في التوقيت الذي ينشغل فيه المهتمون بالشأن السياسي بمتابعة تطورات الحرب الإعلامية بين مرشحي الرئاسة، اللذين تبادلا الإعلان عن فوزهما في جولة الإعادة، بثت وكالة الأنباء الرسمية التابعة للدولة خبرا قصيرًا في الحادية عشرة واثنتي عشرة دقيقة من مساء الثلاثاء، أربك حسابات أجهزة الإعلام ولفت الأنظار بعيدًا عن الحرب المستعرة بين الرئيسين المحتملين في المستقبل القريب، ليستحوذ الرئيس السابق على كل الاهتمام.
قال الخبر الذي بثته وكالة أنباء الشرق الأوسط نقلاً عن مصادر طبية مجهولة إن الرئيس السابق محمد حسني مبارك توفي إكلينيكيًا و«توقفت أجهزته الحيوية عن العمل»، بعد جلطة مخية أصابته في محبسه بسجن طرة، واستدعت نقله لمستشفى المعادي العسكري في محاولة للإبقاء على حياته التي باتت مهددة».
بعد أقل من ساعتين ثبت كذب الخبر واستقرار صحة الرئيس السابق ونفى المجلس العسكري في بيان صحفي ألقاه اللواء محسن الفنجري حدوث أي تدهور في صحة مبارك الذي استقر به المقام خارج سجنه في ضيافة مستشفى المعادي.
سارعت وكالات وشبكات الأخبار الدولية عبر مصادرها إلى التحقق من الخبر الذي بثته وكالة أنباء الشرق الأوسط، وتسبب خبر «الوكالة الرسمية»، كمصدر أساسي من مصادر أخبار الشؤون الداخلية في مصر، في إرباك الوكالات الدولية ودفعها لتبني «وجود تضارب» حول أنباء صحة مبارك، ولجأت شبكة هيئة الإذاعة البريطانية إلى الزميل محمود الشناوي، نائب رئيس تحرير الوكالة، للتعرف على إجراءات التحقق من الخبر، ليكشف الزميل عن نشر الوكالة للخبر الذي تلقته من إحدى مراسلاتها، بقرار من رئيس تحريرها وعلى مسؤوليته الشخصية، ودون اتباع الأساليب المعتادة للتحقق من الخبر من مصادر رسمية، بعد أن نقلته مندوبة الوكالة عن مصادر مُجَهّلة.
«الوكالة الرسمية» واختبار المهنية
الخبر غير الصحيح لوفاة مبارك الإكلينيكية أتي ليتوج أسابيع تحولت فيها وكالة أنباء الشرق الأوسط، التي أنشئت عام 1954 كشركة مساهمة تملكها الصحف المصرية، من مصدر رئيس للأخبار الرسمية في مصر إلى مصدر جدل تدور حوله الأخبار، فخلال الأسابيع الماضية وأثناء الصراع المحتدم على مقعد رئاسة الجمهورية، صارت وكالة الأنباء التي أنشأتها الدولة بقرار سيادي من رئيس الجمهورية جمال عبد الناصر عام 1954 محلاً للاتهامات، بعد قرار من رئيس تحريرها عادل عبد العزيز بفصل نائبه الكاتب الصحفي المخضرم رجائي الميرغني لاتخاذه قرارًا ببث خبر حول دعوة للتظاهر بميدان التحرير.
اتهمت الوكالة خلال الأسابيع المنقضية بمحاباة المرشح أحمد شفيق وتسخير إمكاناتها لبث أخباره والدعاية له، صدر الاتهام عن نائب رئيس تحريرها المفصول «رجائي الميرغني»، ونظم صحفيون بها في التاسع من يونيو الجاري احتجاجًا على ما وصفوه بتحيز الوكالة لشفيق في تغطيتها لانتخابات الرئاسة، ونقلت مصادر إعلامية أنباءً منسوبة لصحفيين بالوكالة اتهموا فيها رئيس مجلس إدارتها ورئيس تحريرها في بيان صدر عنهم منتصف الأسبوع الماضي بـ« تصفية الوكالة من الصحفيين المعارضين لشفيق».
وساند تلك الاتهامات تقارير حقوقية صادرة عن مرصد الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، والشبكة الأوروبية المتوسطية لحقوق الإنسان «يوروميد»، تتهم الوكالة بالانحياز في أخبارها ومتابعاتها للمرشح نفسه، وقال تقرير الشبكة العربية لمعلومات الإنسان إن «هناك معلومات توصلت إليها الشبكة تدعو للاعتقاد بأن رئيس تحرير الوكالة يسخر جهودها والعاملين فيها لصالح شفيق، ويمارس ضغوطًا وظيفية في وكالة تمول بأموال الدولة ودافعي الضرائب لممارسة الضغط المعنوي والمادي على الصحفيين». ورد رئيس تحرير الوكالة على هذه الاتهامات بتصريحات صحفية أكد خلالها التزام الوكالة بالمعايير المهنية، وأعلن عن التقدم بدعوى قضائية ضد الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان لإصدارها بيانات تسيء لسمعة الوكالة، متهمًا الشبكة الحقوقية بممارسة «الابتزاز».
الاتهامات تأتي كحلقة في سلسلة من الانتقادات الواسعة الموجهة للوكالة منذ سنوات بلعب دور« غير مهني» في متابعتها للأخبار، واستغلال إمكاناتها من شبكة المراسلين والمندوبين الواسعة، ومواردها المالية المدارة عبر مالكها «مجلس الشورى» باعتبارها مؤسسة صحفية قومية، في خدمة نظام حكم الرئيس السابق ونظام الحكم التالي عليه. بالإضافة لاتهامات أخرى بـ«إهدار المال العام والتسبب في خسائر مالية لمالكها مجلس الشورى».
الاتهامات المالية الموجهة للوكالة تضمنتها التقارير المتوالية للجهاز المركزي للمحاسبات، الذي يرصد تحقيق الوكالة لعجز مالي في ميزانيتها بلغ في بعض الأعوام ما يتجاوز 35 مليون جنيه كما في التقرير المالي لعام 2006.
من بث أخبار الشرق الأوسط.. لبث أخبار الحكومة المصرية
بدأت وكالة أنباء الشرق الأوسط كشركة مساهمة تملكها الصحف القومية عام 1945، وبدأت في بث أخبارها في الثامن من فبراير عام 1956 كأول وكالة أنباء إقليمية في منطقة الشرق الأوسط. وكان الهدف المعلن من إنشائها هو بث الأخبار المحلية والعربية بذات الكفاءة التي تعمل بها وكالات الأنباء العالمية المعروفة وقتها كوكالة رويترز والوكالات الأمريكية الدولية المعروفة «أسوشيتد برس ويونايتد برس»، وتسويق تلك الأخبار بهدف الربح، لكن دور الوكالة ظل قاصرًا على بث الأخبار المحلية والرسمية الصادرة عن الأجهزة الإدارية في الدولة ومتابعتها عبر مصادرها، بالإضافة لمتابعة الأخبار العربية إلى أن نافستها وكالات الأنباء العربية المحلية التي تتابع إنشاءها في العالم العربي منذ منتصف ستينيات القرن الماضي.
واتخذت الوكالة بسبب تبعيتها الإدارية لأجهزة الدولة منذ نشأتها مرورًا بتأميمها عام 1960 وصولاً لتبعيتها لمجلس الشورى لقب «وكالة الأنباء الرسمية»، لتمييزها عن محاولات مستقلة لإنشاء وكالات أنباء في مصر.
كانت الوكالة منذ نشأتها تدار عبر قرارات مباشرة من رئاسة الوزراء التي كان يتولاها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر من عام 1954 وحتى أكتوبر 1958. ولم يتغير وضعها السياسي مع تأميمها وتبعيتها لوزارة الإعلام، ثم تبعيتها لمجلس الشورى عام 1978.
وتضم الوكالة 400 مراسل ومحرر، وتبث خدماتها عبر الأقمار الصناعية منذ عام 1996، وتصدر عدة نشرات متخصصة بينها نشرتان يوميتان لأخبار الشرق الأوسط والمنطقة العربية وأخرى للأخبار الاقتصادية، بالإضافة لنشرتين بالإنجليزية والفرنسية، ويديرها مجلس مكون من 16 نائبًا لرئيس التحرير ومدراء للتحرير، وتضم ستة اقسام للعمل بالأخبار والتحرير والنشرات والمكاتب الخارجية وقسمًا خاصًا للاقتصاد، وآخر للتحرير المصور.
20/06/2012
وكالة أنباء الشرق الأوسط.. مرآة النظام
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ADDS'(9)
ADDS'(3)
-
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى