سلامة عبد الحميد
لم تكن الثورة المصرية أبداً ثورة المصريين وحدهم، بل كانت ثورة كلّ الشعوب العربية المقهورة، المحكومة بالنار والحديد، والمنهوبة بأيدي عصابات الفساد العائلية، وجماعات المصالح المدعومة خارجياً.
هتف كل أحرار العرب معنا عندما هتفنا بسقوط الطاغية مبارك في ميدان التحرير، وهلّلوا جميعاً معنا عندما أسقطناه، أو ظننا أننا أسقطناه.
كان كل عربي يهتف معنا محاولاً التعبير عن صوت مكتوم بداخله، لا يمكنه الصراخ به عالياً في فضاء بلده المكبّل بالمخابرات والأمن والعائلة الحاكمة والعسس أو "العصافير" أو "الدبابيس"، والبلطجية والشبيحة أو البلاطجة.
عندما خسرت الثورة المصرية جولة في انقلاب الثالث من يوليو العسكري، خسر كل أحرار العرب حلماً كان يبدو ماثلاً، وأملاً كان يدنو منهم جميعاً بالتحرر ووقف الفساد والتبعية والخروج من قمقم الحاكم المقدس، نصف الإله، إلى رحابة الديموقراطية والحاكم الموظّف لدى الشعب.
صدمات كثيرة متتالية عاشها أحرار العرب بسبب العقبات التي واجهت الثورة المصرية، ولازالوا يعيشون صدمات جديدة، بعضها بسبب ضياع حلمهم، وبعضها الآخر بسبب تدخل حكام دولهم الصريح بهدف إفساد حلم الربيع العربي من أساسه.
من اليمن، كانت مرارة الثوار تجاه ما يجري في مصر واضحة، وكتب الثائر والمثقف اليمني محمد العمراني تعليقاً معبّراً عن حوار عبد الفتاح السيسي الأخير مع لميس الحديدي وإبراهيم عيسى، أنقله لكم كاملاً، وبعضاً من التعليقات عليه.
كتب العمراني: "أتذكر تماماً كمّ الفخر الذي بدا على وجهَي يسري فودة ومنى الشاذلي وهما يقدمان للمناظرة الشهيرة بين مرشّحَي الرئاسة المصرية حينها أبي الفتوح وعمرو موسى. الشجاعة والكبرياء، والتحكم الكامل بالبرنامج ونوعية الأسئلة وطريقة المرشحين في الجواب، كانت كلها تحكي عن مصر أخرى تولد، مصر بلا فرعون ولا قوم فاسقين.
التعليمات صارمة، الجلوس على الكراسي بالقرعة بين المرشحين والزمن يعد بالثواني، إنها 25 يناير، ولها طريقتها المجيدة في النزال والمنافسة والحكم والقضاء. كانت تلك اللحظة في نظري أعظم هرم صنعه المصريون خلال ما يربو على سبعة آلاف عام.
كتب حينها أحد الشباب الخليجيين، أظنه من السعودية، "خذوا كل آبار النفط وامنحوني الحبر الذي يزين إصبع مصريّ حرّ يقرر من يحكمه".
دار الزمن دورته وعاد كهيئته الأولى، وعادت مصر العظيمة كما لو أنها استفاقت من حلم جميل، كما لو أن شبابها شاخوا في عام واحد، كما لو أنها استحمت مرة واحدة في النيل الأزرق ثم غادرها النيل أبداً.
عادت "خطب الدكتاتور الموزونة"، وعاد النشيد "سأختار شعبي سياجاً لمملكتي ورصيفاً لدربي".
اليوم قلت لصديقي، وهو يقلب القنوات، وجاء حديث مصر "انتظر قليلاً سنتابع الأخبار من مصر"، قال لي "وماذا تتوقع من مصر؟" ثم مضى يبحث عن أخبار بلا زيف.
أنا حزين على مصر. كانت تقودنا نحو الفضاء وتلملم شبابيك الأمل، وهاهي تذوي في حضن النكسة من جديد، في انتظار صهيل أخير يردّ الذباب عن صحون العسل.
"يا حارسي الكروم" متى ينضج العنب؟، يا مصر الذاهبة في العدم، الموغلة في الظلام، المصرة على الهلاك، نحن في انتظار الإياب، وعسى أن يكون قريباً.
سلام على مصر حين يعود لها الكبرياء، وحين يغرق فرعونها وحين تعتنق الحرية".
انتهى كلام الصديق محمد العمراني ولم تنتهِ المرارة، انتهى تعبيره عن لوعته ولم تتوقف لوعة العرب جميعاً تجاه ما وصلت إليه الأمور في مصر، مصر التي كانت الشقيقة الكبرى وبلد العلم والثقافة ونبض العرب، بات هناك في الجوار لها شقيقة كبرى، وبات حاكم تلك الشقيقة، الذي يحكم شعبه الشقيق على حدّ قوله، كبير العرب وفق قول المرشح الرئاسي الذي يربط نفسه بإسم عبد الناصر، وكلاهما ديكتاتور فاشي.
أودّ أن أعود بكم إلى كلام المصريين، لكني لا أستطيع فكاكاً من نقل لوعة الثوار اليمنيين. يقول عمار اليوسفي تعليقاً على حديث صديقه محمد العمراني عن ثورة مصر: "سلام عليها حين تعود لها الحياة من جديد"، بينما يقول صدام العوامي: "قالوا إن مصر أمّ الدنيا، للأسف مصر لم تكن أمّاً لأولادها، تاريخ مصر يتكرر. تصنع فرعوناً وتسجن بريئاً".
بينما كتب فايز رشيد: "الديموقراطية لا يمكن أن تقبل فكراً إسلامياً في الحكم، حدوث ذلك معضلة يجب علاجها باستخدام كل الأساليب القذرة، وعندها تتخلى كل الدول والشخصيات عن المبادئ التي طالما أزعجوا بها العالم، وحينها فقط يجب أن نتأكد أن الإسلام يجب أن يحكم رغماً عن كل معارضيه".
ويزيد ضيف الله الجريم رابطاً بين الحال في مصر والحال في اليمن: "تذكرت الفخر الذي بدا على وجوه كثيرة من شباب اليمن خلال ٣٠ يوماً أو يزيد من انطلاق ثورة الشباب، كانت أعظم إنجاز لليمنيين، ودار الزمان وحلق الذباب واحتوى الأمل وصودر الحلم. يا يمنُ الذاهبة في العدم الموغلة في الظلام المصرّة على الهلاك، نحن في انتظار الإياب وعسى أن يكون قريباً. لقد غبنا في الحالتين".
للتواصل مع الكاتب على تويتر:
@salamah
- See more at: http://www.alaraby.co.uk/society/c7f1bbb9-3497-408e-8552-13a6a5f8584d#sthash.81JAAQ3R.gf7Zb0NZ.dpuf
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى