لو استثنينا ليبيا التي لم تستقر أوضاعها السياسية رغم الانتخابات، وإن سارت في اتجاه جيد، وكذلك اليمن التي تسعى جاهدة للتخلص من إرث زعيمها المخلوع الفاسد، فإن الوضع في مصر تحديدا وكذلك في تونس لا يغادر حربا ضروسا تخوضها أقلية علمانية ويسارية متطرفة لا هدف لها غير إفشال الوضع الجديد بأية وسيلة ممكنة.
اعتصامات ومظاهرات وحرب إعلامية لا تتوقف ضد الوضع الجديد لا يمنحه فرصة التقاط الأنفاس. بحث عن أية ذريعة من أجل إشعال معركة هنا أو هناك. المهم هو استمرار الإزعاج وعدم السماح للوضع الجديد بأن يمارس مهماته ويسير في تجاه خدمة البلاد والعباد.
لا مشكلة لدينا في النقد، والإسلاميون بشتى أطيافهم يخطئون في السياسة وسواها، لكن القوم إياهم “يتلككون” بالتعبير المصري الدارج، ويبحثون عن ما يثير الغبار بأي شكل من الأشكال.
خذ قصة الإعلام مثالا، ففي تونس مظاهرات لإعلاميين أكثرهم ممن رتعوا في حضن النظام السابق بدعوى أن حكومة النهضة تريد السيطرة على وسائل الإعلام، لكأن على الحكومة التي جاءت بانتخابات حرة أن تترك كل شيء على حاله وتتعرض لأسوأ أنواع الحروب الإعلامية من دون أن تتحرك لوقف المهزلة. ولنتذكر أننا نتحدث عن إعلام حكومي وليس إعلاما خاصا.
أليست المؤسسات الإعلامية الرسمية جزءا من ولاية الحكومة، وما الذي يمنع أية حكومة قادمة أن تغير في تلك المؤسسات بصرف النظر عن هويتها؟! لا نعرف كيف يفهم هؤلاء الديمقراطية والتعددية؟ هل أصبحت بنظرهم حكم الأقلية للأكثرية؟
في مصر حدثت ضجة مشابهة حين تدخل مجلس الشورى المنتخب في تعيين مسؤولين لعشرات المؤسسات والمطبوعات التابعة للدولة. حدث ذلك رغم أن الصحفيين الجدد لم يكن من بينهم أي شخص من الإخوان، لكن القوم يريدون أن يبقى كل شيء على حاله القديمة التي تركها النظام السابق، مع أن الجميع يعرف المعيار الذي كانت تتم على أساسه التعيينات.
صرخ القوم: إنها عملية “أخونة” للإعلام. ومع أن ذلك ليس صحيحا البتة، فإن من العجب أن يفترض هؤلاء أن يُترك كل شيء على حاله القديمة، مع أنها نتاج وضع فاسد. أما الأسوأ فيتمثل في إدراكهم لحقيقة أن إعلام القطاع الخاص الذي يموله مليارديرات مرحلة المخلوع هو الأكثر قوة وتأثيرا.
الحملة الشرسة التي تتم يوميا ضد الرئيس مرسي شاهد على ذلك. فالقوم لا يفرقون بين الحرية وبين الكذب الصريح. أليس من حق الرئيس أن يلجأ كأي إنسان عادي إلى القضاء من أجل منع التشهير به وبأسرته بأسلوب مدجج بالكذب؟!
خرج الرئيس وأصدر مرسوما يمنع توقيف الصحفيين في قضايا النشر قبل المحاكمة. حدث ذلك فلم نسمع من أولئك إشادة بالقرار؛ هم الذي أقاموا الدنيا بسبب توقيف صحفي لساعات بسبب الكذب والتشهير.
لا يتوقف الأمر عند ذلك، فكل ما يفعله الرجل يخضع للتشكيك والتشهير، وهو ما ينطبق على تونس أيضا، ولا يحتاج المرء أن يكون ذكيا ولا سياسيا ضليعا لكي يرى أن هناك “قلوبا مليانة وليست رمانة” كما في المثل الشعبي، لأن هؤلاء يريدون إفشال التجربة حتى لو بشَّرتهم بتحويل البلد إلى سويسرا.
هو عداء حزبي وأيديولوجي، وأحيانا طائفي لا صلة له بالمنطق ولا بالعقل ولا بالإنصاف، بدليل أن نفرا منصفا من الليبراليين واليساريين لم يجدوا بدا من الصراخ في وجه أولئك قائلين إن ما تفعلونه ضد الثورة، هو محض تصفية حسابات لا أكثر.
المصيبة أن ذلك كله يحدث في ظل دعم خارجي أيضا، فالخارج الغربي معني أيضا بإفشال التجربة، ومعه بعض العرب الخائفين من الربيع العربي. وحين توفر دول عربية مخرجا لزعيم فاسد دون التخلص من ورثته، وتبادر إحداها إلى استضافة آخر لا تستفيد من وجوده شيئا، وحين يصبح بلد آخر مأوىً للمخلوعين يعينهم مستشارين بينما يطارد الإصلاحيين، فلا يمكن أن يكون ذلك دون هدف.
الإسلاميون في دول الثورات، بل وفي الدول الثائرة كما هي الحال في سوريا في وضع لا يُحسدون عليه، هم الذي يتحركون وسط حقول من الأشواك وأجواء من العداء الداخلي والخارجي الرهيب.
ليس بوسعهم في مواجهة ذلك كله سوى التأكيد على مبدأ الحرية والوفاء لشعارات الثورة، إلى جانب العمل الدؤوب على خدمة الناس والتواصل معهم بكل شفافية، معتمدين -بعد الله- على الضمير الحي للشعوب وموقنين بأن الزبد سيذهب جفاءً، وأن ما ينفع الناس هو الذي سيمكث في الأرض.
ياسر الزعاترة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى