يجري تصوير أزمة النائب العام في مصر،على أنها أزمة قانونية -قضائية تتعلق بعدم احترام القانون وعرقلة تنفيذ أحكام القضاء، إذ يجري الحديث مطولا عن "تغول" السلطة التنفيذية -ممثلة في الرئيس – على السلطة القضائية، وأن أصل المشكلة يعود إلى إصدار الرئيس مرسي قرارات سماها إعلانات دستورية تأسيسية، أطاحت بالنائب العام السابق ليعين على أساسها النائب العام الحالي، وأن الرئاسة ترفض تنفيذ حكم محكمة القضاء الإداري بعودة النائب العام السابق.
غير أن البعد الحقيقي لأزمة النائب العام، هو بعد سياسي، وإذا كان هناك من جانب قضائي وقانوني ودستوري فهو يتعلق برفض الرئيس تنفيذ طلب للمعارضة بإقالة النائب العام الحالي وهو يمثل عدوانا على الدستور، وليس العكس.
هي أزمة سياسية من أولها إلى آخرها، إذ النائب العام الجديد جاء ليعمل القانون على مخالفات ووقائع فساد وجرائم، كان النائب العام السابق قد أحجم عن التصدي لها خلال زمن مبارك وما بعد الثورة أيضا، وهو ما يجعل كثيرا من المضارين يقفون الآن ضد النائب العام الحالي ويطلبون إقالته، ويسعون بكل الطرق لتعويق خطواته بمثل هذا الحديث عن عدم مشروعية قراراته باعتبار تعيينه باطلا من الأصل. وهي أزمة سياسية، حيث القوى المطالبة بإقالة النائب العام، هي قوى معارضة للحكم الراهن، ولا يمكن الفصل بين موقفها المطالب باستقالة الرئيس أو إسقاطه – وعند البعض المطالبة بإجراء انتخابات مبكرة- وبين موقفها المطالب بإقالة النائب العام الحالي، وهي ذاتها التي طالبت بحل مجلس الشعب السابق وحل مجلس الشورى الحالي. وهي أزمة سياسية أيضا، إذ النائب العام صار يتحرك لمواجهة الكثير من حالات الخروج على القانون ضمن إطار ما سماه الرئيس المصري بأن أجهزة الدولة تقوى وتتعافى، وقد كان لافتا أن تحرك النائب العام لمواجهة التحريض على استخدام العنف في الشوارع -وهو ما جاء تصعيدا لخطواته الأولى بمواجهة مرتكبي جرائم العنف والتخريب – وفي ذات الإطار جرى استدعاء إعلاميين للتحقيق معهم بتهم ازدراء الأديان والخروج على الآداب العامة للمجتمع، بما طرح البعد السياسي لأزمة النائب العام من أوسع الأبواب .
غير أن البعد السياسي يظهر أكثر وضوحا، في أن إقالة النائب العام السابق كانت موضعا لمطالبات المظاهرات الثورية خلال ثورة يناير وبعدها – وهي كانت مطالبات سياسية ثورية ولم تكن مطالبات قانونية- وأن كثيرا من هؤلاء الذين طالبوا بالأمس بإقالة النائب العام السابق، هم أنفسهم من عادوا ليطالبوا بعودته مرة أخرى، ولأسباب سياسية لا قانونية ولا قضائية. هنا يظهر أن حكاية النائب العام والأزمة حول وجود الحالي والسابق ودور كليهما والموقف منه هو أمر سياسي ولا علاقة له بقضايا القانون والقضاء وأحكامه. وأن ما هو مطلوب من الدكتور مرسي ليس إعمال القانون وإنفاذ الدستور، بل اختراق القانون والعصف بنصوص الدستور، لتحقيق أهداف سياسية للمعارضة. وأن الدكتور مرسي هو من يتمسك بالقانون والدستور وليس العكس، وأن مضمون وجوهر مطالبة المعارضة بإقالة النائب العام - رغم العلم الكامل بأن الإقالة تمثل اختراقا للدستور - هو أمر يتعلق بمحاولة اختراق للدستور امتدادا لذات الموقف السابق الرافض للدستور.
أزمة النائب العام لا تكشف اختراقا للقانون والدستور وعدم إنفاذ أحكام القضاء من قبل الرئيس، بل تكشف كيف تستخدم بعض أطراف المعارضة المصرية قضية النائب العام لأهداف وأسباب سياسية. أما إذا صدر حكم قضائي نهائي بات بعودة النائب العام السابق، فالأزمة لن تكون قضائية بالدرجة الأولى أيضا، بل ستكون أزمة سياسية بامتياز، إذ العائد هو النائب العام الذي عينه مبارك!
نقلا عن الشرق القطرية
قضية النائب العام.. من تكشف؟ - بقلم : طلعت رميح
قسم الأخبار
Mon, 08 Apr 2013 06:56:00 GMT
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى