زياد أبو شاويش
فجرت حركة "الإخوان المسلمون" بمصر قنبلة سياسية من العيار الثقيل بترشيح نائب مرشدها العام لرئاسة جمهورية مصر العربية، ولا يعرف أحد حتى الآن إن كانت شظاياها ستصيب الحركة في مقتل أم تقويها كما يأمل المصوتون في مجلس شورى الجماعة لصالح قرار الترشح لهذا المنصب الرفيع والحساس.
إن ما أقدمت عليه جماعة الإخوان يشبه إلى حد كبير العمليات الانتحارية أو من يلقي قنبلة وسط عائلته ويدعو الله أن لا تصيب أحدهم.
في الدوافع والأسباب الأربعة المعلنة من جانب الجماعة لأخذ القرار لا يوجد أي سبب وجيه أو منطقي لاتخاذ هذه الخطوة، وما غاب عن كلام الناطق باسمهم لتفسير القفزة النوعية للجماعة ربما يكون الأكثر دقة في هذا الإطار، حيث يتضح من مجمل سلوك الحركة التي التحقت بثورة يناير بعد ثلاثة أيام من اشتعالها أن الجماعة حصلت على تطمينات ووعود بتسهيل مهمة الاستيلاء على السلطة التنفيذية بعد أن استولت في انتخابات مبكرة "وليس عليها إجماع" على السلطة التشريعية، وأن الأمر برمته يعود لمصلحة الإخوان المسلمين وليس المصلحة الوطنية ومهام إكمال ثورة يناير، كما يقول الناطقون باسمها.
وحتى يكون التحليل والاستنتاج المذكور في محله ويأخذ طابعه العلمي الصحيح يجب أن نبحث عن إجابات لجملة من الأسئلة والاستفسارات التي تقدم الإيضاحات الضرورية لفهم ما جرى وكذلك لإلقاء الضوء على ما يمكن حدوثه مستقبلاً.
والسؤال الأهم في سياق البحث عن الحقيقة يقول لماذا القرار المذكور جاء بعد اللقاءات المتعددة مع أركان الإدارة الأمريكية والزيارات المتكررة للدول الغربية؟ وربطاً به التساؤل حول خلفية العفو الذي أصدره المشير طنطاوي عن خيرت الشاطر عشية القرار، ومن الذي يقف وراء هذا العفو؟ واستطراداً لتوضيح أعلى يتساءل المراقبون هل كان المشير ومجلسه العسكري يعلمون بنية الجماعة ترشيح الشاطر فسهلوا مهمته أم هي أوامر عليا من الخارج تلك التي أملت القرار؟
أما السؤال الثاني، وهو كذلك ينقسم لعدة بنود، فينص على الآتي: هل يمكن للجماعة أن تغامر بوحدتها الداخلية على هذا النحو لو كانت تشك في سلامة الطريق، أو لو كانت هذه الطريق للقصر الرئاسي غير ممهدة أو معبدة أمامهم؟ وهل التصويت بعد سبع ساعات من احتدام النقاش والخلاف داخل مجلس شورى الجماعة كان يمكن أن يكون رادعاً للاستمرار في المشروع وإعلان ترشيح نائب المرشد لولا وجود مصلحة حقيقية للجماعة في ذلك وبالمعنى الشخصي للموافقين على هذه الخطوة الخطيرة؟ وهل يستحق منصب الرئيس وضعهم في الموقف الصعب والحرج بعد أن سمعوا أحاديث الناس وخصومهم السياسيين وهم يلمحون لاتفاق من تحت الطاولة جرى مع الأمريكيين والمجلس العسكري؟
وأخيراً نتساءل، كما كل المراقبين، عن الحكمة من ترشيح نائب المرشد العام للرئاسة والجماعة تعلن صباح مساء ومنذ بدء الثورة عن زهدها في المنصب وعن ضرورات تمنعها من ذلك، بل وصل الأمر بقيادتها حد فصل السيد عبد المنعم أبو الفتوح المرشح الرئاسي المعلن من الجماعة على خلفية رفضه لقرارها الامتناع عن خوض معركة الرئاسة؟!
ونعود لما أشرنا إليه في سلوك الجماعة منذ بدأت الثورة والتحاقهم بها بعد ثلاثة أيام، وكيف كانت الأمور واضحة باتجاه رحيل النظام حين بدأت في المشاركة الفاعلة في الاحتجاجات والاعتصامات الأمر الذي أكسبها بعض المصداقية مع النتيجة الكبرى برحيل النظام ورمزه الأول حسني مبارك مع بقاء العسكريين ومجلسهم كسلطة وحيدة في البلد بعد انهيار الداخلية.
إن أهم مظهر من مظاهر سلوك الجماعة على مدار عام من الثورة ومحاولات الانتقال بها إلى مرحلة تصفية تركة النظام السابق هو الهدنة والتنسيق والتعاون بين الجماعة والمجلس العسكري، الأمر الذي كان جلياً في كل محطات الصدام بين شباب الثورة والمجلس العسكري بما في ذلك الهجوم على السفارة الإسرائيلية الذي وقف منه الإخوان المسلمون موقفاً غريباً ولا ينسجم مع كل إعلاناتهم حول القدس والتهويد وغيرها من شعاراتهم المعروفة.
وفي السياسة الداخلية كذلك سنجد ميل الجماعة الواضح نحو الاستقرار الاقتصادي على ذات الحال التي كانت في عهد الرئيس السابق وسمعنا الكثير من الانتقادات الإخوانية للإضرابات العمالية في المصانع والشركات والقطاع العام، ولم يلمس المواطن المصري أية تغييرات باتجاه تحسين حياته أو على الأقل وضع حد أعلى وأدنى للأجور والبدلات رغم وجود حركة الإخوان على رأس التجمعات الانتخابية الكبرى وإمكانية لعبهم دوراً رائداً على هذا الصعيد الأمر الذي أكدته عملية الانتخابات لمجلسي الشعب والشورى وما رافقها من دعاية وإنفاق ببذخ منهم على مرشحيهم. كما أن هناك معلومات تشير إلى تعاون بين الجماعة والداخلية في الشأن الأمني سيتضح في مرحلة لاحقة.
وفي السياسة الخارجية لوحظ أن جماعة "الإخوان المسلمون" لم ترفع أي شعار مناهض للولايات المتحدة الأمريكية، وهنا فإن المقصود هو شعارات برنامجية أو صادرة عن هيئة الإرشاد ومجلس شورى الجماعة، وليس شعارات الشباب الثائر من أعضاء الجماعة وأنصارها في بعض المناسبات وهي شعارات تعبر عن اختلاف هؤلاء الشباب مع الحركة وقيادتها.
إن أهم وثيقة لحسن السيرة والسلوك قدمتها الجماعة للغرب الرأسمالي ولكل أعداء الأمة العربية والإسلامية هي الإقرار باتفاقية كامب ديفيد المهينة للعروبة والإسلام، وللأسف فقد وضعت موقفها هذا تحت عنوان الحرص على مصلحة مصر والحفاظ على أمنها القومي في الوقت الذي تعرف الجماعة أن أخطر ما مس الأمن القومي المصري ولا يزال هو هذه الاتفاقية والعلاقة مع الكيان الصهيوني..
وبعد.. الانتخابات الرئاسية اقتربت، لكن الوقت لم يفت على المناورات، ورغم أن جماعة الإخوان أعلنت أن ترشيح الشاطر ليس تكتيكاً إلا أن مفاعيل القرار لم تتضح بمجملها وهناك ما يمكن مراجعته في هذا القرار، ولأننا لم نتطرق لما يمكن حدوثه بعد الانتخابات سواء نجح الشاطر أو سقط "ولهذا مقال مختلف" فإن مراجعة القرار بات أمراً ملحاً وعاجلاً كي لا يندم أحد.
09/04/2012
الإخوان المسلمون .. غلطة «الشاطر» بألف!!
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ADDS'(9)
ADDS'(3)
-
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى