جواد البشيتي
في مصر الآن يُعايِن المصريون، ويُعانون، عواقب أزمة جديدة "بدت واضحة جلية في ميدان العباسية على وجه الخصوص" يمكن تسميتها "أزمة تَعُدُّد الشرعيات"؛ فثورة الخامس والعشرين من يناير لم تتمكَّن، ولم تُمكَّن، من أنْ تؤسِّس لها، أيْ لنظام الحكم الجديد، الذي كان يجب أنْ يحل محل نظام حكم مبارك المخلوع، شرعية دستورية واحدة، تشبهها في مطالبها وأهدافها وغاياتها ودوافعها، فكانت العاقبة "السيِّئة" أنْ "تعدَّدت" تلك "الشرعية الواحدة" اللعينة التي مثَّلها نظام حكم مبارك الدكتاتوري.
إنَّ نظام الحكم المطلق يمكن ويجب أنْ ينهار؛ لكنَّ انهياره، وفي بلادنا ومجتمعاتنا العربية، لا يؤدِّي، حتماً، وبالضرورة، إلى إحلال نظام حكم ديمقراطي محله؛ فانهياره متناقِض العاقبة؛ فإمَّا أنْ يؤدِّي إلى قيام نظام حكم ديمقراطي وإمَّا أنْ يؤدِّي إلى "فوضى"، تَعُمُّ وتنتشر، بما يسمح لكثيرٍ من القوى والجماعات، التي لم تَنْبُت من المجتمع بميوله ونزعاته الداخلية، بالاصطياد في الماء العَكِر، فيصبح لها، في هذا المناخ، من قوَّة التأثير "السلبي والضار" ما يفوق كثيراً حجمها ووزنها؛ كيف لا و"براميل البارود" كثيرة، وحَمَلة "أعواد الثقاب" أكثر؟!
"المجلس العسكري "الأعلى" الحاكم" يمثِّل "شرعية"، وجماعة "الإخوان المسلمين" وحزبها تمثِّل "شرعية"، وحزب "النور" السلفي وزعيمه الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل يمثِّل "شرعية"، والبقية الباقية من قوى الصراع تمثِّل "شرعية" هي جَمْعٌ من "شرعيات عِدَّة"؛ وشتَّان بين "التعدُّدية السياسية والحزبية "والفكرية"" و"تَعَدُّد الشرعيات"؛ فالظاهرة الأولى هي ثمرة "الديمقراطية"؛ أمَّا الظاهرة الثانية فهي ثمرة "الفوضى"، التي أفهمها، مصرياً الآن، على أنَّها "حالة سياسية منظَّمة"، أيْ تُنَظِّمها وترعاها قوى لها مصلحة في وجود هذه الحالة واستمرارها.
و"المجلس العسكري الأعلى"، والذي هو في حِلْفٍ "قوي" غير مُعْلَن مع "المحكمة الدستورية العليا"، كمثل الجيش والمحكمة الدستورية في تركيا، هو الطرف الأقوى في هذا الصراع؛ وليس ممكناً، من ثمَّ، معرفة في أيِّ اتِّجاه تسير، أو يمكن أنْ تسير، الأمور إلاَّ إذا عَرفْنا ماذا يريد هذا المجلس، وكيف يسعى في الوصول إلى ما يريد.
إنَّه يريد "الرئيس"؛ فرئيس الجمهورية الثانية في مصر يجب أنْ يكون من حُصَّة "المجلس العسكري الأعلى"، على ما يريد "ضِمْناً" هذا المجلس؛ وهذا "الرئيس "المدني"" يجب "وعلى ما يريد "المجلس" أيضاً" أنْ يكون "قوياً"، في سلطاته وصلاحيته الدستورية؛ فالمصالح الفئوية للمؤسَّسة العسكرية هي في حجم ونوع يُلْزِمان أصحابها أنْ يسعوا في الإتيان برئيس "قوي"، يُحامي عنها، ويُدافع، ويجعلها في الحفظ والصَّون؛ والاستنتاج "والتوقُّع" من ثمَّ هو الآتي: إمَّا أنْ تُجْرى انتخابات رئاسة الجمهورية بما يُحقِّق لـ"المجلس العسكري الأعلى" مُراده "الإستراتيجي" هذا وإمَّا أنْ تُدْفَع الأمور والأحداث في "الاتِّجاه الآخر"، أيْ في اتِّجاهٍ، يَحِفُّ السير فيه من المخاطِر المرئية، وغير المرئية، ما يشدِّد الحاجة إلى "حلٍّ إنقاذي"، يتولاَّه "المجلس"، فيستمر "حُكْم العسكر" إلى أنْ "يَقْتَنِع" غير المُقْتَنِعين بَعْد بضرورة ووجوب إعطاء ما للعسكر للعسكر، وما للشعب للشعب!
"الشعب"، وفي انتخابات حُرَّة نزيهة، أخَذَ، أو أُعْطي، ما يستحق، ألا وهو "مجلس الشعب "ومعه "مجلس الشورى"""؛ وهذا "المجلس" يمكن جَعْله حُرَّاً من القيود التي قيَّده بها "المجلس العسكري الحاكم"، وتمكينه، من ثمَّ، من الإتيان بـ"حكومة" تَدين له بالولاء؛ لكن ليس قَبْل أنْ يأخذ، أو يُعْطْى، "المجلس العسكري الأعلى"، "حُصَّته"، وهي "رئيس الجمهورية "الثانية" القوي "بما يُقَوِّي، ولا يُضْعِف، نفوذ "المجلس""".
وهذا "الرئيس "المدني"" لن يكون حزبياً؛ فأيُّ مرشَّح حزبي للرئاسة يجب ألاَّ يَصِل إلى سدة الرئاسة؛ ويجب أنْ "يُطْبَخ" للرئيس الجديد "إعلان دستوري"، في مطبخ "المجلس العسكري الحاكم"، فيُعطى من السلطات والصلاحيات "الدستورية" ما يكفي لـ"طمأنة" هذا "المجلس"، ويجب، أيضاً، أنْ "تَقْتَنِع" القوى الحزبية ثقيلة الوزن الشعبي والسياسي بضرورة التصويت له.
وهذا "الاقتناع"، الذي قد يُسْتَعْمَل، توصُّلاً إليه، بعضٌ من وسائل وأساليب "فَنُّ الإكراه"، يمكن أنْ يتحقَّق من طريق "ضربات مخصوصة" يوجِّهها "المجلس العسكري الحاكم" إلى بقايا نظام الحكم القديم، ويُقْرِنها بـ"تنازُل" يقدِّمه لتلك القوى الحزبية في هيئات الحكم الأخرى، أيْ "مجلس الشعب" و"الحكومة"؛ فهو لم "ينتصر" للثورة، ويَخْلَع مبارك، لوجه الله تعالى!
إنَّها "لعبة الرئيس"، المحفوفة بالمخاطِر، والتي يجب أنْ تنتهي، من وجهة نظر "المجلس العسكري الأعلى"، وإذا ما أرادت "القوى الحزبية والسياسية" نَقْل السلطة منه إلى "المدنيين"، بـ"فوز" رئيس "غير حزبي"، يَحْكُم وهو يشعر دائماً بتَفَضُّل "المؤسَّسة العسكرية" عليه؛ ويُفضَّل أنْ يَنْقُش على كرسيِّ الرئاسة عبارة "هذا من فَضْل العسكر"!.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى