تمتلك كل أمة فنونها وحرفها الخاصة بها التي نبغ فيها أبناؤها، تدلل على عراقة ماضيها، وتشير إلى حسن مستقبلها. وهنا، وسط الأزقة والحواري في حي خان الخليلي، بالتحديد "رَبع السلحدار" في منطقة الحسين، تدخل عالم النقش على النحاس، الذي يعتبر على وشك الانقراض، ومع وتيرة الحياة السريعة، والغزو التكنولوجي الهائل، فإن هذه المهنة ما زالت تحتفظ برونقها، وبمميزاتها وصناعتها المعقدة، التي لا يتقنها إلا القليل، وغالبيتهم يتوارثونها عن آبائهم وأجدادهم. وعلى بعد أمتار قليلة من باحة مسجد الحسين، يقع "رَبع السلحدار"، وهو مجمع مبدعي النقش على النحاس، إنهم حقًا فنانون، لا يمتلكون أقلامًا أو ريشًا للرسم والزخرفة، إنما كل أدواتهم صلبة، شاكوش وقلم صلب للنقش على طبق نحاس، لتخرج من بين يديه أشكال من أروع وأجمل الرسومات على الأطباق النحاسية. وعلى الرغم من ذلك بدأت هذه الصناعة في الاختفاء لسببين رئيسيين، أولهما قلة مبدعي النقش على النحاس، ثانيًا قلة الطلب عليها من قبل الزبائن، لارتفاع أسعارها مقارنة بالمنتجات الصينية، التي غزت الأسواق المصرية بأشكال تقارب الزخارف النحاسية.
وتفقد "العرب اليوم" منطقة "النحاسين"، فوجدنا عددًا قليلا من الذين يعملون بهذه المهنة في هذا الرَبع، الذي كان مكتظًا بالعمال قبل أعوام ماضية.
ويقول الحاج محمد محسن، الذي تجاوز عمره الثمانين عامًا، "النقش على النحاس كاد ينقرض ويختفي تمامًا، بعد الغزو الصيني الذي أكل كل شيء في طريقه". ويروي الحاج محسن روايته مع النحاس قائلا "تعلمت النقش على النحاس والفضة من والدي، وورثتها منه بعد مماته، والبداية كانت في أيام العطلات وأنا تلميذ صغير في مدرسة طرباي الشريفي في منطقة المحجر في القلعة، حيث كنت أمسك بيد والدي وأذهب معه إلى صلاة الجمعة في مسجد سيدنا الحسين، في ثلاثينات القرن الماضي، وبعد الفراغ من الصلاة ندخل الورشة في "رَبع السلحدار"، وكانت زبائنه قديمًا من البكوات والبشوات وذويهم ومشاهير الفن والسياسة، تعلمت فن النقش على النحاس وتطعيمه بالفضة، وعلى الرغم من كونه فنًا صعبًا ودقيقًا جدًا، فإنه ممتع وفيه إبداع ومهارة وذكاء".
ويضيف الحاج محسن "إن أصعب أعمال النقش، هي النقوش الإسلامية والتي تصعب عن الرسوم الفرعونية، لأن الإبداع يظهر في الخطوط الإسلامية بشكل أكبر". وعن نوعية الزبون الحالي، قال "اختلف الزبون، ففي الماضي كان الزبون لديه حس مرهف وذوق عال ويختار الحاجة الغالية ولا يفاصل في ثمنها، ولكن زبائن هذه الأيام عدد قليل منهم هو الذي يفهم في الفن ويقدر تعب الفنان ومجهوده، لكن الغالبية تختار الأشياء الرخيصة وتلجأ إلى المنتجات الصينية وأنا لا أتعامل فيها على الرغم من رواجها، وأراها عديمة الإحساس وتفقد للمتعة".
ويؤكد العاملون في هذه المهنة "إن المهنة تتهاوى ويقل عدد العاملين بها كل يوم، والسبب المنتجات الصينية بالفعل، كما أنه لم يعد هناك رغبة من الأجيال الجديدة لتعلم النقش على النحاس والفضة"، ويقول أحدهم "أحفادي مثال لذلك فهم لم يأتوا إلى رَبع السلحدار إلا قليلا، وليست لديهم الرغبة في تعلم المهنة على عكس أبائهم تعلموها جميعًا".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى