مؤتمر الأخوات المسلمات - تصوير صلاح
سعيد
«إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا» كنا نتمنى أن نتحدث عن تلك الآية القرآنية الكريمة،
ولكن هذه الآية تحولت على يد جماعة الإخوان إلى وثيقة سرية، أو إلى كتيب يحمل
أفكارا منبتة الصلة عن الإسلام، ولهذه الوثيقة قصة، ولهذه الوثيقة موضوع، ولهذه
الوثيقة نهاية، أما قصة هذه الوثيقة فتبدأ بعد أحداث «محمد محمود» فى التاسع عشر من
نوفمبر من العام الماضى، كان الدم الذى سال من الثوار فى شارع محمد محمود قد حرك
بعض الأفئدة، وهيَّج وجيعة المصريين، ولأن بعض شباب الإخوان قد تأثر من مشاهد
القتلى والمصابين، وفتتت كبده السلبية التى أمرته بها قياداته، حينها ظهر للقادة أن
زمام الشباب من الممكن أن يفلت من بين أيديهم، فكان أن أسندوا إلى الدعاة من
الجماعة مهمة مخاطبة الشباب وإقناعهم بأن الموقف السلبى للإخوان هو عين الشرع وقلب
الحقيقة، فقلبوا الحقيقة!! خرج راغب السرجانى الداعية الإخوانى بخطاب دعوى فيه
تسخير السيرة النبوية لخدمة المفاهيم الإخوانية، فزعم أن النبى صلى الله عليه وسلم،
كان سلبيا حينما كان يمر بآل ياسر وهم يُعذَّبون فلا يفعل إلا أن يقول «صبرا آل
ياسر فإن موعدكم الجنة»!! لذلك رأى راغب السرجانى أنه يجب على كل إخوانى أن يمر
بعيدا عن شارع محمد محمود ويقول: صبرا آل الثوار فإن موعدكم الجنة!!
ودون أن نعقب على ذلك الفقيه الإخوانى اللذيذ الذى يستدل بواقعة فى غير موضعها أو كما يقول الفقهاء «اختلاف المقيس عن المقيس عليه»، ودون أن يتوافر للمستدل بها أدوات الفقيه، ثم يستخدمها لتحقيق مفاهيمه النفعية، إلا أن هذا التجديد الفقهى اللذيذ لم يلق قبولا فى نفس كثير من شباب الإخوان، خصوصا مَن شارك منهم فى أحداث الثورة، حتى إن كثيرا من الشباب بدأ يتغيب عن الأنشطة الإخوانية، قاصدا بذلك إعلان اعتراضه على سلبية الجماعة وتغليبها انتخابات البرلمان ومصلحة الإخوان المحتملة على مصلحة المسلمين المحققة.
وصلت اعتراضات الشباب إلى مسامع خيرت الشاطر، وأدرك، بقدرته التنظيمية، أن غلق أبواب «الفتنة» يبدأ بغلق أفواه الشباب، وغلق أفواه الشباب لن يكون إلا من خلال غلق العقول، والقفل الذى سيتم وضعه على العقول هو القفل الجاهز تحت الطلب، قفل الفتوى والشريعة، وتفصيل الفتوى له أحكامه ورجاله، والفقيه الترزى الذى يستطيع التفصيل حسب مقاس الجماعة هو صاحب «قصب السبق» بين أقرانه، فكان أن تم إسناد إعداد دراسة شرعية عن «فقه المنهج السياسى للجماعة» للدكتور عبد الرحمن البر عضو مكتب الإرشاد، الذى أصبح مفتيا للجماعة بعد تقاعد المفتى السابق الشيخ عبد الله الخطيب، وفى غضون أيام خرجت دراسة الشيخ البر إلى الوجود، وبعد أن قام الشيخ الخطيب بمراجعتها باعتباره «رأس الفقه فى الجماعة» أجازها وشكر الجهد الكبير الذى قام به تلميذه المفتى الجديد، ولمن لا يعرف، فإن الشيخ الخطيب هو صاحب كثير من الفتاوى التى أطلق عليها البعض «خرط القتاد» لتطرفها ومجافاتها للواقع وتعسفها فى فهم النصوص، ومنها فتوى تحريم بناء الكنائس فى مصر، وتحريم الغناء والموسيقى والفنون، والقطع بعدم جواز ولاية المرأة بأى حال من الأحوال، لأن مكانها الطبيعى هو البيت، وتحريم عمل المرأة إلا للضرورة وغير ذلك من الفتاوى «المتعسفة».
ولأن عبد الرحمن البر تلقى من الشيخ الخطيب وأخذ منه، فكان من الطبيعى أن يكون هذا الشبل من ذاك الأسد، أو بتعبير أدق فإن «سراج الدين أضرط من أخيه» وسراج الدين كتب دراسته لتأخذ مسارها فى الجماعة، وبعد أن تسلم الدكتور محمود عزت الفارس الصامت للجماعة الدراسة الشرعية، قام بتسليمها «لقلم النسخ» بالجماعة، وبعد نسخها أخذها المصحح اللغوى الأستاذ «أحمد» الموظف بمقر الجماعة ليقوم بدوره فى تصحيح الأخطاء الكتابية والإملائية، وقام بقلمه وخطه بتصحيح كثير من الأخطاء، وبعد ذلك تم عرض الدراسة على المهندس خيرت الشاطر الذى أعطى أوامره بإرسالها عبر الإيميل إلى رؤساء ومسؤولى المناطق الإخوانية لتعميمها على كل الأسر، ويبدو أن هذه الدراسة أحدثت أثرها فى هدهدة مشاعر شباب الإخوان، فمن بعدها انشغل شباب الجماعة بمجلس الشعب، ثم الوقوف وقفة «مضرية» فى مواجهة المظاهرات السلمية التى توجهت من بعض شباب الثورة إلى مقر مجلس الشعب، أثبت شباب الجماعة وقتها أن دراسة «إنا فتحنا لك فتحا مبينا» فعلت فى نفوسهم فعل السحر، فقد كانوا بمثابة الأمن المركزى الإخوانى الذى يُعمل جسده ولا يُعمل عقله!! هذه هى قصة الوثيقة الإخوانية السرية التى ننشرها، فما هو موضوعها؟ حين تقرأها ستدرك أنها الجزء الثانى من كتيب «الفريضة الغائبة».
كان كتيب «الفريضة الغائبة» هو الأخطر فى حقبة السبعينيات، كتبه محمد عبد السلام فرج فى فترة من فترات المراهقة التى عاشتها الحركة الإسلامية، آنذاك، فكان من أثر هذا الكتيب اغتيال الرئيس الراحل محمد أنور السادات، وبدلا من أن تقدم الحركة الإسلامية لأمتها، خصمت من رصيدها وكانت عبئا عليها، وبعد سنوات وسنوات كان من الظن أن ترتقى الحركة الإسلامية وتتجه نحو الرشد، فإذا بها ترتد إلى الخلف وتعود إلى نقطة الصفر، بل إلى ما قبل الصفر، ولله الحمد والمنة أن قامت الثورة، ففى الثورات سبع فوائد، ومن فوائدها أنها كشفت عن حقيقة جماعة الإخوان التى ظلت مختفية تحت لحاف الاضطهاد، وحين رُفع عنها الغطاء الوهمى رأينا ما لا تحمد عقباه، وكان أخطر ما ظهر هو الفكر الباطنى الذى تنتهجه الجماعة، فحين ادلهمت الأمور بالثورة، وانشطر الثوار بسبب حالة الاستقطاب الدينى الذى مارسته الجماعة، وتفرق الناس حين ذهب بعضهم فرادى وجماعات إلى أحضان المجلس العسكرى، حينها أخرجت جماعة الإخوان الجزء الثانى من «الفريضة الغائبة» وكان تحت عنوان «إنا فتحنا لك فتحا مبينا».
وثيقة «إنا فتحنا لك فتحا مبينا» هى من أخطر وأخطأ ما أخرجته العقلية المتطرفة للإخوان، وإذا كان البعض يعتبر أن النظام الخاص أكبر «خطأ» وقعت فيه الجماعة عبر تاريخها، فإن هذه الدراسة هى أكبر «خطر» مارسته الجماعة. عنوان الدراسة هو عن الفتح، ويبدو أن فكرة «الفتح» هيمنت على عقل الجماعة وفقهها، فمنذ سنوات كشف الزميل «حمدى رزق» فى «المصور» عن وثيقة «فتح مصر» التى كتبها خيرت الشاطر، والذى أثبت القضاء فى ما بعد صحتها، وفى الأيام الأخيرة كان خطاب الدكتور محمد مرسى المرشح الإخوانى للرئاسة، يدور حول إعادة «فتح مصر» وتكررت كلمة الفتح لدرجة جعلتنا نظن أن الإسلام لم يدخل مصر بعد، وأن عمرو بن العاص وفتحه لمصر كان وهما ومن «حواديت» الخيال، إلا أن الأسلوب الذى صاغ به الدكتور البر دراسته حرص فيه على استخدام مفردات لفظية من قاموس «حسن البنا» مثل العنوان الثانى للوثيقة الذى كان «عاطفة ومصارحة»، وهى كلمات مأخوذة من إحدى رسائل حسن البنا، ويبدو أنه أراد أن يكون مدخله إلى الدراسة مدخلا نوستالوجيا، يدفع الشباب للحنين إلى أصل جماعة الإخوان وإلى رسائل حسن البنا التى شكّلت مشاعر أعضاء الجماعة، وفى بداية الدراسة كان المدخل عاطفيًّا مؤثرا يستجدى فيه مشاعر الشباب ويذكرهم بعاطفة الأخوة والمحبة فى الله، ثم يعيد عبد الرحمن البر التذكير بحسن البنا ليكون سندا إليه فى إقناع أعضاء الجماعة بالدراسة موضوع البحث الفقهى، ويبدو أنه كان يعرف مدى وطأة أفكار الدراسة على النفس السوية!! وبعد ذلك عاد عبد الرحمن البر إلى أسلوبه المعروف عنه، والذى صاغ به كل أبحاثه الشرعية، مثل البحث الخاص بوجوب الاستشهاد على صناديق الانتخابات، حتى إن استدلالات عبد الرحمن البر فى دراسته هذه هى نفس استدلالاته فى فتاوى أخرى كثيرة أخرجها من قبل، نفس الأحاديث، ونفس الآيات القرآنية، بل حتى نفس الأبيات الشعرية خصوصا بيت الشعر «يا عابد الحرمين لو أبصرتنا…. لوجدت أنك بالعبادة تلعب». وكان البر حريصا فى دراسته على التذكير ببيان الجماعة الذى أصدرته الجماعة عقب أحداث محمد محمود ليكون منطلقه للدراسة، ثم استنفر البر مشاعر أعضاء الجماعة بالحديث عن الخلافة الإسلامية ووجوبها، وهو نفس الأمر الذى كرره المرشد الدكتور محمد بديع فى أكثر من موقف، وكذلك هو ذات خطاب خيرت الشاطر ومحمد مرسى.
موضوع الدراسة نفسه كما قلنا هو الأخطر والأخطأ فى تاريخ الجماعة، فهو يدور حول «النسخة الإسلامية الميكيافيلية من الغاية تبرر الوسيلة» وذلك باستخدام أدوات الفقه فى غير موضعها، ومن خلال الضرورات تبيح المحظورات، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، كان التبرير الجاهز لكل خطايا وأخطاء الجماعة، وكان منهج الدراسة يستند إلى «تكثير المصالح ودرء المفاسد»، ثم الحديث عن وجوبية التنظيم، لأنه هو الذى سيقيم الخلافة دون غيره، ثم يشرح البر فى دراسته أنه (ولأن هناك من يقف ضد هذه الفريضة، فريضة الخلافة، لذلك يجب علينا أن نسعى لها بكل الوسائل حتى ولو كانت هذه الوسائل فى ظاهرها مفسدة، فالضرورات تبيح المحظورات، وهذه القاعدة هى إحدى القواعد الكلية الفرعية، فقد أدرجها بعض العلماء تحت قاعدة «الضرر يزال»، وبعضهم تحت قاعدة «المشقة تجلب التيسير»، أو تحت قاعدة «إذا ضاق الأمر اتسع»… وبمعناها قول ابن القيم وابن سعدى: «لا واجب مع عجز، ولا حرام مع ضرورة». ثم يعيد البر فى دراسته ضبط المصطلحات السياسية، ويضع ملامح القاعدة الشرعية التى تحكم الجماعة بأنها:
(السياسة الشرعية لها أحكامها، ومن أحكامها تغليب الأوجب على الواجب والأصوب على الصائب، وإذا كان من الواجب فى الانتخابات أن يكون أفراد قائمة الإخوان من أصحاب الكفاءات الشرعية والسياسية، ممن يشتركون معنا فى الغايات، ولا يحاربون إقامة دولة الإسلام من الوسائل أن نتترس فى قوائمنا الانتخابية، فإن الأوجب أن نتترس فى قوائمنا «بالجاهليين من الناصريين والنصارى والليبراليين من أجل صد هجمات التيار الجاهلى فى المجتمع»، من أجل هذا أيضا كان دخول نصرانى فى قوائمنا، كل هذا نعتبره وفقا لمعيار المصالح والمفاسد من الضرورات التى تبيح المحظورات). هذه هى نظرة الإخوان إلى المختلفين معهم سياسيا، هم من الجاهليين. الناصريون والليبراليون والنصارى جاهليون!! نفس المفاهيم التى أوردها سيد قطب فى كتابه «معالم فى الطريق»، والاتفاق معهم يكون من أجل صد هجمات التيار الجاهلى فى المجتمع، فالجماعة تتفق لتتقى، وإذا كان هذا الاتفاق عندهم من المحظورات لأن هؤلاء كفار، فإن هذا الاتفاق من الضرورات، والضرورات تبيح المحظورات، ولا حرام فى ضرورة.
ثم يدخل عبد الرحمن البر إلى الأخطر، وهو الأمر الذى ظهر من ممارسات الإخوان فى البرلمان وأولوياتهم، فيقول فى دراسته السرية: (الانتخابات والبرلمان والنقابات والتحالفات هى من السياسات الجزئية فى السياسة الشرعية، ونحن نسعى للوصول إلى البرلمان، ليس من أجل التشريع ولكن من أجل الشريعة، وليس من أجل إقامة حكم ديمقراطى، ولكن من أجل إقامة حكم إسلامى) هذا هو غرض الجماعة من البرلمان، وهذا هو موقفهم من الديمقراطية، حتى إنه يقول: (ليست الديمقراطية وما يتعلق بها من تداول للسلطة، هى كحلف الفضول الذى قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: لقد شهدت فى دار عبد الله بن جدعان حلفا لو دعيت به فى الإسلام لأجبت، ولكن الديمقراطية من الوسائل السلمية التى من خلالها سيتم التمكين لدين الله وإقامة دولة الإسلام، فهى مجرد وسيلة مثلها كصلح الحديبية، وكان هذا الصلح فتحا عظيما، ونصرا مبينا للمسلمين، حيث تم بعده التمكين لدين الله فى الجزيرة العربية، فلا عجب إذن أن يسمّيه الله تعالى فتحا مبينا)، والغريب أن نفس هذه الألفاظ بعينها استخدمها عبد الرحمن البر فى دراسة أخرى كتبها بعد ذلك ونشرها فى موقع «إخوان أون لاين».
ويلخص عبد الرحمن البر موقف الجماعة السياسى من الناحية الفقهية فيقول: (وإذا كنا قد جاهدنا فى العقود الماضية ضد التزوير وتزييف إرادة الشعب المسلم ودخلنا السجون والمعتقلات وصودرت أموالنا واستشهد من استشهد من إخواننا، فإن ثورة يناير وأحداثها ونتائجها كانت بلا شك تتويجا لجهادنا، لذلك كان للإسلام أن يجنى ثمار هذا الجهاد، وطريقة جنى الثمار هى الأدق والأخطر فى طريق التمكين لدولة الإسلام، لذلك كان لها فقهها، فالاصطدام بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة فى أى مرحلة بعد الثورة كان من شأنه أن يعيدنا إلى الوراء سنوات، لذلك كان لنا أن نضبط التعامل مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم الفعلى للبلاد، وفقا لمعيار المصالح والمفاسد، وكذلك الأمر مع الانتخابات التى صممت الفرق المناوئة للإسلام على تعطيلها، خوفا من إقامة دولة الإسلام، وإذا كانت المظاهرات المليونية أو ما اصطلحوا على تسميتها بذلك قد خرجت فى معظمها من أجل الاصطدام مع المجلس العسكرى ووأد الانتخابات القادمة، فإن فقه المرحلة لدينا قام على اعتبار الانتخابات والديمقراطية والمجلس الأعلى للقوات المسلحة والمظاهرات والأحزاب وحزب الحرية والعدالة والتحالفات، ومن قبلها التعديلات الدستورية، كل هؤلاء وسائل فى طريق التمكين لدولة الإسلام، والتى منها ستكون دولة الخلافة والتى منها سيكون التمكين لدين الله فى الأرض، وقد أجاز الفقهاء أن نترخص فى الوسائل من أجل تحقيق مقاصد الإسلام).
هذا الفقه الباطنى هو فى الحقيقة أخطر ما أخرجته الجماعة عبر عقودها، وقد قام بعض الإخوان بنشر هذه الدراسة بكاملها منسوبة إلى صاحبها فى مواقع إخوانية عديدة، واقتطع بعض أعضاء من الجماعة أجزاء منها ونشروها فى مواقع إخوانية أخرى، إلا أن أحدا لم ينتبه إليها، ونحن ننشرها بكاملها لتكون صرخة تحذير فى العقل الجمعى للأمة.
التحرير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى