التأكيد وقعت عيناك يوما على صورة ملصقة على باصات النقل العام الحمراء لجندى يحمل طفلا على ذراعيه، يهدهده ويسكته وينيمه، هذا هو ملخص ما يسمى بالمرحلة الانتقالية، حيث تعامل المجلس العسكرى مع الشعب باعتباره طفلا يتيما، وتصرف مع الثورة على أنها لقيطة فتلقفها من الشارع ونصب نفسه أبا لها بالتبنى، بعد أن مارس حربا نفسية واجتماعية شرسة ضد أهلها الحقيقيين، لكى يحتفظ لنفسه بحق الولاية عليها.
وفى وضع كهذا لا يمكنك أن تكتفى بلوم «العسكرى» على مهارته فى تنفيذ مخططه، بل اللوم على من زعموا أنهم آباء الثورة وأهلها لكنهم تركوها ملقاة على الرصيف وانشغلوا بتقاسم أنصبتهم فيها، وتصارعوا على حضانتها، دون أن يفكر أحد فيما تحتاجه الثورة الوليدة لكى تبقى على قيد الحياة وتنمو وتقف على قدميها.
وبهذا المعيار يكون ما توصلت إليه مجلة «فورين بوليسى»من أن مصر شهدت أغبى مرحلة انتقالية قولا غير دقيق على الإطلاق، فالحاصل أن هذه المرحلة أديرت بذكاء شرير ومهارة غير مسبوقة فى تدجين وإجهاض ثورة عفية فى زمن قياسى، وفق أداء يجعل إبليس شخصيا يتوارى خجلا من تواضع مستواه وتدهور لياقته مقارنة بالعقلية الاحترافية التى تألقت على مدى ١٨ شهرا.
وبالعودة إلى الصورة الشهيرة على باصات النقل العام، فقد نجح مديرو المرحلة فى إخفاء معالم الثورة وإضاعة ملامحها، بشكل كامل، قطع الصلة بينها وبين أهلها، وفى غضون أقل من عامين تمكن من فطامها عن الحلم والتطلع لتحقيق أهدافها الكاملة، بعد أن استدرج نفرا ممن زعموا أنهم يمتون بصلة قرابة لها، ليقوموا بدور المرضعات الدستوريات، وبجرعات مكثفة من الحليب الفاسد، أوشكت على الدفع بها لمرحلة الاختناق.. وبالتوازى مع ذلك جرت عملية حقن ممنهجة للقطاعات الأوسع من الشعب بهرمونات الاستقرار الزائف والأمن القائم على آليات الإخصاء والكى لكل غدد التفكير وخلايا الوعى والضمير فى المواطن المصرى.
والنتيجة كما ترى: الملمح الوحيد الدال على أن لهذه الثورة أهلا، وأعنى البرلمان المنتخب، تم مسحه من على خارطة الوجود، وهو البرلمان الذى فاخر المجلس العسكرى يوما بأنه صنعه على عينيه وقدمه هدية أو عطية للمصريين تحت حكمه السعيد، وأمضى شهورا يمارس علينا المن والأذى انطلاقا من تنعمه علينا بإجراء انتخابات برلمانية نزيهة وشفافة.. وبعد ٢٤ ساعة من الآن سيقدم «العسكرى» أحدث منتجاته: رئيس مستأنس منزوع الصلاحيات، بلا دستور يحدد نطاق عمله، ولا برلمان يراقب أداءه، بل مجرد برواز فخم معلق على حوائط صالون الجنرالات، وفى أفضل الظروف والأحوال لن يتجاوز نطاق خدمته تلك المساحة الضئيلة البائسة التى كان يتريض فيها كمال الجنزورى الذى اخترعوه لنا وأوهمونا بأنه يتمتع بصلاحيات رئيس دولة، باستثناء ملفات القضاء والأمن.
وهكذا يا سادة يا كرام تحول كل الكلام اللطيف عن الخروج الآمن للعسكر، لدخول مخيف لمصر كلها إلى أتون حكم الكاكى.
لكن وبرغم العتمة هناك جيل جديد صنعته الثورة، سيكون قادرا عما قريب على تحريرنا جميعا من العجز وقلة الحيلة والغباء
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى