساعة الثانية عشرة ظهرا لم يكن أيا من رجال الشرطة علي وجه الاطلاق في شوارع القاهرة كان قطع الاتصالات وخدمة الانترنت أمراً خطيراً ليس علي الثوار وحدهم ولكن علي جهاز الشرطة بكامله حيث فقد القادة الاتصال ببعضهم في الوقت الذي كانت فيه أحداث الثورة تتصاعد بين محافظات مصر وبعد صلاة الجمعة يوم 28 يناير كان اللواء حسن عبدالرحمن مدير جهاز مباحث أمن الدولة الذي تم حله فيما بعد يتصل بوزيره في مكتبه إلا أنه لم يكن موجودا وكان خارج القاهرة يحضر حفل افتتاح أحد المساجد.
كان حسن عبدالرحمن يريد الوزير لابلاغه أن الشرطة لم تعد قادرة علي السيطرة علي الأحداث في السويس والإسكندرية وأن الوضع مرشح للتضخم أكثر من ذلك وأن الثورة سوف تمتد لتشمل كل أنحاء البلاد وأن الجيش هو الوحيد القادر علي السيطرة علي مثل هذه الأوضاع.. لكن الاتصالات المقطوع عن أجزاء كبيرة من مصر حالت دون وصول هذه المعلومات إلي وزير الداخلية وهنا حدث الفراغ الأمني ولذا فان يوم 2 فبراير كان يوما تاريخيا بكل المقاييس ويبدو أن فكرة اجهاض الثورة بهذه الطريقة البدائية باستخدام الجمال كانت فكرة بعض هواة السياسة والذين لا خبرة عسكرية لديهم إذ انطلقت في هذا اليوم مجموعة من الجمال والخيول من نزلة السمان في اتجاه التحرير للقضاء علي الثورة وكان مبارك قد القي قبلها خطابا دراميا مؤثرا خاطب فيه مشاعر المصريين الذين كان جزءاً كبيراً قد تأثر بهذه اللغة الخطابية ولكن ما حدث يومي 2 و3 فبراير أكد بما لا يدع مجالا للشك أن مبارك أو بالأحري ابنه وزوجته لن يسلما الراية بسهولة وأنهم سوف يقاومون حتي النهاية.
بيان هام
في اليوم الأول من فبراير كانت القيادة العامة للقوات المسلحة قد أصدرت بيانا هاما أعلنت خلاله تفهمها للمطالب المشروعة للثوار والثورة وتعهدت بعدم استخدام العنف ضد المتظاهرين واذيع البيان بالتليفزيون الرسمي دون أن يعلم وزير الإعلام بذلك بل ولم يعلم كذلك الرجل كان لا يزال رئيس للجمهورية وهو ما آثار حفيظة جلالة الملكة أو سوزان ثابت زوجة الرئيس والمرأة التي كانت حتي ذلك اليوم لا تزال تحلم بأنها سوف تكون الأم الملكة.
كانت سوزان قد أوعزت لزوجها بعد أن اذاعت القوات المسلحة هذا البيان بالتليفزيون أن المشير وراء عملية الانقلاب ضده وهو تحريض علني من السيدة التي أوشكت أن تغير لقبها من زوجة الرئيس إلي أم الرئيس لولا ما حدث في غفلة من أجهزة حماية زوجها وقلب المائدة علي رأس الجميع بمن فيهم زوجها رئيس الجمهورية الصوري والذي كان يفضل أن يجلس في شرم الشيخ ليدير ابنه وزوجته الحكم بالوكالة عنه.
كانت سوزان حتي هذه اللحظة تتمني أن يعزل زوجها المشير عن منصبه ورغم ذلك اجتمع مبارك مع المشير وأحمد شفيق رئيس الوزراء وبحضور عمر سليمان والفريق سامي عنان رئيس الاركان وقائد الحرس الجمهوري اللوء محمد نجيب عبدالسلام وكان غاضبا بالفعل من بيان القوات المسلحة إلا أن المشير أصر علي موقفه وأن الجيش هو حامي الشرعية الجديدة التي ولدت في الميدان.
وكان يوم 10 فبراير يوما آخر فاصلا في تاريخ نجاح الثورة حينما اجتمع المجلس الأعلي للقوات المسلح دون أن يحضر الاجتماع مبارك الرئيس الأعلي للمجلس وهو ما نقل اشارة للمواطنين بأمرين مهمين..
أن الثورة بدأت تحقق نجاحا نهائيا وأن الجيش هو الذي يقف مع الثورة رغما عن انف الرئيس ومحصلة هذين الأمريين أن الرئيس قد انتهي فعليا وهو الأمر الذي ادركته سوزان حينما أصدر المجلس العسكري البيان الأول وعرفت بحسها كامرأة متسلطة وسلطوية أن الجيش قد أجري بالفعل انقلابا علي زوجها المرتبك طيلة 18 يوما والابن المذعور الذي يحتمي في شخص اسمه انس الفقي بعد أن اختفي وتواري وزير الداخية الأسوأ في تاريخ مصر حبيب العادلي.
اين اصل الموضوع
ردحذف