في إطار إدارة المرحلة الانتقالية قلنا إبان إدارة المجلس العسكري أنها كانت إدارة بالكوارث, تتابع الأيام والأسابيع والشهور, فتأتي الأحداث فتنقلب إلي أزمات وتتحول من أقرب طريق إلي كوارث عدة شهدها القاصي والداني في أحداث مسرح البالون, وماسبيرو, وأحداث محمد محمود,
وأحداث مجلس الوزراء, وأحداث العباسية, وأحداث بورسعيد.
وفي كل مرة سقط الشهداء, وتأخر القصاص وأشارت أصابع اتهام من يحكم ويدير إلي طرف ثالث, ولم يظهر في مرة من المرات من هو الطرف الثالث؟ ومن الذي يصنع الأحداث, ومن الذي يحكم الأزمات, ومن الذي يدفعها دفعا إلي شكل الكارثة تلو الكارثة.
وقلنا أن الانتقال إلي رئيس مدني منتخب سيكون الممر الآمن لإدارة السياسة والمجتمع والدولة إدارة رشيدة تحقق آمال المواطنين وتبني المؤسسات السياسية وتنتج دستورا توافقيا يمثل عقدا مجتمعيا وسياسيا جديدا يليق بالوطن وبثورته, ويحدونا الأمل من خلال هذه الإدارة الرشيدة الجديدة أن تتعامل بكل حكمة وسرعة وبقرارات وسياسات حاكمة للتعامل مع تلك المطالب الشعبية والإضرابات والاعتصامات مما وصف بالفئوية, حتي يمكننا البدء في عملية يترافق فيها مواجهة الفساد, والفلول, وصولا إلي تحقيق أهداف وحماية مكتسبات ثورة25 يناير.
وجاء الرئيس المنتخب الذي كان محط توقعات مهمة من جانب الجماهير والقوي السياسية والمجتمعية المختلفة بعد جولة ثانية للانتخابات الرئاسية, حدث فيها قدر كبير من الاستقطاب اختلطت فيها كتلة المخاوف بكتلة المصالح من الثورة المضادة والتي وقفت وراء الفريق شفيق بينما كانت هناك كتلة آخري تؤكد أن مرشح الإخوان إنما يمثل الثورة في مواجهة الثورة المضادة, دفعت المخاوف الكثير من الناس إلي ضرورة أن يقوم الرئيس مرسي بعد فوزه بخطاب يجعل من لحمة الجماعة الوطنية هدفا أساسيا ينطلق من خلاله إلي إنهاء حالة الانقسام التي مكنت لفيروس الاستقطاب.
وبدا للبعض ضمن هذا السياق يؤكد أن يكون الرئيس بخطابه ورسائله وممارساته أن يكون رئيسا لكل المصريين. وأكد البعض ضرورة أن تكون هناك حكومة تساند الرئيس في حل مشاكل الناس والجماهير وتحقيق كل ما يتعلق بضروراتهم الأساسية وحاجاتهم الضرورية ومواجهة تحدياتهم الرئيسية, وجاءت الحكومة ليختلف عليها الناس لتشير إلي بعض من حقوقهم في أن هذه الحكومة يمكن أن تقوم بهذه المهمة الثقيلة بكفاءة كبيرة. كل تلك المقدمات كان يمكن أن تعبر عن مسار يسهم في نهضة الوطن بشرط أن تكون الإدارة عادلة فاعلة ورشيدة, إلا أن معظم الأمور قد دارت وبعد أقل من شهرين لتؤشر علي أمور خطيرة, العلة صارت تكمن في الإدارة المختلة. تمثلت هذه الإدارة المختلة في عدة أمور تعبر عن مجموعة من القرارات عنوانها الصدور ثم التراجع, وعبرت في أشكال مختلفة عن طريقة وأسلوب اتخاذ وصناعة القرار لم يستوف كل العناصر الواجبة والمقدمات الضرورية اللازمة لصناعة القرار واتخاذه من فحوي القرار ومن توقيته ومن بيئته ومن سياقاته ومن آلياته ومن التهيئة والإعداد المرتبطان به, ومن القدرة علي تسويق القرار, والشفافية في عرض الخيار بمعلومات شافية كافية وافية, ومن البحث عن ردود أفعال القوي المختلفة علي القرار وتقدير والبحث في تكلفة القرار والاقتصاد السياسي الذي يتعلق به جهدا ووقتا وأثرا ومآلات القرار والتحسب له والحساب عليها ومنظومة القرار التي توضح عناصر رؤية استراتيجية حقيقية تؤكد المعاني التي تربط بين القرارات المفردة ومنظومة القرار المجتمعة والمتجمعة.
إنها أمور يجب أن نتوقف عندها مليا في إدارة الأزمات وتأسيس السياسات والقدرة علي صناعة الآليات وبناء الاستراتيجيات, ستجد هذا متمثلا في قرار عودة مجلس الشعب والتراجع عنه بعد أيام, والإعلان الدستوري وإلغائه بعد معارضات, وقرارات رفع الضرائب وتجميدها بعد ساعات, وباتت هذه الإدارة المختلة في قيام مؤسسات أخري تتعلق بالحكومة تتخذ قرارا بإغلاق المحلات مبكرا والتراجع عنه بعد حين, ودعوة تقوم بها القوات المسلحة وتتضارب حولها الأقوال ما بين الصلاحية والقبول تنتهي بالتأجيل وربما بالإلغاء, وجهاز نيابة عامة يقوم النائب العام بنقل محام عام شرق القاهرة ثم يتراجع عن قراره رغم أنه دافع عن قراره الأول ولم يحدد لنا لماذا نقله ولماذا أعاده إلي عمله؟, وحتي عملية الاستفتاء صارت المراسيم بالنسبة لها تصدر دائما بعد تداول الناس لأكثر من قول وأكثر من خيار وفي النهاية تصدر المراسيم, مشاهد تؤكد عدم التنسيق. وكانت مساحة واسعة خالية من القرارات رغم حاجات الناس والضرورات.
أكثرمن هذا فإننا نشهد جهات يتعدد منها صدور الخطاب تؤشر علي فوضي في ساحات الخطاب تغيب فيها الرئاسة أو تصدر البيانات لتنفي أو تؤكد واختلطت مؤسسة الرئاسة بتكوينات أخري تتحدث بالنيابة عنها في أدق الأمور وأجلها.
واحتار الناس بين إدارة مختلة من معارضة محنطة في كل مرة ترفع سقوفها وتغلق الأبواب وتقيم السدود والجدر من دون فتح المخارج وتقديم البدائل, وتتخذ من المواقف المستندة الي مصالح آنية وأنانية تتحكم فيها تصفية الحسابات واتخذت مواقف مغلقة لا تلقي بالا لمصالح الوطن وحماية الثورة وحملت معها أطرافا من الفلول تارة وتارة أخري أطرافا احترفت موالاة العسكري.
ماذا فعلنا بالوطن وبالثورة في إطار يحمل كل عناصر الإدارة المختلة, مظاهر الاختلال فيها تبدو في تجاهل مقدمات القرار والتغافل عن بيئة القرار والقفز علي سياقاته ولا تعتبر دقة التوقيت في قيمة القرار, وقد قلنا مرارا وتكرارا لنلخص بكلمات كل القواعد التي تتعلق بالقرار صناعة واتخاذا( أن القرار ابن وقته إن فات زمنه فات أثره, وربما إنقلب إلي عكسه), وأتي بما يؤدي إلي تحقق ضرره واختفاء نفعه ليؤثر بذلك بتكلفته العالية والباهظة علي مسار العملية السياسية ومستقبل الوطن فيزيد البلاد استقطابا ويحدث فيها انقساما ويعظم فيها مداخل الفرقة والاستبعاد, وتدور في الخطاب مفردات الاستغناء والاستعلاء, وتختلط الكلمات ما بين تخوين وتخويف وتكفير. كان الدستور المعمل الذي أكدنا أننا بالسياسة الرشيدة الفاعلة نستطيع أن نخرج به بما يحقق مصالح العباد والبلاد, ويؤصل معاني الترافق والتوافق, فإذا بالأمر ينتقل الي دائرة الاستقطاب والتراشق…أين الوطن في كل ذلك؟, والثورة ومكاسبها وحمايتها من كل ذلك؟, يا سادة العلة في الإدارة المختلة من كل القوي والمؤسسات, والتي أورثت مباراة صفرية مهما توهم البعض أنهم كسبوا بعض المكاسب, الكل خسر الوطن والثورة, أفلا تعقلون؟!.
العلة في الإدارة المختلة - د.سيف الدين عبد الفتاح
قسم الأخبار
Tue, 18 Dec 2012 10:30:00 GMT
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى