لم تبدأ مصر بعد فى كتابة دستور جديد رغم مرور ما يقرب من عام ونصف العام على سقوط رأس النظام السابق، ولا أحد يعرف متى تنتهى من إنجاز تلك المهمة الحيوية، التى لن يكتمل النظام السياسى أو يستقيم عمله دونها. ويعود هذا التعثر إلى أسباب كثيرة، أهمها أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة سلك طريقا معوجا فى إدارة المرحلة الانتقالية ولم يحسن ترتيب أولوياتها. فقد قرر البدء بتشكيل لجنة لتعديل دستور ١٩٧١ بدلا من تشكيل جمعية تأسيسية لكتابة دستور جديد.
وبعد إقرار التعديلات التى اقترحتها اللجنة باستفتاء شعبى، لم يدخل دستور ١٩٧١ المعدل حيز التنفيذ. وبدلا من ذلك صدر إعلان دستورى اشتمل على ٦٣ مادة، من ضمنها المواد الثمانى المستفتى عليها، وبعد دخوله حيز التنفيذ تعين الانتظار إلى ما بعد انتهاء الانتخابات البرلمانية، بمجلسيها، قبل أن يصبح فى الإمكان تشكيل الجمعية التأسيسية المنوط بها كتابة الدستور الجديد، وفقا لنص المادة ٦٠ من الإعلان الدستورى التى تمنح للأعضاء المنتخبين فى مجلسى الشعب والشورى وحدهم صلاحية انتخاب أعضائها.
ولأن الانتخابات البرلمانية أسفرت عن فوز التيار الإسلامى بأكثر من ثلاثة أرباع مقاعد البرلمان، فقد عكس تشكيل الجمعية التأسيسية هيمنة تيار بعينه، وأصابها بعوار سياسى، ترتب عليه انسحاب العديد من أعضائها، كما أصابها بعوار قانونى أدى إلى بطلانها بحكم من المحكمة الإدارية.
ما كاد البرلمان ينتهى من إعادة تشكيل الجمعية التأسيسية حتى صدر حكم المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية «قانون مجلس الشعب»، مما ترتب عليه حل مجلس الشعب، وصدور إعلان دستورى مكمل يمنح المجلس الأعلى للقوات المسلحة صلاحية تشكيل الجمعية التأسيسية، حال وجود مانع قانونى يحول دون تشكيلها أو تمكينها من القيام بواجباتها، كما أتاح لأطراف عدة، فى الوقت نفسه، حق التدخل والتأثير على عملية صياغة الدستور نفسه فى حال الاعتراض على نص أو أكثر. وقد أفضت كل هذه التعقيدات إلى أن تصبح الصورة الراهنة على النحو التالى:
■ هناك جمعية تأسيسية جديدة تشكلت وبدأت تمارس عملها بالفعل، لكنها تواجه مشكلتين: الأولى سياسية، بسبب استمرار غياب توافق وطنى حولها وانسحاب عدد من الأعضاء، والثانية قانونية، بسبب قيام البعض برفع دعوى بطلان جديدة أمام المحكمة الإدارية، بحجة أن التشكيل الثانى للجمعية ينطوى على عوار تشكيلها الأول نفسه. ومن المقرر أن تنظر المحكمة الإدارية هذه الدعوى فى جلسة ٤ سبتمبر المقبل.
■ تجرى حاليا محاولات حثيثة للتغلب على العقبة السياسية، بإقناع الأعضاء المنسحبين بالعودة للمشاركة فى أعمال الجمعية، وتشكيل قائمة خبراء تضاف للأعضاء الأصليين لتصحيح ما رآه البعض خللا فى التوازن مازال قائما فى التشكيل الراهن، ومن المتوقع أن تثمر هذه الجهود قريبا.
■ سوف يكون من الصعب جدا حل الجمعية التأسيسية بتشكيلها الراهن، خصوصا فى حال ما إذا نجحت فى الانتهاء من صياغة الدستور قبل جلسة المحكمة الإدارية، وأمامها بالتالى ما يقرب من شهرين لإنجاز هذه المهمة، وهى مهلة يراها البعض كافية.
■ يمكن لجهات كثيرة، من بينها رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والمجلس الأعلى للقوات المسلحة والمجلس الأعلى للقضاء وخمس أعضاء الجمعية، عرقلة عملية صياغة الدستور، فى حال الاعتراض على أى نص من نصوصه، وهو ما قد يؤدى إلى تأجيل صدوره إلى أجل غير مسمى. غير أنه ليس من الواضح بعد ما إذا كان الإعلان الدستورى المكمل ينطبق على عمل هذه الجمعية رغم تشكيلها قبل صدوره أم لا.. فى سياق ما تقدم يبدو واضحا أنه ما لم تتمكن النخبة من الاتفاق بأسرع ما يمكن على تشكيل توافقى للجمعية التأسيسية وعلى صياغة دستور توافقى خلال الشهرين المقبلين، فقد تعود إدارة المرحلة الانتقالية من جديد إلى نقطة الصفر، وهو ما قد يعرض عملية التحول الديمقراطى برمتها للخطر.
ألغام فى طريق الدستور - د.حسن نافعة
قسم الأخبار
Tue, 03 Jul 2012 14:30:00 GMT
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى