المحامي نجاد البرعي هو واحد من أشهر الحقوقيين في مصر، يعمل مكتبه "المجموعة المتحدة" للإستشارات على تقديم المساندة القانونية لضحايا التعذيب. DW أجرت الحوار التالي مع البرعي حول المشهد الحقوق والسياسي الحالي في مصر.
المحامي نجاد البرعي هو واحد من أشهر الحقوقيين في مصر، يعمل مكتبه "المجموعة المتحدة" على تقديم المساندة القانونية لضحايا التعذيب. DW أجرت الحوار التالي مع الحقوقي المصري حول المشهد السياسي والحقوق الحالي في مصر.
DW عربية: نبدأ بالجدل الشائع، كيف تصنف ما حدث في مصر بين 30 يونيو و3 يوليو، هل هو ثورة أم انقلاب؟
نجاد البرعي: القطع بأنها ثورة أو انقلاب يذكرني بمحنة (الإختلاف حول) خلق القرآن وإن كان (وعما إذا كان) القرآن مخلوقاً أو أزلياً، مشكلة فلسفية ليس لها صلة بمعطيات واقعنا. توصيف ما حدث قد يكون مفيداً في التعامل القضائي أو التاريخي مع الموضوع أما في السياسة فهناك أمر واقع. المشكلة أن ما حدث يحتوي على ملامح من الثورة وملامح من الانقلاب، ولكن ما يمكن الجزم به هو أن هناك ثورة حقيقية تحدث في الشارع منذ أن أصدر (الرئيس المصري المعزول) محمد مرسي إعلانه الدستوري المكمل. مرسي كان قد سقط عندما رفض القضاء والداخلية التعامل معه. كما استبعد سائر القوى السياسية والوطنية من مشهد الحكم في مصر ودخل في نزاع مع جميع قطاعات المجتمع، بمن فيها القطاعات الإسلامية، مثل الأزهر وحزب النور. هنا سقط مرسي. ولو كان قد استمر عاما آخر كان سيصبح ميتاً يمشي على قدمين. كل ما فعله الجيش هو أنه حرر له شهادة وفاة.
ولكن لو كان الجيش أنتظر قليلاً ألم يكن الملمح الشعبي لما حدث في 30 يونيو سيصبح أوضح؟
أعتقد هذا، ولكن عندما أقول هذا يواجهني رأي آخر يقول إنه في نفس الوقت كانت هناك تجمعات موالية لمرسي، في رابعة العدوية وفي غيرها، ولو كان الأمر استمر بدون تدخل الجيش كان سينتج عنه التحام المتظاهرين مما سينتج عنه آلاف القتلى.
هناك مشكلة تتعلق بالديمقراطية، فغالبية من نزلوا إلى الشوارع في 30 يونيو كانوا يهتفون للجيش.
نعم، عندما تظاهرت الجماهير بعد الإعلان الدستوري المكمل، اكتشفت أنه لن يمكنها فعل شيء وحدها، وهذا ما حدث في ثورة يناير 2011. لو لم يتدخل الجيش ويدفع مبارك للاستقالة ربما لم يكن ليستقيل. الناس كانوا مدركين أن مبارك لم يترك الحكم إلا بعد أن قرر الجيش رفع حمايته عنه. وهناك أمر آخر: ربما يكون هناك شيء في الشخصية المصرية محب فعلا للجيش. في التاريخ المصري القديم تُذكر المعابد بجانب حروب أحمس ومينا ورمسيس. ثم إن المصريين كانوا يستحضرون السيناريو السوري بقوة، وفي أذهانهم أن انقسام الجيش معناه ضياع البلد، لذا فقد كانوا حريصين على عدم انقسام الجيش وتقديم الحد الأقصى من الدعم له. الشيء الآخر هو أن الإخوان انتهكوا البلد بالفعل. لم يكن هناك أي أمل في نجاح الديمقراطية التي يقدمونها. وبالتالي فقد كان الناس مستعدين للتعاون مع أي حد مقابل تخليصهم منهم، لدرجة أنه تم إعادة الاعتبار لحسني مبارك في هذه العملية.
ما حدث في 30 يونيون "يحتوي على ملامح من الثورة وملامح من الانقلاب"
ولكن العنف الذي أعقب ما حدث في 30 يونيو كان غير مسبوق
صحيح، هذه مشكلة تتعلق بعدة قضايا. الشرطة كانت تحارب معركة حياة أو موت. بعد انكسارها في 28 يناير 2011 لم يكن لديها استعداد لتكرار السيناريو. وهناك المجتمع الذي كان أيام مرسي مجتمعاً مكبوتاً يريد الانتقال إلى حالة الحرية، أما الآن فهو مجتمع ملّ من الحرية ويريد العودة للانضباط. بعد الثورة الفرنسية أتى الفرنسيون بنابليون ليحكمهم. وفكرة انتهاكات حقوق الإنسان لم تتغير سواء في عهد مبارك أو عهد مرسي أو الآن، وعندما تقارن حالات التعذيب في عام حكم مرسي بعام من حكم مبارك تجد أن المعدل أيام مرسي أعلى نسبياً. الطريف أن من كان يقوم بالتعذيب أيام مرسي هو وزير الداخلية الحالي محمد إبراهيم. المشكلة في مصر أن حقوق الإنسان لا تلقى احتراماً كبيراً وهذا مفهوم قياساً على أن الناس ترى أن من أوصل الإخوان المسلمين للحكم هم الحقوقيون. هذا قيل لي مباشرة. بالطبع المجتمع سوف يفيق عندما تتزايد الانتهاكات، ولكن هذا قد يستغرق بعض الوقت.
ولكن العداء للأجانب، وللمنظمات الممولة من الخارج يتزايد فقط في حالة تحكم الجيش في البلاد.
المشكلة أن العسكر بطبيعتهم يخشون الغرباء والأجانب. هم مدربون على القتال ضد الأجانب. لا يجوز أن يكون هناك ضابط جيش ديمقراطي في نفس الوقت، لأن الحروب تستلزم الطاعة وليس النقاش. بالإضافة إلى أنه كل ما زادت النزعة التسلطية تزداد نغمة الاستعلاء على الأجانب.
هذا يعني أن النزعة السلطوية موجودة الآن أكثر؟
إذا استمر الوضع على ما هو عليه فقد يزيد التسلط. أملي الوحيد أن تكون النخب التي اختارت المشاركة قادرة على ضبط إيقاع الحياة السياسية. الجيش هذه المرة شريك قوي، ولكنه ليس الوحيد. الفريق عبد الفتاح السيسي هو أكثر من يعلن رغبته في الاختفاء من الصورة، وهو يضع الرئيس المؤقت عدلي منصور في الواجهة. هذا لا يعني أن دور الجيش سيختفي إذا ما اتجهت مصر نحو الديمقراطية. الجيش سيظل شريكاً مهماً في الحياة السياسية ولكنه لن يلعب وحده. السؤال الآن: هل ستكون النخب قادرة على ضبط الحياة السياسية؟ لو حدث هذا فهذا يعني أن الوضع مطمئن ولو لم يحدث فهذا يعني أننا نسير في طريق أشبه بطريق النازية.
البعض يدفع بأن هذه الوجوه أقرب لواجهة مدنية للحكم العسكري
هذا سيتوقف على مدى الدعم الذي سيحظون به. لو شعر أحدهم بأن الناس تقف وراءه فهذا سيجعله أكثر قوة. أنا أقدر موقف (محمد البرادعي)، ولو كنت مكانه لربما كنت قد تصرفت مثله، ولكن أولا أنا لم أطرح نفسي مثلا كزعيم سياسي، وثانيا، ربما لو كان استمر لكان قد نجح في ضبط إيقاع الحياة السياسية. الآن مصر، حقيقة لا مجازاً، في مفترق الطرق.
وما الذي يمكن عمله الآن على الصعيد الحقوقي؟
الحقوقيون سيظلون دائما محل غضب، لأن ما يطالبون به يتجاوز طاقة المجتمع. لن نتحدث عن التعذيب، لنتحدث عن الختان. الناس، بمن فيهم الإناث في الريف، يشعرون بالغضب ضد من يخبرهم أن ختان الإناث أمر غير مرغوب. ولكن ما اعتقد أنه مطلوب من الحقوقيين شيئان لم يفعلوهما؛ الأول أن يبدأوا في التحضير لعملية مصالحة كبرى داخل المجتمع تشمل الجميع. هم أكثر الناس قدرة على هذا لكونهم لا يرغبون في منصب سياسي، وأنهم بطبيعتهم يبحثون عن الحد الأدنى من احترام حقوق الإنسان. الأمر الثاني هو الخروج من خندق رد الفعل. بعد 30 يونيو انقسم الحقوقيون إلى قسمين، قسم قال إنها ثورة وقسم قال إنها انقلاب. عليهم الخروج من هذا الجدل العقيم والبحث عن كيفية رصد الانتهاكات رصداً شاملاً. خاصة أن غياب الدور الحقيقي في رصد الانتهاكات يدفع جميع الأطراف للتهويل من عدد ضحاياهم. الحقوقيون للأسف انشغلوا بالمسار السياسي ونسوا القيام بواجبهم.
وأنتم في "المجموعة المتحدة" ما الذي قمتم بفعله في هذا الصدد؟
إنه في نفس الوقت كانت هناك تجمعات موالية لمرسي، في رابعة العدوية وفي غيرها،
نحن هنا نقدم خدمة الدعم القانوني المجاني لمن يتم تعذيبهم. بعد 30 يونيو حدثت حالات من استعمال القسوة أكثر مما يتوقع الناس، نحن نعالج حوالي 200 حالة، منها 120 حالة تمت في سجن الأبعدية بمحافظة دمنهور. يتم ضرب السجناء وإجبارهم على الزحف على الأرض. نقدم بلاغات للنيابة. الداخلية تستلم بلاغاتنا ويعدوننا بإبلاغنا بنتائج التحقيقات ولكن لا نتائج تصلنا. أما بالنسبة للصحفيين فنحن نقدم المساندة القانونية لأكثر من 150 حالة من الإعلاميين الذين تم استدعاؤهم في أيام مرسي. في الأيام السابقة قدمنا الدعم القانوني لمدير مكتب الجزيرة وحضرنا معه التحقيق وكتبنا مذكرة.
ولكن إذا لم تكن الداخلية تبلغكم بنتائج التحقيقات، فهل فكرتم في طريقة أخرى تجعل حركتكم أكثر فعالية؟
القضاء ما زال يعمل. وهناك عشرة ضباط أحيلوا للمحاكمة بسبب مجهودنا. أرسلنا هذه الأيام سبعين بلاغا للواء أبو بكر عبد الكريم مساعد وزير الداخلية لشئون التواصل المجتمعي وأخبرني أنه سيتم التحقيق فيها، ولكن هذا سيستغرق وقتاً بسبب ضخامة حكم البلاغات ولكون الحالات حدثت في محافظات متفرقة.
هل أنت متفائل بأن العمل الحقوقي بإمكانه النجاح في ظل عدم تعاون الداخلية؟
الداخلية تحتاج أحياناً لتقديم كباش فداء، ضابط أطلق النار مثلا بدون أن يتلقى أوامر بهذا، يحتاجون لتقديمه للمحاكمة. المشكلة أن هذه سياسة جزئية وليست شاملة. لابد من وجود سياسة مستمرة وثابتة لمنع التعذيب المنهجي. تم تقديم اقتراحات بوضع كاميرات في أقسام الشرطة لمنع التعذيب. أو التحقيق مع المتهمين بحضور محامين أو أشخاص من المجلس القومي لحقوق الإنسان. قدمنا مقترحات بأقسام يتم تصميمها بحيث يمكن رؤية ما يحدث بداخلها. ولكن قيل لنا أنه ليست هناك ميزانية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى