اذا كنت شاركت في الثورة المصرية أو دعمتها أو حتى تفهمت أسبابها فلاشك أن قرارات الرئيس مرسي الأخيرة قد أسعدتك . بالرغم من كل محاولات النظام القديم لاجهاض الثورة الا أن الشعب استطاع أن يفرض رئيسا مدنيا منتخبا لأول مرة منذ ستين عاما واستطاع هذا الرئيس المنتخب ان يحقق مطلبا أساسيا للثورة وهو اسقاط حكم العسكر ..باقالة المشير طنطاوي والفريق عنان والغاء الاعلان الدستوري المكمل يتحول الدكتور مرسي فعلا الى رئيس منتخب يمتلك كل الصلاحيات اللازمة لاقامة الجمهورية الثانية في مصر ..
بامكان الرئيس مرسي الآن أن يبدأ بناء الدولة الديمقراطية التى استشهد وأصيب آلاف المصريين وهم يحلمون برؤيتها . .
قرارات الرئيس مرسي جلبت الفرحة لكل من رأيتهم لكن هذه الفرحة لم تكن صافية وانما شابتها مخاوف .. . مصريون كثيرون يتساءلون هل يجب أن نفرح لأن حكم العسكر الذى طالما هتفنا بسقوطه قد سقط أم يجب أن نقلق على مصر لأن ما يحدث هو تمكين للاخوان من السيطرة على الدولة..؟! هذه المخاوف لها أسباب مشروعة تتلخص في الآتي :
أولا : ان الرئيس مرسي بالرغم من كونه منتخبا وشرعيا الا انه ينتمي الى جماعة الاخوان المسلمين بكل ما يكتنف هذه الجماعة من غموض في السلوك والتنظيم والتمويل ..
الجماعة غير مسجلة ولا مرخصة وميزانيتها الهائلة لا تخضع لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات وأظن أن الرئيس من واجبه أن يقنع قيادات الاخوان أو يلزمهم بفتح الصندوق الأسود للجماعة وتوفيق أوضاعها واخضاعها لرقابة الدولة حتى يقضى على كل الهواجس التي تراود ملايين المصريين ..
ثانيا : مع الغاء الاعلان الدستوري المكمل أعطى الرئيس مرسي لنفسه حق تشكيل جمعية تأسيسية للدستور اذا قام مانع يحول دون استكمال الجمعية الحالية لعملها .. هذا الحق الذى منحه الرئيس لنفسه غير ديمقراطي وغير مقبول .. لأن الجمعية التأسيسية يجب أن تعبر عن ارادة الشعب لا عن رغبات الرئيس حتى ولو كان منتخبا .
كنا ننتظر من الرئيس مرسي أن يعيد الحق للشعب صاحب السلطة فيكون من حق الشعب اختيار لجنة تأسيسية للدستور عن طريق الانتخابات الحرة وكنا ننتظر منه أن ينفذ وعده باعادة تشكيل اللجنة الحالية بحيث لا يسيطر عليها التيار الاسلامي ويوجهها وفقا لأفكاره.
ثالثا : المعروف في العالم كله أن وزارة الاعلام اختراع قمعي فاشل لا يوجد الا في الأنظمة الشمولية حيث تسعى أنظمة الاستبداد الى توجيه الرأى العام عن طريق انشاء وزارة للاعلام تشرف على تلقين الناس مجموعة من الاكاذيب تمجد الحاكم المستبد وتبرر كل ما يفعله حتى لو ارتكب جرائم ..
كان مطلب الثورة أن يتم الغاء وزارة الاعلام وانشاء مجلس أعلى للاعلام يراقب المعايير المهنية لوسائل الاعلام لكننا فوجئنا بالرئيس يحتفظ بوزارة الاعلام ويضع على رأسها أحد الاعضاء البارزين في جماعة الاخوان .
لايمكن تفسير ذلك الا برغبة الرئيس في ترويض الاعلام بدلا من تحريره وقد بدأ السيد وزير الاعلام عمله بطريقة أمنية تماما فقام بحملة من أجل فحص التصاريح الخاصة ببعض المذيعين الذين يعملون في القنوات الخاصة ثم أعقب ذلك بقرار اداري من الحكومة باغلاق قناة الفراعين ..
لايمكن بالطبع أن أدافع عن الأداء الاعلامي المنحرف لقناة الفراعين فالسيد توفيق عكاشة صاحب هذه القناة استعملها في قذف وسب معظم الوجوه التى ارتبطت بالثورة وأنا منهم وقد تقدمت ببلاغ للنائب العام ضد شتائم مقذعة انهال بها توفيق عكاشة على شخصى في برنامجه لكن البلاغ كالعادة تاه في أدراج النائب العام منذ شهور .. توفيق عكاشة وأمثاله يستحقون المساءلة القانونية بلاشك لكن اغلاق القنوات التليفزيونية في النظام الديمقراطي لا يكون أبدا تنفيذا لأمر اداري وانما تغلق القنوات تنفيذا لحكم قضائي نهائي ..
واذا قبلنا اليوم اغلاق الفراعين بقرار اداري فان أية قناة تليفزيونية ستغضب الرئيس مرسي في المستقبل سيتم اغلاقها بقرار اداري . كما أن توفيق عكاشة ليس الوحيد الذى يمارس القذف والسب على الهواء فهناك توفيق عكاشه آخر ينتسب للتيار الاسلامي هو الشيخ خالد عبد الله على قناة الناس وهو يوجه شتائم مقذعة لكل من يختلف معه في الرأى وقد نالنى أيضا جانبا من شتائمه فتقدمت ببلاغ ضده للنائب العام لكن البلاغ نام أيضا في الادراج مثل البلاغ الآخر ..
- السؤال .. هل يحاسب توفيق عكاشة على أدائه الاعلامي المتدني وتطاوله بغير حق على الناس عموما أم أنه يحاسب فقط على تطاوله على الرئيس مرسي ..؟ اذا كان عكاشه يحاسب على تجاوزه فيجب أن يحاسب أيضا الشيخ خالد عبد الله لأنه لايقل عنه تجاوزا أما اذا كان عكاشه يعاقب لأنه أغضب الرئيس فهنا يجب أن ننبه الى خطورة أن يدفع الرئيس حكومته للتنكيل بمعارضيه بينما من يرتكب نفس التجاوزات اذا كان منتميا للتيار الاسلامي لا يحاسبه أحد
رابعا : في كل النظم الديمقراطية تحفل وسائل الاعلام بالنقد لرئيس الدولة لكن القانون لايحاسب أحدا على نقده للرئيس مهما يكن قاسيا ومتجاوزا .القانون في النظام الديمقراطي ، في جريمة القذف والسب ، لا يتسامح فيما يخص الاشخاص العاديين لكنه يتسامح تماما فيما يخص الوزراء والرئيس .. فلو أنك قلت لجارك أو زميلك في العمل : أنت لص وكذاب .. يستطيع أن يقاضيك ويحصل على حكم ضدك أما اذا كتبت في جريدة أن رئيس الجمهورية كذاب ولص فان القانون يعفيك من أية محاسبة لأن نقد رئيس الجمهورية حتى ولو كان قاسيا الغرض منه الصالح العام ..
في فرنسا جريدة ساخرة شهيرة اسمها البطة المقيدة . تصدر كل أربعاء منذ عام 1915 لتسلخ رئيس جمهورية فرنسا وكبار المسئولين بسخرية لاذعة وتصورهم في كاريكاتير بطريقة مضحكة لايمكن أن يقبلها المواطن العادي على نفسه لكن المسئول العام يقبلها .
وقد عبر عن هذا المعنى الرئيس الأمريكي ثيودور روزفلت (1858 ـ 1919 ) عندما جاءه أحد وزرائه يشكو من قسوة هجوم الصحافة عليه فابتسم روزفلت وقال ساخرا :
ـ من يعمل داخل المطبخ لايحق له أن يشكو من حرارة الفرن ..
مغزى هذه العبارة أن تحمل النقد القاسي أو الجارح أحد واجبات المنصب العام في النظام الديمقراطي .
هذه هي الديمقراطية التى نريد بناءها في مصر . لكننا فوجئنا للأسف بمصادرة جريدة الدستور وتحويل رئيس تحريرها الى المحاكمة بتهمة اهانة رئيس الجمهورية بالاضافة الى التهم المطاطة المعروفة مثل اثارة الفتنة الطائفية والتحريض وهذه التهم من الممكن توجيهها الى أى شخص لا يرضى عنه الرئيس مرسي ...
أتمنى أن يقلع الرئيس مرسي عن ملاحقة الصحفيين حتى يقتنع المصريون أنه يريد فعلا بناء ديمقراطية حقيقية .
خامسا : معظم الصحف القومية في مصر مؤسسات فاسدة وفاشلة اداريا وصحفيا وكلها مديونة بمئات الملايين من الجنيهات التى تم اهدارها ونهبها من اموال الشعب المصري .. طبقا للقانون فان مجلس الشوري يمتلك المؤسسات الصحفية وكان يعين رؤساء تحريرها بمساعدة أجهزة الأمن وكانت النتيجة أن معظم رؤساء التحرير كانوا يتبارون في نفاق رئيس الدولة وفي نفس الوقت تعود صحفيون كثيرون على النفاق والتعامل مع جهاز أمن الدولة من أجل ضمان الترقي بعيدا عن معيار الكفاءة ..
بعد الثورة طالب الصحفيون بالغاء ملكية مجلس الشورى للمؤسسات الصحفية بحيث تكون مستقلة تماما عن الدولة وتم اعداد مشروعات متكاملة وجيدة من أجل استقلال الصحف القومية وتطويرها .
لكننا فوجئنا بمجلس الشورى ( الذى يسيطر الاخوان على أغلبية مقاعده ) يسارع بالاعلان عن مسابقة لتعيين رؤساء التحرير .. هذه المسابقة واللجنة التى أشرفت عليها أثارتا الكثير من الاعتراضات وعلامات الاستفهام ..
ثم تم اعلان النتائج وتعيين رؤساء تحرير جدد لكل الصحف القومية . . بعض رؤساء التحرير الجدد الذين فازوا في هذه المسابقة مشهود لهم بالكفاءة فعلا مثل الاستاذ سليمان قناوي والاستاذة ثناء أبو الحمد وغيرهما ..
لكن اعتراضنا هنا لا ينصب على الاشخاص وانما على النظام الذى يحتفظ لمجلس الشورى بالهيمنة على رؤساء التحرير .. فمهما كانت كفاءة رئيس التحرير الجديد لا يمكن أن ينسى أنه تم تعيينه بموافقة الاخوان المسلمين الذين يسيطرون على مجلس الشورى وأن معارضته للاخوان في أية لحظة قد تكلفه منصبه وبالتالي من الطبيعي أن يكون حذرا في التعامل مع أى موضوع يخص الاخوان أو الاسلاميين..
وهكذا نرى أن الاخوان ، بدلا من أن يحققوا أهداف الثورة ويساعدوا في تحرير المؤسسات الصحفية من سيطرة مجلس الشورى حتى تكون الصحافة القومية مستقلة محترمة ، فانهم خلعوا سيطرة أجهزة الأمن على المؤسسات الصحفية ليسيطروا عليها بأنفسهم بواسطة مجلس الشورى..
كل هذه الوقائع المقلقة تطرح نفس السؤال مجددا :
هل نحن أمام رئيس جمهورية عازم على تفكيك آلة الاستبداد لتعود السلطة الى صاحبها الشرعي وهو الشعب المصري أم أنه يطوع آلة الاستبداد لمصلحته وينزع سلطة العسكر عن الدولة ليؤسس سلطة الاخوان ..؟!. اذا كان مشروع الرئيس أخونة الدولة المصرية فهذا مشروع محكوم عليه بالفشل لأن الشعب سيقاومه بشدة ولن يسمح به أبدا والشعب الذى تصدى لحكم مبارك وأسقطه وحاكمه لن يقبل أبدا أن تتحول مصر الى دولة الاخوان ..
اذا كان الرئيس يريد فعلا أن يقضى على الاستبداد ليؤسس ديمقراطية حقيقية فلابد أن يصلح كل هذه الأخطاء المقلقة ويؤكد بأفعاله أنه رئيس للمصريين جميعا .يجب أن يفرج الرئيس عن المعتقلين الثوريين جميعا كما أفرج عن المعتقلين الاسلاميين .
لولا تضحيات شباب الثورة المعتقلين في السجن الحربي لما كان للرئيس مرسي أن يصل الى القصر الجمهوري . يجب أن ينفذ الرئيس وعوده بطمئنة الاقباط وتعيينهم في مناصب فعالة وموثرة ليدلل على احترامه لمبدأ المساواة بين المواطنين .
يجب أن ينفذ الرئيس وعده باجراء تغييرات في تشكيل اللجنة التاسيسية للدستور لتكون معبرة بحق عن كل أطياف المجتمع ولا يهيمن عليها التيار الاسلامي واذا تعثرت هذه اللجنة يجب أن يعاد تشكيلها عن طريق انتخابات حرة وليس عن طريق لجنة يختارها الرئيس على هواه .
تحية واجبة للرئيس مرسي على قراراته الشجاعة لانهاء حكم العسكر لكننا في انتظار قرارات أخرى منه حتى يثبت لنا أنه رئيس المصريين جميعا وأنه يريد فعلا أن يقضى على الاستبداد العسكري لا ليؤسس بدلا منه استبدادا دينيا وانما ليصنع نظاما ديمقراطيا حقيقيا يحقق لمصر المستقبل الذى تستحقه ..
الديمقراطية هي الحل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى