وكأنهم تلقوا قبلة الحياة فعادت الحيوية إلى الوجوه الكالحة البائسة، فراحوا يتمايلون طربا بما اعتبروه انتصارا منحهم إياه حكم محكمة الاستئناف ببطلان تعيين النائب العام الجديد طلعت عبد الله.
يرقصون بمجون مدعين أنها احتفالية بالانتصار لاستقلال القضاء «الشامخ» لكنهم فى حقيقة الأمر يؤدون بروفة راقصة لاستعادة أيام العز الذى كانوا يتمرغون فيه فى عزبة مبارك.. يتوهمون أن الغيث آت بعد هذه القطرة التى نزلت عليهم بغتة، فاستدار الذين كانوا يحاولون تغطية عريهم الأخلاقى يلعبون أدوارا جديدة، يتقمصون فيها شخصيات الضحايا بينما هم جناة وقتلة.
هل كان ذلك الحكم مطرا طبيعيا، أم هى أمطار صناعية جرت عملية استدعائها واستمطار سحبها فى اللحظة التى كانت فيها الدائرة تضيق على عصابات القتل والحرائق؟
إن عبد المجيد محمود الموظف فى دولة الكويت الآن والذى سدد للتو نحو ٦٥ ألف جنيه قيمة هدايا حصل عليها من وزارة الإعلام ومؤسسة أخبار اليوم، لن يعود إلى منصب النائب العام، هم يدركون ذلك وهو أيضا، لكن لا بأس من استثمار هدية المطر القضائى فى زراعة مزيد من الغابات الثورية المزيفة للاختباء فيها ودفن جرائم دامغة فى حق الثورة بها، وذلك استمرار لتلك اللعبة اللطيفة التى ابتدأت مع جنرالهم الهارب.
وجوهر فكرة هذه اللعبة أنه إذا أردت أن تهرب من اتهامات فى جرائم سياسية وجنائية فلن تجد مكانا أفضل من حقول الثورة، تختبئ خلف أشجارها الوارفة وتنام مطمئنا على عُشبها، فكذلك فعل الجنرال حين حاصرته اتهامات الفساد والتورط فى جرائم بحق مصر ومتظاهريها فقرر أن يهرب إلى الانتخابات ويطل فى هيئة رجل السياسة المرشح لإنقاذ البلاد والعباد.
وهذا ما فعله أيضا أنفار ورشة إعلام مبارك ممن لا تزال آثار أوحالهم فى حق الثورة والمتظاهرين بادية على جدران الذاكرة الوطنية، وأصداء أصواتهم الناعقة بأحط الاتهامات للثوار وأبشع الدعايات السوداء ضد الثورة باقية فى الواجهات الأمامية لليوتيوب ومنقوشة على حوائط جوجل وفيس بوك.
لكنهم وبالدهاء الشرير ذاته، واعتمادا على الذاكرة الخئون لمواطن بسيط أنهكه الجوع إلى الأمان ويكاد يهلكه العطش للعيش الكريم والعمل، يطلون الآن فى ملابس تنكرية لإعلام ثائر ومحترم، وياللهول أصبحوا يطلقون على الذين اتهموهم بالعمالة والقبض «أولادنا وشبابنا الثوار» هكذا فجأة اكتشفوا بنوة الثوار لهم، أو أنهم باتوا أبناءهم بالتبنى فى زمن مقلوب.
وانظر مليا فى مكونات مسرح الاحتفال بحكم العودة المظفرة للناصر عبد المجيد محمود، ستجد خليطا من كل هؤلاء الذين لاتزال رائحة عرقهم لهثا فى إقطاعية مبارك تزكم الأنوف، جنبا إلى جنب، وكتفا بكتف، ثوار حقيقيون قبلوا على أنفسهم هذه المهانة الحضارية، ومنحوا لمن اغتالوهم أخلاقيا يوما صكوك البراءة ومفاتيح غرف الاغتسال من عارات موثقة بالصوت والصورة.
وفى أجواء شديدة التلوث مثل هذه سوف يحسن النائب العام الحالى ــ المحترم ــ طلعت عبد الله صنعا إن هو أقدم على الاستقالة ملقيا بها فى وجوه مبارك الضاحكة، وليتولى مجلس القضاء الأعلى تنفيذ آلية اختيار نائب عام جديد وفقا للدستور.. وسوف يذكر التاريخ للمستشار عبد الله أن نائبا عاما نجح فى خلال شهور قلائل من عمله فى اقتحام أوكار وخرائب النظام الساقط فخرجت دبابير وعقارب كثيرة، ومن أسف أنها وجدت ملاذات آمنة فى أحضان «الثورة الصناعية المزيفة».
نقلا عن الشروق
وائل قنديل يكتب : وجوه مبارك الثورية
قسم الأخبار
Fri, 29 Mar 2013 12:46:00 GMT
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى