الرئيس السابق حسني مبارك
الكل يخشي الرجل ، ويصفه بصفات خارقة حتى قبل الاستماع إلى شهادته، مؤمنون أن القاضي لن يستطيع أن يحاوره، فرجل المخابرات العتيد مؤكد أنه يستطيع المراوغة، لن تفلح شهادته في إدانة المخلوع، الكل خائف فالنائب سيظل على عهده وفيا للمخلوع، وعلى العكس تماما كنت على يقين من أنه لا بد سيرتبك وستخونه الكلمات حتماً، فالبشر ليسوا آلات.
في الحادية عشر تقريباً بدأت المحكمة جلستها، نودي على المتهمين فاجابوا، واستدعي الشاهد، فخرج عمر سليمان من باب خلف منصة القاضي يصطحبه حارسان مفتولان العضلات، تنظر عيناهم الثاقبة نحو الحضور في حذر، ثم ما لبث أن وقف الشاهد في اعتدال على منصة الشهود، فسكن الحارسان.
وبمكر محبوك استخرج اللواء مذكرته وراح يدلي بشهادته: بأنه ذكر خطأ أحد التواريخ أثناء تحقيقات النيابة معه ، فأصر أن يثبتها أمام المحكمة بعد أن أقسم اليمين أن يقول الحق، الداهية يحاول أن يفلت من تهمة الشهادة الزور التي وجهتها النيابة العامة لأحد الضباط في جلسة سابقة.. الرجل يعد سلفاً ما سيقوله..
وبدأ القاضي أحمد رفعت، يسأل عن ظروف مصر الإجتماعية والسياسية والإقتصادية قبل الثورة ، واللواء يحكي عن حالات مصر فى الظروف الثلاثة، وعن توقع الجهاز الذي ظل يرأسه عن أن حالة الاحتقان فى الشارع المصري وصلت مداها وإخطار الرئاسة بذلك، ولابد أن تلتفت الإرادة السياسية ، وأنه توقع أن تخرج تلك التظاهرات قبلاً ، ولكنه عاد ليؤكد أن الحشود فاقت تصور كل أجهزة الدولة حيث خرج المصريين من كل صوب وحدب..
وأراد القاضي الذى بدا في هذه الجلسة أكثر حيوية أن يستخرج من الرجل ما لديه من سابق خبرات، فسأله عن مدى تأثير إطلاق الخرطوش على المتظاهرين وهل يؤدي إلى الوفاة، ولكن سليمان راوغ كمحترف يعرف جيداً كيف يهرب إذ أراد فقال إن الخرطوش يقتل إذا كان من مسافة قريبة، واستطرد والمياه نفسها تقتل إذا كان ضخها قوياً، الجنرال يصر على إعطاء إجابات محيرة.
وكأن المحكمة قد اسمتعت لحوار المحامين قبل الجلسة، فأرادت أن تبرز فحولتها وتثبت للجميع أنها ليست أقل دهاءً من الشاهد نفسه، فتطلق سؤالا مباشراً صوب اللواء وهل كان الرئيس المخلوع على علم بحالات القتل التي حدثت أثناء الثورة، ولأن سليمان كان يتوقع السؤال وربما ينتظره تمسك بهدوءه وادعى بأن الرئيس السابق بمجرد حدوث المظاهرات شكل غرفة عمليات واستدعى القيادات لبحث الأمر.
ولأن رئيس المحكمة قد استبان التفاف الشاهد سأله عن الحالة الأمنية لمصر في تلك الفترة العصيبة حين كانت الثورة في أوج اشتعالها، ويشهد سليمان أن الأمور كانت شديدة الخطورة، والانفلات الأمني قد وصل إلى حده الأقصى، حتى أنه قد تعرض لمحاولة اغتيال، عقب توليه منصب نائب رئيس الجمهورية، وهو ما يعني أن الانفلات الأمني قد وصل للدرجة القصوى.
وتسأله المحكمة عن دور المخابرات في رقابة رئيس الجمهورية، ويؤكد رئيس المخابرات السابق أن المرؤوس لا يراقب الرئيس وهو في النهاية يظل مرؤسا لرئيس الجمهورية، ولكن القاضي يحاول أن يتعرف أكثر عن طبيعة عمله السابق فيؤكد أن المخابرات جهة جمع معلومات فقط، وأنه غير مسموح له أن يفشي كيف يعمل الجهاز الذي كان يرأسه..
وتظل المحكمة تسأل واللواء لا ينكف عن المراوغة بإبداع راقص على الحبال، ولكن رفعت يأبى أن يستسلم فقد قالها سابقا في أحد الجلسات أنتم أمام أكبر محكمة في مصر، ويسأل الرجل عن طبيعة العلاقة بين الرئاسة والمخابرات، ويزل لسان الجنرال بعد طول عناء ويجيب ، نحمي النظام ، وتخرج الهمهمات من أفواه الحضور فيعاد الرجل فوراً في قوله بل نحمي الدولة..
ويكشف سليمان أنه ذهب لإسرائيل أكثر من مرة بتكليف من الرئيس المخلوع ، ويشن هجوما ضارياً على حركة حماس وبدو سيناء لدرجة جعلتني أندهش وأتخيل في ذهني حياة البدو البائسة التعيسة في سيناء، ورجل وصل لمنصب نائب الرئيس يتهمهم بأشنع الاتهامات، والتآمر مع حماس لإدخال عناصر أثناء الثورة، ولأن الأمر لم يغضبني وحدي بل أغضب الكثير هبت محامية حضرت خصيصاً من سيناء للحضور، وسجلت اعتراضها لدى القاضي على قول الشاهد في أهل بلدتها، وأكدت أن أسلوبه غير لائق وغير جائز..
وحين بدا أن المحكمة ستسجيب لما قاله الشاهد فتكتفي بسؤاله، وبدا لي أن عمر سليمان أوفى بعهده لدى المخلوع وسينتصر، أعلنت المحكمة عن نفسها مجددا فعادوته السؤال عن علم مبارك بحالات القتل التي شهدتها مصر أثناء الثورة ، وهنا أسقط سليمان في يده وارتبك فلم يكن يظن أن القاضي قد انتبه لحيلته للمراوغة، واكفهر وجهه واستسلم أعلنها صراحة أنه كان على علم بما يدور في الشارع وعن حالات الوفاة والمصابين، ولكنه ولو بعد حين حاول أن يستدرك خطأه بأنه اجتمع مع مبارك فى غرفة عمليات القوات المسلحة مع لفيف من القادة العسكرين لبحث الأزمة وشكلوا لجنة لتقصي الحقائق، ولكن فات الأوان فعقيدة المحكمة قد ترسخت وهوى الرجل كما توقعت..
ورضخ الجنرال أخيراً رغما عنه وهزمت المحكمة خبرة السنوات لدى الرجل، واستخلصت من شاهدته علم المخلوع بالأمر، وقيل إنها أصدرت حكمها بإدانة مبارك بالسجن المؤبد لقتله المتظاهرين عن طريق الامتناع لما حوته هذه الشهادة، ولا أدري ولا يدري غيري لماذا رفضت المحكمة توجيه سؤالين من النيابة للشاهد أذكر منها الأن الإفصاح عن فحوى اللقاء الذي جمعه بالمخلوع والقيادات العسكرية فى غرفة عمليات القوات المسلحة فى 29 يناير 2011.
http://www.masrawy.com/news/Cases/General/2013/April/22/5596307.aspx
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى