قضايا اجتماعية
انتحار أمينة يفجر ثورة غضب في المغرب ضد تزويج المغتصبة بالجاني
مازالت تفاعلات قضية انتحار قاصر بعد تزويجها من مغتصبها في المغرب متواصلة، حيث تنظم مظاهرات للمطالبة بإلغاء قانون يجيز تزويج المغتصبة من الجاني، وكذا ضد استمرار ظاهرة تزويج القاصرات.
لم تكن تعلم أمينة الفيلالي، "الطفلة" التي كانت تعيش مع زوجها -مغتصبها- تحت سقف واحد بإحدى القرى النائية شمال المغرب، أنها ستتحول إلى رمز للتمرد على قدر رسمته لها ولغيرها القوانين والتقاليد المغربية، فأثارت ضجة غير مسبوقة في المغرب حول تزويج النساء بمغتصبيهن، حين فضلت أن تضع حدا لحياتها على أن تستمر في تحمل عبء مضاعف يتجسد في تعرضها للاغتصاب، واضطرارها للعيش مع الشخص الذي اغتصبها حفظا "لماء وجه العائلة"و بمباركة القانون المغربي.
الحدث أثار اهتمام وسائل الإعلام الدولية والمحلية، ومازالت الجمعيات الناشطة في مجال حقوق المرأة والطفل تطالب بتعديل قانون مغربي يبيح زواج المغتصب بضحيته.
اغتصاب مضاعف
قبل عام وعندما كانت أمينة تبلغ 15 عاما من العمر تعرضت للاغتصاب على يد شاب، ستتزوج به بعد ما كانت أسرتها قد قررت مقاضاته، لكن العائلتين توصلتا إلى حل بعد تسوية بينهما ترجمت إلى وثيقة عقد زواج بين الجاني والضحية. هذه التسوية اعتبرتها الجمعيات النسائية التي تتظاهر اليوم من أجل أمينة "اغتصاباً ثلاثيا" تعرضت له الطفلة؛ أولا من جانب مغتصبها، ثم القانون المغربي، ثم التقاليد التي جعلت أسرتها تضغط عليها للزواج من الجاني. بعد عام من ذلك الزواج الغريب أقدمت أمينة على الانتحار بسبب سوء معاملة زوجها وأهله لها. وتقول نبيلة التبر ناشطة حقوقية لـ DWإن "المسؤولين" عما حدث مع أمينة هم أولا، القانون لأنه لم يكن صارما حيال جريمة اغتصاب قاصر والتغرير بها، ثم الوالدين والمجتمع لأنهم قبلوا بتزويجها في تلك الظروف.
وينص الفصل 475 من القانون الجنائي المغربي على أن "من اختطف أو غرر بقاصر يقل سنها عن الثامنة عشرة، بدون استعمال عنف أو تهديد أو تدليس أو حاول ذلك، يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة مالية ما بين 200 و500 درهم. ومع ذلك فان القاصر التي اختطفت أو غرر بها، إذا كانت بالغة وتزوجت ممن اختطفها أو غرر بها، فإنه لا يمكن متابعته إلا بناء على شكوى من شخص له الحق في طلب إبطال الزواج، ولا يجوز الحكم بمؤاخذته إلا بعد صدور حكم بهذا البطلان حقا".
الناشطة الحقوقية نبيلة التبر تقول إنه ينبغي إلغاء هذا الفصل لأنه يضرب جميع حقوق النساء وحقوق الطفولة والمواطنة عرض الحائط، مضيفة أنه يشجع جريمة الاغتصاب. وتضيف إنه ينبغي على وزارة العدل والحريات فتح حوار مع المجتمع المدني من أجل تعديل هذا القانون ولضمان حقوق القاصر.
وأعادت قضية أمينة وعملية انتحارها الجدل إلى الساحة المغربية حول حقوق النساء في بلد يعتبر "نموذجا" مقارنة مع دول عربية عدة فيما يتعلق بمكتسبات النساء السياسية والاجتماعية. لكن هناك جمعيات اعتبرت أن الفرق شاسع بين ما تنص عليه القوانين فيما يتعلق بحقوق النساء وبين ما يحدث في الواقع، بالإضافة أن تلك القوانين غير منسجمة ـ في رأيها، حيث أن بعضها يعطي حقوقا مهمة للنساء فيما أخرى تحتاج لتعديلات لتتوافق مع مكتسبات المرأة ومنها الفصل 475 من القانون الجنائي.
"التقاليد ساهمت في قتل أمينة"
لكن نزهة الوافي البرلمانية عن حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم تقول لDWإن ما حدث ليس تناقضا بين القوانين والواقع، بل بين الحقوق المتعارف عليها دوليا وعلى رأسها الكرامة، ووضعية بعض المغربيات ومنهن القاصرات، خصوصا أن أغلب من يتعرضن لمثل ما تعرضت له أمينة هن فقيرات وغير متعلمات. وتضيف أن المشكلة مسألة عقليات وظروف أيضا وليس فقط قوانين وتعديلات.
ودخل حقوقيون وبرلمانيون أوروبيون على الخط، حيث دعوا إلى ضرورة تعديل القانون المثير للجدل وذلك أمام السفير المغربي في بلجيكا حسبما نقلته تقارير صحفية. واعتبر بعضهم أن المغرب أجرى إصلاحات دستورية في القضاء، و"لكن ما تزال بعض النقاط المثيرة للجدل".
وبدا توافق بين موقف الجمعيات والموقف الحكومي في هذه القضية حيث وعد مسؤولون مغاربة بفتح نقاش حول القانون المتعلق بالاغتصاب، بيد أن تصريحات لوزارة العدل قالت إن "اغتصاب" الفتاة وزواجها من مغتصبها تم برضاها، وهو ما أجج من جديد غضب الجمعيات النسائية. وتقول صباح الشرايبي الخبيرة الاجتماعية إن هناك وعيا سواء لدى المسؤولين أو المجتمع المدني بضرورة تعديل هذا القانون، كما أن الحكومة مهتمة بتفاعل الرأي العام مع القضية، فما حدث يعتبر صفعة للمرأة المغربية وفرصة للمطالبة بهذا التعديل".
وتقول التبر أن كثيرات كن ضحايا مثل أمينة وهن أيضا فضلن الموت ليس كما جسدته أمينة، ولكن من خلال تقبلهن على مضض الزواج من مغتصبيهن، وفضلن البقاء كمجرد جسد. وتضيف "لا نفكر أيضا في الآثار النفسية على الأطفال ثمار بعض حالات الاغتصاب". ومن هنا تقول "يعود النقاش حول الإجهاض وضرورة تقنينه من أجل حالات مماثلة".
وتضطر بعض الفتيات في المغرب للزواج من مغتصبيهن خاصة في المجتمعات القروية حيث تسود التقاليد المتشددة، وذلك ل"صون شرف العائلة" وتفاديا للعار و"الفضيحة". وتعتبر بعض الأسر أن زواج بناتها ممن اغتصبوهن عقاب لهم والحل الأمثل، لأن المرأة المغتصبة في المغرب ينظر إليها على أنها مذنبة أو جلبت العار لعائلتها وقد لا تتزوج، بينما تعتبر الجمعيات النسائية أن زواج الضحية من مغتصبها هي "هدية" له على ما فعله.
عودة النقاش حول زواج القاصرات
قصة أمينة أثارت كل هذا الجدل لأن القانون "لم ينصفها" أولا حينما زوجها من مغتصبها وثانيا لأنها تزوجت وهي قاصر، وهو ما أعاد النقاش من جديد حول استمرار ظاهرة زواج القاصرات في المغرب رغم منعها قانونيا. وتقول التبر إنه ينبغي إلغاء السلطة التقديرية الممنوحة للقاضي فيما يتعلق بزواج القاصرات، لأن "قانون الأسرة واضح، وكل قاض ينطلق من تربيته ونظرته الخاصة للأمور، وهذا يعطي نتائج وخيمة خاصة في القرى، منها بالخصوص ظاهرة الهدر المدرسي. لكن الوافي تعود لتؤكد أن المشكلة ليس مسألة قوانين فقط بل عقليات ف"بعض الآباء الفقراء خاصة في القرى يضطرون لتزويج بناتهم لينقصوا أعباء البيت" عليهم، لذا تعتقد البرلمانية المغربية أن الحل هو تشجيع المدرسة وتسهيل الالتحاق بها وكذا تحسين الظروف الاجتماعية لهذه الأسر التي تضطر التخلص من بناتها هروبا من تحمل عبئهن.
سهام أشطو- الرباط
مراجعة: عبده جميل المخلافي
DW
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى