مطعم سبارو في القدس المحتلة
لم يكن الاستشهادي عز الدين المصري رجلا عاديا، بل كان أمنيا من الطراز الأول منذ نعومة أظافره، فالملكة الأمنية تجلت فيه في ظل اشتداد العمل الاستخباري الصهيوني، حيث برزت ذروة فراسته في اللحظات الأخيرة قبل تنفيذ عمليته الفدائية، والتي دفعت مخابرات الاحتلال للاعتراف بقدرته الأمنية العالية في التخفي والتمويه.
انتمى الشهيد المصري لحركة حماس بطريقة سرية، ومن ثم التحق بجناحها العسكري كتائب الشهيد عز الدين القسام، وكان لصفاته هذه دافعا ليكون في مقدمة المرشحين لتنفيذ عملية فدائية.
فقد عرف عن الشهيد المجاهد سكونه وهدوءه الدائم، فكانت أسراره حبيسة صدره لا يخرجها من طرف صدره الأيمن للأيسر، ما جعله في دائرته المحيطة محل ثقة وفي عيون قادة العمل العسكري الفلسطيني عملة نادرة لا يمكن الحصول عليها بسهولة.
عُرف عن عز الدين بعلاقته الوثيقة مع أهل مدينته "جنين" وحبه لهم واهتمامه بهم إلا أنه لم يكن ليشعر أحد أو ممن يختلط بهم بأنه انضم للمقاومة العسكرية.
ومع اشتعال الانتفاضة الأخيرة وتصاعد لهيبها ضد المحتل، سقط الكثير من محبي عز الدين بين شهيد وجريح وأسير، ومع وكل حدث تحمله الانتفاضة يزيد عز الدين إصرارا على الوفاء لدماء الشهداء وآهات الثكالى والجرحى، ووتعالى في قلبه فكرة الدفاع عن أبناء شعبه بسبب القتل والتشريد الممارس بشكل منظم.
وعي أمني
وفي ظل العمل الاستخباري المتواصل للاحتلال قبل انتفاضة الأقصى وخلالها كان للشهيد جولات مع مخابرات الاحتلال التي حاولت ابتزازه بأهله ومدخل العائلة وأن يعمل لصالحها.
وخلال العام 1999 أرسلت المخابرات له كتاب تبليغ للمقابلة في معسكر سالم القريب من جنين، فتوجه للمقابلة بثقة واطمئنان ووعي كامل حيث قابل ضابط المخابرات الذي استخدم معه أسلوب التهديد والوعيد واتهمه بالانتماء لحركة حماس دون إبداء أية أدلة حقيقية.
وقد مكنت الثقة التي يتمتع بها عز الدين من مواجهة رجل المخابرات بثبات ورفض الابتزاز الترهيب والترغيب الذي مورس ضده طيلة 12 ساعات متواصلة من الانتظار والتحقيق.
وخلال التحقيق كان الاتهام واضحا له بأنه عضو في حركة حماس ويقوم بنشاطات معادية للكيان، فما كان منه إلا أن أنكر ذلك بثقة كبيرة، وبدأت عمليات الترهيب والترغيب، ولكن البطل الحر لم يأبه بذلك أبدا.
وبعد رفضه للتهديد والوعيد تعرض لجولات أخرى من الترغيب، فقدمت أمامه الإغراءات والوعود بزيادة دخله الشهري وتمكينه من فتح محل خاص به، إلا أن ذلك لم يغير من مواقفه الراسخة والتي تمثلت في قوله: "والله لو أعطيتني مال الدنيا كله على أن أتعامل معكم، ما فعلت وما حلمتم بذلك أبداً، فافعلوا ما شئتم فلن أكون خائنا لديني وأمتي أبدا بإذن الله تعالى ".
وبعد مدة ليست ببعيدة تم تجنيد الشهيد عز الدين المصري في صفوف كتائب القسام على يد القائد في الكتائب المهندس قيس عدوان "أبو جبل"، وبدأ العمل بسرية تامة، وقد تم تجهيزه لتنفيذ عمليه استشهادية كبيرة في دولة الاحتلال.
وبالفعل تم إعداد عز الدين جيدا وتوجه بعد ظهر يوم الثلاثاء 9/8/2001 بمساعدة الأسيرة المحررة بصفقة وفاء الأحرار أحلام التميمي – التي كانت تقضي حكما بالجسن 16 مؤبداً- إلى مطعم "سبارو" في شارع يافا بالقدس المحتلة حيث كان مزدحما وقت الغذاء.
يوم التفجير
وفي صورة أمنية يروي أحد الشهود في يوم تنفيذ العملية عن هدوء وطمأنينة الشهيد المصري حيث يقول :"من بين الذين كان يتدافعون لدخول المطعم كان هناك شاب يرتدي "تي شيرت" أبيض اللون وبدلة رياضية غامقة، وكان يضع حول وسطه محفظة مثل أكياس الكاميرات".
ويضيف الشاهد الإسرائيي "وحين دخل المطعم بدأ ينظر إلى قائمة الطعام المضيئة والمعلقة على الحائط وعلى الألواح الرخامية الحمراء والخضراء والبيضاء، كما لو أنه يستكشف المنطقة المحيطة به لكن دون أن يشعر به أحد".
وتابع "ثم سأل الشاب موظف المطعم كم يستغرق الوقت لإعداد طبق من الاسباجيتي (المعكرونة) لأخذه خارج المطعم، وبينما كان الموظف يرد فيه على سؤاله مد الشاب الفلسطيني يده داخل محفظته وفجر نفسه" ليرتقي شهيدا بإذن الله، وأدت العملية إلى مقتل 20 إسرائيليا وإصابة 100 آخرين.
ذكرى تفجير "سبارو" الأول في القدس.. عملية عز الدين المصري
هيئة التحرير
Sat, 09 Aug 2014 18:48:13 GMT
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى