علي بريشة
إنها نظرية المؤامرة مجددا .. ومهما كنت تريد أن تتشبث بالعقلانية وتريد أن تحكم
الأحداث بإطار من المنطق فإن نظرية المؤامرة سوف تظل تلح عليك بشكل خارق لأنها تصدر
حاليا من جميع الأطراف وهي تناقش هذا التحول الدراماتيكي في مسار الثورة المصرية
وجنوحها للمرة الأولى نحو حالة من الفوضى والعنف.
فالأصل في نظرية المؤامرة أنها تكون عادة نظرية شوارعية يتبناها بعض الناس في الشوارع والمقاهي وهم يتحدثون وكأنهم العلمون ببواطن الأمور .. ولكن ما يحدث في مصر الآن هو تكثيف كامل لنظريات المؤامرة وخروجها من الشارع إلى البيانات الرسمية الحكومية وتصريحات المسؤلين التي تتحدث عن قلة مندسة وأياد أجنبية وجهات خارجية وتدريبات سرية في صربيا أو بوركينا فاسو .. وأيضا نجد روائح المؤامرة حاضرة في تحليلات اللواءات المتقاعدين الذين يحملون ألقابا شبه رسمية مثل خبير استراتيجي ومحلل سياسي وعسكري والذين يتحدثون عن المؤامرة الماسونية الهمايونية الصهيونية الخزعبلية للسيطرة على العالم.
وبما أن نظريات المؤامرة هي الحاضرة رسميا وشعبيا .. فعلينا أن نعود بالذاكرة قليلا إلى الحادث الذي يتم إسقاطه بشكل متعمد من ذاكرة الإعلام المصري ومن ملفات التحقيق الرسمية .. حادث تفجير كنيسة القديسين الذي يصر أصحاب القرار في وزارة الداخلية وجهات التحقيق على تغييبه عن المشهد بشكل يثير الريبة ويفتح الأبواب على مصراعيها على إتهامات التواطؤ والتآمر.
حتى هذه اللحظة لا يوجد رواية رسمية معتمدة لحادث كنيسة القديسين .. لا يوجد إلا رواية رسمية واحدة تم إعلانها يوم 24 يناير على لسان حبيب العادلي وزير الداخلية وقتها يبشر الناس بأنه تم القبض على التنظيم الإجرامي الذي قام بالجريمة .. وطبعا كان الإعلان مصحوبا بالصور للمتهمين "المعجونين من الضرب" وإعترافاتهم .. ولكن بعد قيام الثورة وسقوط العادلي سقطت روايته الرسمية لما حدث وخرج جميع المتهمين من القضية براءة لعدم جدية التحريات وثبت أن وزارة الداخلية لفقت الإتهامات لهم .. وبقى الحادث الطائفي الأسوأ في تاريخ مصر بدون رواية رسمية تقول لنا ماذا حدث بالضبط ومن هم المتهمون أو حتى من هي الجهات التي يشتبه أنها قد دبرت ونفذت هذه الجريمة ولماذا لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الجريمة .. ولماذا قامت وزارة الداخلية بتلفيق التهمة للأبرياء هل كان ما فعلته الوزارة هو عمل تآمري منظم لإبعاد مسارات التحقيق عن المتهمين الحقيقين أم أنها مجرد إستسهال و"كلفتة" في التحقيقات قام بها ضباط صغار أو كبار لرفع الحرج عن وزارة الداخلية ومحاولة إغلاق القضية على طريقة "تمام يا فندم".
هناك تقارير صحفية أجنبية ربطت بين حبيب العادلي وجهاز أمن الدولة وبين المسؤولية عن تنفيذ جريمة كنيسة القديسين .. وهناك رأي عام شعبي مقتنع تماما بأن العادلي وأمن الدولة متورطون في هذه القضية .. وفي المقابل هناك غياب كامل لأية رواية رسمية لهذه القضية وهناك تساؤلات عديدة لا تبذل جهات التحقيق أي جهد للإجابة عنها أمام الرأي العام .. والمحصلة النهائية المزيد من الشحن والمزيد من الإحتقان وعدم الثقة والإيمان التام بنظرية المؤامرة .. فالنظام الذي يجرؤ على تفجير كنيسة وتلفيق الجريمة لأطراف معينة حتى يوجد أجواء فتنة طائفية تساعده على الإستقرار والإستمرار وفرض حالة الطوارئ .. نفس هذا النظام ليس مستغربا أبدا أن يلجأ إلى تسهيل إقتحام سفارة أو إثارة حالة من الشغب تحرق بعض منشآت الدولة ليوجد حالة من الفوضى تضرب الثورة في مقتل .. فنفس الضباط الذين لفقوا قضية كنيسة القديسين مازالوا في الخدمة .. ونفس الوزارة التي صمتت على الجريمة وصمتت على التلفيق ولم تقدم رواية رسمية محترمة لتفاصيلها هي التي تقف على خط التماس بين الناس.. ونفس البلطجية الذين تورطوا في تزوير الإنتخابات وإرهاب المعارضين وحرق حزب الغد وتقفيل اللجان مازالوا مطلقي السراح لا يحاول أحد أن يقترب منهم.
السيد اللواء منصور العيسوي وزير الداخلية .. والسيد المستشار عبد المجيد محمود النائب العام .. أنتما مطالبان بأن يخرج أحدكما إلى الرأي العام ليقدم رواية رسمية حقيقية لما حدث في جريمة كنيسة القديسين .. ويشرح لنا لماذا تم تلفيق الجريمة لأبرياء .. وما هو حجم التعذيب والتجاوزات التي جرت ضد مئات المتهمين لإجبارهم على الإعتراف .. من هم الضباط والقيادات التي تورطت في هذا التلفيق وهل تم ذلك بشكل عفوي أم متعمد لإخفاء هوية الفاعل الحقيقي .. وما هي المسارات التي تجري فيها التحقيقات حاليا .. حتى يستطيع الرأي العام أن يستعيد بعض الثقة في أن أجهزة الدولة لم تعد تعتمد طريقة التآمر والتلفيق والوصول إلى الإستقرار عبر بث الفوضى للتحجج بفرض حالة الطوارئ وتبرير القبضة الحديدية الغاشمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى