علي العنزي
منذ سقوط صدام حسين، وحل الجيش العراقي من بريمر عام 2003، واحتلال العراق، لم يهنأ العراق بالاستقرار، بل هناك خوف وخشية منذ البداية لتقسيمه إلى ثلاثة كيانات، شيعي في الجنوب وسني في الغرب وكردي في الشمال، علماً أن من اقترح هذا التقسيم هو نائب الرئيس الأميركي حالياً جوزيف بايدن، عندما كان رئيساً للجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي آنذاك، زاد من هذه المخاوف والقلق الممارسات الطائفية ممَّن نصبتهم الإدارة الأميركية في الحكم وبتعاون وتفاهم إيراني واضح، وعلى رأسهم رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي، الذي تصب كل سياساته وممارساته إلى إذكاء روح الانتقام والإقصاء والتهميش، وخلق واقع سياسي طائفي، وهو ما دفع الطوائف الأخرى إلى الاتجاه الآخر، ولا سيما الطائفة السنية التي شعرت بالغبن والتهميش والإقصاء والانتقام منها، عبر تحميلها تبعات أخطاء النظام السابق، علماً أن الأكراد أصبحوا يتمتعون باستقلالية شبه تامة في اتخاذ القرار وإدارة الكيان الكردي.
واليوم وبعد ثلاثة أعوام على الانسحاب الأميركي من العراق، يعود هذا البلد إلى نقطة الصفر، من الصراع وعدم الاستقرار والحرب الأهلية، فبعد سيطرة تنظيم دولة الإسلام في العراق والشام (داعش)، على مدينة الفلوجة وأجزاء من محافظة الأنبار قبل ستة أشهر تقريباً، اجتاح مدينة الموصل وسيطر على محافظة نينوى بكاملها، في ظل انهيار كامل للجيش العراقي الموجود في المدينة، أربك حكومة المالكي في بغداد، وأثار قلقاً إقليمياً ودولياً، بسبب سيطرته السريعة على مدينة الموصل، وبقية مدن محافظة نينوى، وخلط الأوراق في العراق والمنطقة.
لا شك أن تنظيم دولة الإسلام في العراق والشام هو تنظيم إرهابي، لكن في الجانب الآخر الممارسات التي انتهجها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي تجاه الطائفة السنية، كان لها الأثر البالغ في وصول العراق إلى هذه المرحلة الحرجة التي تشهد المزيد من التمزق والتفكك، يدلل عليها الانهيار الذي حصل في الجيش العراقي الموجود في مدينة الموصل، واستسلامه بهذه الطريقة وترك أسلحته من دون قتال، لهو دليل قاطع على عدم امتثاله لقرارات الحكومة في بغداد، والسخط على حكومة المالكي الطائفية.
الجميع يسأل عن هذا التنظيم الذي برز فجأة في سورية والعراق، ما هي «داعش؟» ومن أين أتت؟ ومن المستفيد منها؟ ومن المتسبب فيها؟ لذلك بين موقع قناة الـBBC العربية، أن «داعش» تكونت بهذا الاسم عام 2013، وهي امتداد لتنظيم القاعدة في العراق، ما لبثت أن تمردت على التنظيم، إثر خلافات معه، وأصبحت من أقوى الجماعات الجهادية الرئيسة في سورية، ومحققة مكاسب كثيرة على الأرضين السورية والعراقية، فقد سيطرت على محافظة الرقة في سورية وتديرها، وتزداد قوتها في محافظة دير الزور يوماً بعد يوم، إضافة إلى ما تحققه في العراق، ويقول الخبراء في هذه المجال، إنها تملك آلاف المقاتلين ومن بينهم الكثير من الجهاديين الأجانب، متفوقة على بقية التنظيمات الجهادية في العراق وسورية، بل يمكن أن تكون هي المسيطر الوحيد من التنظيمات الجهادية في العراق، ويقودها أبو بكر البغدادي، الذي لا تتوافر معلومات دقيقة عنه، ولم يشاهد أو تُعرف هويته بشكل دقيق، سوى أنه من مواليد العراق، عام 1971، وانضم إلى المعارضة المسلحة التي اندلعت في العراق بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003.
بالنسبة إلى العراق، فمنذ الانسحاب الأميركي، ازداد العنف فيه بشكل ملحوظ، إذ تقول تقارير الأمم المتحدة إن نحو 8860 شخصاً قُتلوا في العراق عام 2013، وهو الرقم الأكبر للقتلى منذ وصول العنف الطائفي إلى ذروته بين عامي 2006 و2008 في البلاد. وقتل حتى الآن هذا العام أكثر من 4700 شخص في هجمات عنيفة، كان نصيب محافظة الأنبار الجزء الأكبر منها، وخرجت قطاعات واسعة من غرب العراق وشماله عن سيطرة الدولة، والخلاف بين حكومة المالكي والأقلية المسلمة السنية، يزداد ويتطور، بسبب احتكاره للسلطة، واستهدافه لهم من خلال حملات الاعتقال الواسعة باسم مواجهة الإرهاب واجتثاث البعث.
إن سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام على محافظة نينوى، تتحملها سياسات المالكي بالدرجة الأولى، لكن هذه السيطرة أرسلت إشارة إنذار بأن العراق بدأت تدب فيه الفوضى وعدم الاستقرار، وفي اتجاهه إلى التمزق إلى كيانات طائفية، وهو ما يعيد لنا ذاكرة الفوضى الخلاقة التي تحدثت عنها وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندليزا رايس، إذ تعد مدينة الموصل ثاني أكبر مدن العراق، وهي مركز لإنتاج النفط، وكذلك الأسمنت والسكر والمنسوجات، كما تعد مركزاً تجارياً رئيساً بالقرب من سورية وتركيا، وهو ما يجعلها نقطة وصل بين هذه الجهات الثلاث، ولذلك تزداد أهميتها، بشكل يجعل تركيا والولايات المتحدة الأميركية، تزداد قلقاً بسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، ولاسيما بعد اختطاف القنصل التركي وبقية أعضاء القنصلية، ويعيد خلط الأوراق بين مختلف القوى السياسية في العراق، من الأكراد إلى الحكومة المركزية في بغداد، فالمالكي ورئيس البرلمان يطلبان دعم قوات الأكراد (البشمركة)، لكن الأكراد مترددون، علماً أن كركوك ستكون مهددة، وسيطلبون ثمن هذا التدخل، لذلك يبدو أن المسألة ستطول وستكون معالجتها باهظة الثمن. إن ما يجري في العراق وسورية واليمن وليبيا، من فوضى واقتتال، يظهر لنا أن المنطقة تمر بأزمة عميقة جداً، أذكتها التدخلات الإقليمية والدولية، وغياب الرؤية الموحدة لها، لذلك لا بد من معالجة الأوضاع بشكل يساعدها على الاستقرار، لكن المؤشرات والدلائل تظهر أن من الممكن أن يستفيد المالكي مما يحصل؛ لأنه يريد أن يُظهر للعالم أنه يحارب الإرهاب، في الأنبار ونينوى، وكذلك يريد أن يبسط سيطرته الكاملة على غرب العراق من خلال تصوير أن المنطقة تحت سيطرة الإرهاب، ولاسيما في هذه المرحلة التي لم يستطع أن يضمن غالبية مريحة في البرلمان لتوليه رئاسة الوزراء.
لكن يبقى السؤال هو: من جلب الإرهاب للعراق للمنطقة؟ يبدو أن الدلائل تشير إلى أن الاحتلال الأميركي أولاً، والسياسات والممارسات التي ينتهجها نوري الملكي ثانياً، وأصبحت سياساته رافعة وداعمة لتقوية الإرهاب.
الحياة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى