دخان قنابل الغاز المندفعة من أعلى تارة ومن الأسفل تارة يعمى العيون، روحك تنسحب وسط الاختناق وبجانبك آخرين يفقدون وعيهم بالفعل، الجميع يهرول بحثا عن مخرج بعيدا عنها، قبل أن يظهر من بين الدخان وكأنه ولد فى هذا المناخ الخانق، يقترب فى شجاعة مباغته مندفعا نحو القنبلة الملتهبة وكأنه من عالم آخر، يحملها بين يديه، ليعيد إلقاءها على قوات الأمن، وينقل كل هذه المعاناة إلى الجانب الآخر، ويقدم للمتظاهرين فرصة أخرى لالتقاط الأنفاس.
صائد القنابل هو بطل هذا المشهد، تصدر أغلفة المجلات العالمية والمصرية منذ بداية أحداث الثورة، هذا البطل الأسطورى الذى أبهر العالم للمرة الأولى فى 25 يناير 2011، وهو يخرج من بين ألسنة الدخان الخانقة ليلتقط القنابل ويعيد توجهيها نحو قوات النظام الباطشة، وجهه لم يظهر كثيرا وحتى حينما كان يظهر بأشكال مختلفة، كان يحيطه دخان القنابل لينقل لنا انطباع أنه فقط صائد القنابل الذى أتى من عالم آخر لينقذ المتظاهرين.
فى ميدان التحرير، أو فى محمد محمود، أو أمام مجلس الوزراء، أو حول محيط الاتحادية، ستجده يظهر على الفور، فى مرة فى شكل شاب صغير هزيل البنيان وسريع الأقدام، يمسك بيده كرتونة صغيرة التقطها من فوق رصيف ويهرول نحو القنبلة بينما يبتعد عنها الجميع، أو فى شكل شاب مفتول العضلات يحيط رأسه بماسك مضاد للغازات وفى يديه قفاز حرارى فخم يلتقط القنابل ويعيدها إلى الجهة الأخرى بسرعة البرق.
صائد القنابل فى الحقيقة لم يكن شخص واحد فى الميدان، المئات من شباب ثورة خمسة وعشرين يناير بالمصادفة ودون تخطيط وجدوا أنفسهم يتحولون إلى صائدين لقنابل النظام الذى لا يرى أمامه سوى الحل الأمنى لمواجهه أى احتجاج، جميع هؤلاء الشباب لم يظهر منهم أحد فى يوم من الأيام أمام شاشات التلفزيون، كثيرين منهم كانوا يختارون غطاء للوجه على الرغم من الدخان الذى يحيطهم فى كل مرة يحاولون فيه إنقاذ المتظاهرين، ليدونوا بإنكارهم لذاتهم أسطورة واحدة ستظل فى تراث الثورة المصرية على مر السنين، تذكر بأنها كانت دائما ما تعطى قبلة الحياة لآلاف المتظاهرين وهم يحتضرون تحت ألسنة غازات النظام.
صائد قنابل الدخان بطل الثورة الأسطورى
Tue, 05 Mar 2013 00:02:21 GMT
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى