آخر المواضيع

آخر الأخبار

19‏/03‏/2012

صناعة القبقاب فن.. لكن المكسب قليل

 


في دكان متواضع لا تتجاوز مساحته المترين، في منطقة الدرب الأحمر التاريخية بالعاصمة المصرية القاهرة، يجلس عبد العظيم محمد عبد العظيم (62 سنة) منهمكا في عمله، منكبا على الآلة الخاصة بصناعة القباقيب الخشبية التي تواجه شبح الانقراض في مصر.

يبدأ «الأسطى» عبد العظيم عمله كل يوم في العاشرة صباحا بتدخين الشيشة وشرب كوب من الشاي. وهذه عادة دأب عليها منذ بدأ العمل في هذه المهنة قبل 40 سنة خلت، بعدما أمضى شبابه في تعلم صناعة القباقيب من شيوخ المهنة في الدرب الأحمر قديما.

وما يجدر ذكره أن جذور هذه المهنة تعود إلى دمشق، العاصمة السورية، التي تعد طليعة المدن العربية التي أتقنت هذه الصناعة واشتهرت بها. ففي دمشق كان لها سوق مخصصة وراء الجدار القبلي من الجامع الأموي يعرف باسم «سوق القباقبية»، واكتسب القبقاب شهرة تاريخية من أيام الفاطميين والمماليك ومقتل شجرة الدر تأثرا بضرباته.

ويروي عبد العظيم طريقة عمل القبقاب، قائلا: «يبدأ تصنيع القبقاب بتقطيع الخشب في الورش ثم (تموَّن) الخشبة قطعة واحدة وتشق إلى نصفين متساويين بالمنشار. وبعد ذلك يثبت بالقبقاب رباط من كاوتش (إطارات) السيارات بالمسامير». وأردف قائلا «هذه المهنة تعين أناسا كثيرين على العيش.. ابتداء من تاجر الخشب وتاجر التجزئة وانتهاء بصنايعي تخريط القباقيب وتاجر الكاوتش».

هذا، وعلى الرغم من صعوبة تصنيع القبقاب، على عكس ما يظنه لكثيرون، فإن «الأسطى» عبد العظيم مقتنع تماما بأنها «مهنة تحتاج إلى من يهواها، فالعملية ليست مجرد تركيب، بل تحتاج إلى فن في التصنيع». ولكن مع هذا ينعى عبد العظيم المهنة، قائلا: «صناعة القباقيب لا تكفي لإطعام الناس وحدها، لأن الإقبال ضعيف جدا على شرائها، ولهذا السبب أنا أعمل أيضا (مكانجي) أحذية بجانب صنعي القباقيب».

ثم يتابع: «وصل سعر القبقاب حاليا إلى خمسة جنيهات، وعدد قليل من الناس يطلبه، إلا أن الطلب على القباقيب يزداد قبل شهر رمضان إذ يشتريها الشيوخ للمساجد». ويستطرد «الأسطى» في ذكر مميزات القبقاب، مشيرا إلى أنه «عازل للرطوبة، وصحي، ويعيش لفترة طويلة، كما أنه رخيص الثمن ويمنع من الانزلاق.. وخصوصا عند الوضوء في المساجد».

من ناحية أخرى، لا بد من الإشارة إلى أن صناعة القبقاب في دمشق تختلف عنها في مصر. ففي دمشق، وبلاد الشام عموما، يجري نحت الخشب وبعدها يدهن بمادة اللكر ويوضع عليه رباط - يسمى «السير» - من الجلد الطبيعي، ولقد تطوّرت صناعته لاحقا. أما في مصر فيجري الاعتماد على كاوتش السيارات فقط في صنع سير القبقاب. ويشير عبد العظيم في عودة مع الذكريات: «أيام زمان كان صنع القبقاب من الجلد ممكنا، لكن هذه الأيام ما عاد هذا ممكنا بالنظر إلى ارتفاع الأسعار».

لـ«الأسطى» عبد العظيم ثلاثة أبناء وبنت واحدة، ابتعدوا جميعا عن تعلم المهنة أو ممارستها، وهنا يعود عبد العظيم من جديد بذاكرته إلى أيام طفولته ومراهقته عندما دأب على الذهاب إلى «أسطوات» المهنة في منطقة الدرب الأحمر والجلوس إلى جوارهم، في شغف شديد، لتعلم المهنة التي ستكون مصدر رزقه فيما بعد. وهنا يشرح: «في ذلك الوقت كانت الحياة أكثر بساطة مما هي عليه الآن (يقولها عبد العظيم وهو يزفر دخان الشيشة) في تلك الأيام كنا نأخذ مصروف تعريفة أو نكلة وكان الأمر الأهم بالنسبة لنا تعلّم الصنعة».

ثم يضيف: «في الماضي كان هناك أنواع كثيرة من القباقيب، وكان القبقاب الحريمي (الخاص بالنساء) يختلف عن القبقاب الرجالي، إذ كان للقبقاب الحريمي كان له كعب على عكس الرجالي، كما كان ملونا. كذلك كان القبقاب دائري الشكل بينما تراه الآن مستطيل الشكل»، ويرجع عبد العظيم هذا إلى ارتفاع الأسعار وتناقص الإقبال على شراء القباقيب.

أما في دمشق، فتتنوّع القباقيب كثيرا، ومن أشهرها هناك ما يعرف بـ«القبقاب الشِبراوي» وسمي كذلك لأنه يرتفع عن الأرض بما يعادل شِبرا. وهذا النوع الشهير من القباقيب الدمشقية مخصص للنساء وغالبا من يكون مطعّما بالصدف وخيوط الفضة. ثم هناك قبقاب «نصف الكرسي» وقبقاب «كندرة» ويتميز بارتفاعه عن الأرض أكثر من المعدل العادي، وأيضا قبقاب «سجك» الذي تلتصق قدمه بالأرض وله كعب طويل، وأيضا «الزحافي» الذي يعتبر أكثر الأشكال رواجا لرخصه.

والواقع أن التراث الشعبي المصري لا يكاد يخلو من ذكر القبقاب. إذ ذكره المقريزي، المؤرخ المعروف، عند المجادلة الكلامية بين قاضي القضاة زين الدين الحنفي مع الميموني، عندما حكم عليه بسفك دمه، ورد الميمونى قائلا: «اتق الله يا عبد الرحمن، أنسيت قبقابك الزحاف وعمامتك القطن؟».

كذلك انتشر الكثير من الأمثال الشعبية التي تذكر القبقاب، كالمثل السوري الذي يضرب في التئام شمل المتخاصمين: «لفّ السير على القبقاب.. صاروا الأعداء حباب»، وأيضا: «الجار يللى بيقروش بالقبقاب بيخانق جاره». ويذكر في التاريخ أن أحد المؤذنين في الجامع الأموي خلال القرن السابع للهجرة انتعل قبقابا عاليا جدا صنع له خصيصا لأنه كان قصير القامة كي يرفعه عن الأرض، وكان يطلع به جريا على درج كل مئذنة.

وعن العاملين في المهنة اليوم، يقول عبد العظيم: «لا يتجاوز عددهم أربعة محلات، والمهنة بحاجة إلى جيل يحبها ويقبل على تعلمها وتعليمها لمن يأتي بعده. ولكن ظروف المهنة الصعبة وقلة مكاسبها تجعل الأجيال الجديدة تبتعد عنها».

مع هذا، يمضي «الأسطى» عبد العظيم أيامه راضيا بما قسمه الله من رزق، حتى لو كان قليلا لا يكفى ظروف المعيشة، ويقول برضا تام: «الحمد لله الذي أغنانا بحلاله عن حرامه، فأجمل شيء أن يكون رزق الإنسان حلالا وإن قلّ».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى

ADDS'(9)

ADDS'(3)

 


-

اخر الموضوعات

مدونة افتكاسات سينمائية .. قفشات افيهات لاشهر الافلام

مدونة افتكاسات للصور ... مجموعة هائلة من اجمل الصور فى جميع المجالات

مدونة افتكاسات خواطر مرسومة.. اقتباسات لاهم الشعراء فى الوطن العربى والعالم

مدونة لوحات زيتية ..لاشهر اللوحات الزيتية لاشهر رسامى العالم مجموعة هائلة من اللوحات

من نحن

author ‏مدونة اخبارية تهتم بالتوثيق لثورة 25 يناير.الحقيقة.مازلت اسعى لنقلها كاملة بلا نقصان .اخطئ لكنى منحاز لها .لايعنينى سلفى ولا مسلم ولا اخوان يعنينى الانسان،
المزيد عني →

أنقر لمتابعتنا

تسوق من كمبيوتر شاك المعادى