إعداد: حسني ثابت
على الرغم من تاريخ الكنيسة الأرثوذكسية الحديث الذي سطره البابا شنودة الثالث على مدار نحو 41 عامًا هي عُمر حبريته على الكرسي المرقسي، والذي رسم خلالها أكثر من 100 أسقفًا، بالإضافة إلى وجود العديد من الأديرة العامرة برهبانها المشهود لهم بالنسك والعبادة والسمات الروحية العالية، إلا أنه يصعب على المرء تحديد شخص بعينه يتمتع بكاريزما "البابا شنودة الثالث" الذي امتد نشاطه الرعوي من محافظات مصر إلى مُعظم بلاد العالم، خاصة أمريكا ودول أوروبا، وقاد سفينة الكنيسة ببراعة سياسية غير مسبوقة وحكمة روحية بالغة.
وبالرجوع لسيرة اختيار البابوات عبر القرون فإنه من الصعب التكهن بمن يخلف البابا شنودة الثالث والذي سيجلس على الكرسي البابوي من بعده، خاصة وأن الترشيحات لم تقتصر على الآباء المطارنة أو الأساقفة فحسب، بل من المُمكن أن تمتد تلك الترشيحات إلى الرهبان الذي لم يصلوا إلى أدنى رتبة كهنوتية وهي "قس"، على أن يتم ذلك من خلال قيام المجمع المقدس بتزكية عددٍ من الأشخاص، ليتم بعد ذلك انتخاب ثلاثة منهم وهم الحاصلون على أعلى الأصوات، ثم اختيار واحد منهم عبر "القرعة الهيكلية".
ومن أبرز الأشخاص اللامعة والبارزة على قمة الكنيسة الأرثوذكسية، والمرشحين لخلافة البابا شنودة الثالث، هم من يشغلون سكرتارية البابا شنودة "الأنبا يوأنس/الأنبا بطرس/الأنبا أرميا"، لما لهم من تاريخ في مُعاونة البابا في مهامه البابوية، بالإضافة إلى نيافة الأنبا بيشوي - سكرتير المجمع المقدس - ونيافة الأنبا موسى أسقف عام الشباب، ونيافة الأنبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة.
وتبدأ عملية اختيار البابا الجديد بتقديم تزكية لكل مرشح مكتوبة وموقعة من ستة من المطارنة أو الأساقفة أو رؤساء الأديرة، أو من اثني عشر عضوًا أو نائبًا من أعضاء المجلس الملي العام ونوابه الحاليين أو السابقين، وذلك خلال شهرين من تاريخ خلو الكرسي البابوي، ويُشارك في انتخاب البطريرك - مع المجمع - فئة مُختارة من الأقباط ، من الأعيان وكبار الموظفين ورجال الدين.
الأسماء المُرشحة لخلافة البابا:
الأنبا بيشوي:
تشير التقديرات إلى أن الأنبا بيشوي - مطران دمياط وكفر الشيخ والبراري ودير القديسة دميانة وسكرتير المجمع المقدس - أكثر المرشحين حظًا ومكانة وأكبر المرشحين سنًا لخلافة البابا، والذي يُطلق عليه "العلامة اللاهوتي".
والأنبا بيشوى من مواليد عام 1942 وتخرج في كلية الهندسة بامتياز، وله عدة كتب ومؤلفات خاصة تتعلق باللاهوت والمسيحية ويحظى بمكانة وتقدير عاليين في الطوائف المسيحية، وشغل منصب سكرتير المجمع المُقدس منذ عام 1985، وهو المسئول عن تقييم أداء ومُتابعة ومُحاسبة الكهنة.
وقد بدأ بيشوى حياة الرهبنة في دير العذراء مريم السريان في 26 فبراير 1969، ثم ارتقى ليُصبح كاهنًا في 12 أبريل 1970، ثم أسقفًا بدمياط في 24 سبتمبر 1972، ثم مطرانًا في 2 سبتمبر 1990.
ويُعد الأنبا بيشوي واحدًا من أقرب المقربين للبابا شنودة، ورغم قلة ظهوره فى الإعلام فهو رجل مُتعدد المواهب كثير الفضائل الذي اكتسبها من تعاليم الإنجيل والحياة الرهبانية والمفهوم الكنسي والعقيدة الأرثوذكسية السليمة، وكذلك تدريس علم اللاهوت في الإكليريكيات المُتعددة ومعهد الرعاية، وتمثيل الكنيسة في الاجتماعات اللاهوتية للوحدة الكنسية، وساهم في بناء وتجديد الكنائس، وإعادة تعمير وبناء دير القديسة دميانة.
الأنبا يوأنس:
يُطلق عليه "طبيب الجسد والروح" والمعروف بالابتسامة الرقيقة والهدوء وقلة الكلام والمعروف أيضًا بالحكمة النابعة من دراسته للطب، ويحظى باحترام هائل فى الأوساط القبطية بالنظر لشخصيته الهادئة، ذاع صيته فى المقر البابوى لأدائه الرائع في التسابيح والترانيم القبطية، وهو من مواليد محافظة المنيا عام 1960.
والأنبا يوأنس هو أسقف عام من ضمن أبرز مساعدي البابا شنودة وسكرتير له، وكان اسمه الحقيقي "عوني عزيز" وهو حاصل على بكالوريوس طب وجراحة جامعة أسيوط عام 1983، وبعد تخرجه بثلاثة أعوام قرر الرهبنة بدير الأنبا بولا وأصبح أسمه "ثاؤفيلس الأنبا بولا"، وفي عام 1991 رُسم قسًا وعينه البابا شنودة سكرتيرًا له، ثم رسمه أسقفًا في السادس من يونيو عام 1993.
الأنبا أرميا:
هو الأسقف العام وسكرتير قداسة البابا شنودة الثالث المعروف عنه بمُستشار الكاتدرائية في مجال التكنولوجيا والعلوم الحديثة، وهو المسئول عن المركز الثقافي القبطي، ليست له كتب روحية أو دينية وإنما غالبية كتاباته تنحصر فى مجال العلوم، ومعروف بصلته المُقربة من البابا وهو من مواليد 15 نوفمبر 1959، وتخرج في كلية الصيدلة، وقرر الرهبنة عام 1988 وفي عام 2004 أصبح أسقفًا عامًا وسكرتيرًا للمكتب البابوي.
الأنبا موسى:
يُعتبر الأنبا موسى - أسقف الشباب - من أهم الأسماء المطروحة على الساحة، واسمه الحقيقى "إميل عزيز جرجس"، وهو من مواليد أسيوط في 30 نوفمبر سنة 1928، حاصل على بكالوريوس طب عام 1962، وفي عام 1976 تمت رهبنته، وخدم في دير السيدة العذراء بالبراموس بوادي النطرون، وأصبح اسمه "أنجيلوس البراموسى" وبعدها بعامين تمت رسامته أسقفًا مساعدًا للأنبا أثناسيوس أسقف بنى سويف، وفي عام 1980 أصبح أول أسقف للشباب فى تاريخ الكنيسة القبطية.
والأنبا موسى أسقف الشباب والرجل الذى ربما يحظى باتفاق عام بين مختلف الأقباط نظرًا لثقافته العالية وحكمته الموسوعية، فهو معروف عنه بأنه تلميذ البابا وخليفته النجيب لما يحمله عقله من حكمة وهدوء وصفاء، فهو دائما ذراع البابا للحوارات الوطنية، والمُشاركات التي يطلب من الكنيسة الوجود فيها، ويتميز الأنبا موسى بشعبيته الكبيرة ووداعته وقربه من الشباب، فكان له دور كبير فى ربط الكنيسة بقطاعات الشباب، وساهم أيضًا في الربط بين الشباب المسيحي والشباب المسلم في لقاءات ثقافية وأدبية وشعرية، وله العديد من المقالات نشرت في عدة صحف منها الأهرام ووطني، كما أصدر العديد من الكتب الدينية أو الروحية.
الأنبا رافائيل:
يُعد الأنبا رافائيل- أسقف عام كنائس وسط القاهرة - من بين الأسماء المرشحة بقوة أيضًا داخل الوسط الكنسي، واسمه الحقيقي "ميشيل عريان حكيم" وهو من مواليد القاهرة عام 1958، وحاصل على بكالوريوس طب وجراحة من جامعة القاهرة عام 1982، وقد ترهبن بدير البراموس في أغسطس عام 1987 وكان اسمه "يسطس البراموسي"، وفي عام 1997 تمت رسامته أسقفًا عامًا للاشراف على كنائس وسط القاهرة.
الأنبا مرقس:
هو أسقف شبرا الخيمة، والذى نسبت إليه أفكار متطورة لتطوير الإعلام والمسرح الكنسي، وأنشأ مهرجان شبرا الخيمة الذى تشارك فيها عشرات الفرق سنويًا كما أنشأ أكاديمية لدراسة الفنون.
والأنبا مرقس كان اسمه الحقيقي "نجيب نسيم"، ولد فى عام 1944 بحي المطرية، وتخرج في كلية الهندسة جامعة عين شمس عام 1968، وترهبن بدير الأنبا بيشوي باسم "أنطونيوس الأنبا بيشوي"، ثم رُسم أسقفًا مساعدًا للأنبا مكسيموس أسقف القليوبية آنذاك، وفي عام 1992 أصبح أسقفًا لكنائس شبرا الخيمة، كما أنه كان عضوًا بمجلس كنائس الشرق الأوسط في لجنتي الإعلام والعلاقات بين الكنائس، وهو يتمتع بلباقة الحديث لذلك لقب بالمُتحدث الإعلامي الرسمي للكنيسة، وهو معروف عنه بأنه طيب القلب صاحب أفكار تقدمية في مجال الاعلام المسيحي والمسرح الكنسي.
ولا تزال تحمل قائمة المرشحين لخلافة البابا بعض الأسماء اللامعة الأخرى، ومنها الأنبا رويس مستشار البابا الروحىي الذى شارك في بعض اللقاءات التي جمعت البابا بشخصيات عامة، وكذلك لقاءات المجلس العسكري، هذا بالإضافة إلى بعض الرهبان، والذي يصعب التعرف على سيرتهم الذاتية بحُكم تواجدهم في الأديرة بعيدين عن أمور العالم تمامًا، ولا يشغلهم سوى الصلاة والنسك والعبادة.
الأنبا بطرس:
الأنبا بطرس هو الأسقف العام وأقدم سكرتارية البابا شنودة الثالث، ويعمل في البطريركية أسقفاً عاماً منذ عام 1988.
لائحة 1957لاختيار البابا:
تعد عملية اختيار "بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية" ليست بالأمر اليسير، فهي تخضع لانتخابات، بعد تزكية عدد من المطارنة أوالأساقفة أو الكهنة أوالرهبان ، ليتم اختيار أكثر ثلاث أعضاء تصويتًا، ثم يتم إجراء القرعة الهيكلية لاختيار واحد منهم ليُصبح "بابا الكنيسة الأرثوذكسية".
ولائحة 1957 هي التي تختص بانتخاب البابا، والصادرة عام 1957 بعد وفاة البابا يوساب بعام، وتم على أساسها انتخاب البابا كيرلس السادس - السابق للبابا شنودة الثالث - عام 1959، وانتخب على أساسها أيضًا البابا شنودة الثالث عام 1971، وهي تمنع ترشيح أساقفة الإيبارشيات، وتعطى الحق في الترشح فقط للأساقفة العاميين وهم الأساقفة بالإيبراشيات ولكل منهم حدود جغرافية لخدمته ولكنه يعمل مساعدًا أو سكرتيرًا للبابا شنودة ولا يوجد تحت رئاسته كهنة يعتبرونه رئيسًا لهم.
وقد تكون الاختيارات من بين شخصيات غير معروفة كرئيس دير أو راهب عادي، أما فيما يتعلق بشروط الناخبين فإنها اختزلت الحق في اختيار البابا على أعضاء المجمع المقدس المكون من ما يقرب من 110 أساقفة بالإضافة للشخصيات العامة المعروفة بنشاطها لدى الكنيسة، وهم وجهاء الأقباط فى المُدن والمحافظات والإيبارشيات التي يُقدر عددها بـنحو 65 إيبارشية على مستوى الجمهورية، وأيضا يُشارك في التصويت الوزراء الأقباط السابقون والحاليون وأعضاء مجلس الشعب السابقون والحاليون وأعضاء المجلس الملي السابقون والحاليون.. وبذلك فإن عدد ناخبي البابا القادم لا يتجاوز الـ 4500 قبطي، على أن تجرى بين الثلاثة المرشحين الحاصلين على أعلى الأصوات "قرعة هيكلية" حيث يقوم طفل من الحاضرين باختيار ورقة من بين ثلاث ورقات تحمل كل منها اسم مرشح من الثلاثة خلال قداس خاص يُعرف بـ "قداس القرعة الهيكلية"، وبعده تدق الأجراس مُعلنة اختيار "البابا 118" وتتم رسامة من تستقر عليه القرعة الهيكلية كبطريرك للكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مراسم ذات طقوس وصلوات خاصة بهذا الشأن.
وتضع "لائحة 1957" شروطًا لاختيار البطريرك الجديد، وهى أن لا يقل عُمره عن أربعين عامًا، وأن يكون قد مضى في سلك الرهبنة بالأديرة مدة لا تقل عن خمسة عشر عامًا، وأن يكون مصريًا ولم يسبق له الزواج، سواء أكان مطرانًا أو أسقفًا أو راهبًا، وتتكون لجنة للترشيح من تسعة أشخاص من المجمع المقدس وتسعة أشخاص من هيئة الأوقاف القبطية وتجتمع لجنة الترشيح لتلقي الطلبات لمن تتوافر فيه الشروط.
وتقضي اللائحة أيضًا بأن يُشارك إمبراطور إثيوبيا، إضافة إلى 20 شخصية إثيوبية عامة يختارهم الإمبراطور الإثيوبي في اختيار بابا الكنيسة المصرية التي تتبعها الكنيسة الإثيوبية وعدد من الكنائس الأخرى في إفريقيا.
ومصر بأقباطها ومسلميها يرفعون قلوبهم نحو السماء لينعم الله على مصر براعٍ للكنيسة الأرثوذكسية يملأ الفراغ الذي تركه قداسة البابا شنودة الثالث، ليكون صمام الأمان ورمانة الميزان بين طوائف شعب مصر العظيم، وليكون راعيًا أمينًا وخليفة للقديس مارمرقس الرسول كاروز الديار المصرية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى