الدوحة – «القدس العربي»: العدوان الأخير الذي شنته الآلة الحربية الإسرائيلية على غزة واستمر لأكثر من شهر، بالرغم مما خلفه من فاتورة باهظة في الأرواح والضحايا والممتلكات في القطاع، فشل في تحقيق أهدافه المحددة، وجعل المقاومة تخرج من هذه الأزمة منتصرة سياسيا واستراتيجيا وإعلاميا. وقادت الحرب الأخيرة الموقف الفلسطيني إلى أن يكون موحدا إزاء مطالبها التي أكدت عليها وجعلتها شرطا مسبقا لأي تهدئة معلنة عدم القبول بأي تفاوض غير هذا السقف المحدد.
لم يعد الحديث يدور حاليا عن وقف للقتال من جانب المقاومة التي حققت اختراقا عسكريا كبيرا للمنظومة الحربية الإسرائيلية وبددت الكثير من المسلمات التي كان يتغنى بها، ونقلت الرعب إلى داخل أراضيه المحتلة، وجعلت سكانه يعيشون لأوقات مطولة في الملاجئ، وكثيرون منهم يفكرون في الرحيل، ما أنتج حالة من اليأس تحولت إلى غضب من سياسات نتنياهو. الإنتصارات الرمزية التي حققتها المقاومة في مواجهتها التي صمدت فيها مطولا أمام ترسانة العدو، وتجاوزت خطوط الدفاع الإسرائيلي في تكتيكات متقدمة يُكشف عنها لأول مرة، عززت من موقفها التفاوضي الذي أعلنت عنه مؤخرا وهو أن لا وقف للهجمات ما لم يعلن عن الموافقة على كافة شروطها وأهمها فتح المعابر وفك الحصار وبناء ميناء غزة الدولية.
تشير قراءة محللين استراتيجيين في تصريحات خاصة لـ«القدس العربي» إلى أن «المجابهة الأخيرة تعد فشلاً ذريعاً للعدو الصهيوني، وتعمل لجان التحقيق التي شكلها على تحديد أوجه القصور في الأداء وأسبابه، مقابل نجاحات لحماس والمقاومة التي ظلت متمسكة بشروطها، وذهبت لمؤتمر القاهرة على أساسها، وبهذا فإن هذه الشروط في حد ذاتها قد أصبحت جدول الأعمال الذي تتم عليها المفاوضات. ويؤكد الدكتور عبد الوهاب القصاب الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات إلى أن «المجابهة الأخيرة برغم فداحة الخسائر المادية التي تمخضت عنها، أصبحت واحدة من الملاحم التي سيقف عندها العلم العسكري كدرس في الحرب اللا متناظرة التي خاضتها المقاومة وفق شروطها وتخطيطها، وهي في الوقت نفسه ستظل درساً في عدوانية الإسرائيليين باستهدافهم المدنيين والأطفال، على أثر عدوان شنه على أسس واهية حيث بتحميل حماس والفصائل مسؤولية اختطاف وقتل المستوطنين الصهاينة الثلاثة رغم أن حماس بينت وبوضوح أنها لا علاقة لها بالحادث تماما كما الآخرين». ويضيف القصاب الذي يشرف على برامج استراتيجية في مركز الأبحاث الذي يتخذ من الدوحة مقرا له، أن لهذه الجولة مجموعة من السمات غير المسبوقة في المجابهات السابقة والتي جعلت من الأسلوب الذي قاتلت به حماس طريقة مميزة جمعت بين الحرفية القتالية من جهة، والمعرفة العلمية بفن الحرب ومتطلباته من ناحية أخرى، ومعرفة دقيقة بقدرات العدو.
ويقول الدكتور عبد الوهاب الذي شغل مناصب سابقة في الجيش العراقي أنه جيوبوليتيكيا يعد قطاع غزة شريطا ضيقا من الأرض لا تتجاوز مساحته 360 كيلومترا مربعا، ولا يتجاوز طوله 41 كيلومترا، ويتراوح عرضه بين 12 كيلومترا يطل القطاع بكامله على البحر المتوسط وتمارس إسرائيل حصارا حياتيا على سكانه بحرمانهم من الإتصال بالعالم الخارجي ومن حق الصيد واغلاق الميناء، ناهيك عن منع السلطة الفلسطينية من الاستفادة من مكامن الغاز الواعدة الموجودة ضمن المياه الإقليمية والجرف القاري والمنطقة الاقتصادية للقطاع. وفي تحليله لسير الحرب الأخيرة يشير الباحث أن الطرفين كانا متوجسين من المجابهة عند انطلاقها أول الأمر، فجيش العدو لم يكن تواقاً لمجابهة أخرى تحكمها قوانين الحرب اللا متناظرة (Asymmetric War) تعيد إلى الأذهان مجابهة 2008 التي لم يستطع فيها الحسم وفرض أجندته وشروطه، ولم تكن حماس والفصائل المتحالفة معها لتصدق أن العدو سينفذ التزاماته، لذلك فقد عادت للاستعداد لجولة قادمة لابد من اندلاعها في توقيت سيرى العدو أنه ملائم له. ويشير اللواء ركن بحري المتقاعد من الجيش العراقي في عهد صدام، إلى أن مسعى حماس كان ينصب في تحقيق مباغتة للعدو في نمط الرد الذي خططت ليكون غير متوقع ومن هنا انصب جهدها على تحقيق الخطوات الاستراتيجية التالية، وهي تحقيق المصالحة الوطنية لتوحيد جهد المجابهة للعدو ولتقليل الخسارة الاستراتيجية المتحققة في حالة غياب هذه المصالحة وابتعاد حماس والقطاع عن الخيمة الوطنية الفلسطينية الواحدة.
والتوسع في حفر الأنفاق في اتجاه الأراضي المحتلة، وبما يتجاوز الخطوط الأمامية لتحقيق التواجد خلف خطوط العدو ومباغتته في فعل عسكري تم تحقيقه في هذه المجابهة الأخيرة. ويؤكد الدكتور عبد الوهاب أن تطوير الترسانة الذاتية من الصواريخ ووسائل القتال الأخرى خصوصاً بعد التطورات السلبية التي تعاني منها الساحة من ناحية تدمير الجيش المصري للأنفاق التي تصل القطاع بسيناء والتي تعد الوسيلة الوحيدة للإمداد، جعل من الاعتماد على الذات أمراً لا مناص منه ومباغتة جيش العدو وأفراده بحيث يحرمهم من تحقيق أي اختراق حقيقي بهدف الوصول إلى أهداف ذات أهمية استراتيجية، وهو ما نجحت حماس في تحقيقه. ويشير الباحث المشارك في المركز العربي إلى أن التفاف الجماهير مع المقاومة بالرغم من الخسائر الهائلة كان أمرا رائعاً أفشل نوايا العدو، وفضح وحشيته وعدوانيته أمام الرأي العام العالمي، وهو ما حصل بالفعل إذ لم يستطع أقرب حلفاء إسرائيل الدفاع عن وحشية قصفها للمدنيين والخسائر الهائلة في الأطفال والمدنيين. ويؤكد أن الداخل الإسرائيلي يعاني مما يعانيه الداخل الفلسطيني من الخسائر فضلاً عن الخوف والهلع الذي سيصيبهم مما سيدمر الثقة بقدرة الجيش الإسرائيلي في حماية أمنهم، وهو ما حصل بالضبط بعد رفض بعض المستوطنين العودة إلى مستوطناتهم لعدم شعورهم بالأمن من ناحية، وعدم ثقتهم بقدرة جيشهم على تحقيق أمنهم. ويتحدث القصاب عن الفوز الذي حققته المقاومة ميدانيا بمواجهتها الجيش الإسرائيلي وكبحت جماح تقدمه نحو القطاع، ولم يتمكن من حلّ مشكلة الأنفاق، التي باتت تُشكّل خطرا استراتيجيا، ولأنّ الصواريخ ما زالت تتساقط على العمق الإسرائيلي، رغم العمليات العسكريّة للجيش.
من جانبه يؤكد حسام بدران القيادي في حركة المقاومة الإسلامية حماس في تصريح لـ «القدس العربي» أن الاحتلال حتى آخر تهدئة تم التوصل إليها لم يحقق أيا من أهدفه السياسية والتي كان أعلن عنها أكثر من مرة، وهو لم ينه ظاهرة الصواريخ، والمقاومة تمكنت من إطلاق آخر دفعة منها وصلت عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1948 قبيل دخول التهدئة حيز التنفيذ. وبخصوص محاولة إسرائيل إنهاء ما تسميه «ظاهرة الأنفاق» يشير الناطق باسم حماس إلى أن «إدعاء العدو بتحقيق هدفه من هدم الأنفاق الهجومية فهو أمر مجانب للصواب وهي محاولة لتزييف غير حقيقي حتى يطمئن شعبه، وهو لن يكون بوسعه أن يقدم أية ضمانات لسكان هذه المناطق المحاذية للقطاع، وهناك عدد كبير منهم يرفض العودة إلى مساكنه لأنه لا يملك تأكيدا أو ضمانات بعدم وجود أنفاق جديدة وهي سر من أسرار كتائب الشهيد عز الدين القسام لا يمكن للاحتلال ولا لغيره أن يعرف آلياتها للقضاء عليها». ويضيف: «أن الحديث عن إسقاط حماس أو إضعافها هو حلم للاحتلال، وكذلك الأمر بالنسبة لسلاح المقاومة، فهذه الحرب الإجرامية لم تحقق شيئا للاحتلال وقد قال رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست قال أنه لابد من تشكيل لجان للتحقيق في الأداء السياسي والعسكري ومعرفة من تسبب في هذا الفشل الإسرائيلي في مواجهة حركة حماس». ويشير بدران المقيم في الدوحة إلى أن «موقف حماس قوي كونه نابعا من توافق فلسطيني موحد حول مشروعية المقاومة، والتفاف كل الجماهير حولها، خاصة من أبناء شعبنا في غزة الذين دفعوا ثمنا غاليا من أرواح أبنائهم ونسائهم وبيوتهم، ومع ذلك بقي الشعب الفلسطيني صامدا على حاله، وحماس ما زالت تملك قدرات عسكرية هائلة وقيادتها الموحدة في الميدان، وقيادتها السياسية استطاعت أن توجد حالة من التوافق الوطني الفلسطيني لم تحدث من قبل». ويشير إلى أن حركته «تؤكد قبل أية مفاوضات غير مباشرة على مطالبها التي تستمدها من منطلق قوة لأنها صمدت كثيرا أمام جيش من أقوى الجيوش في المنطقة، واستطاع مقاومو كتائب عز الدين القسام أن يلقنوه دروسا عديدة، وأن يمرغوا أنف قيادته في التراب ولهذا لن نذهب إلى أية مفاوضات من منطلق ضعف وما زال السلاح بأيدينا واستعدادنا لمواصلة المقاومة والمواجهة حتى النهاية». وتتوحد قراءة الخبراء والعسكريين في تحليلهم لنتائج المواجهة الحالية إلى وجود فروق واضحة المعالم بين قدرات الجيش الإسرائيلي في مجال الدفاع والمعلومات الاستخبارية التي اهتزت وضعفت كثيرا، مقابل نضج حماس وقدرتها على تكبيد إسرائيل خسائر كبيرة، وقد باتت أكثر جاهزية في البحث عن أهداف عسكرية لضربها عن طريق عمليات الاقتحام، وإطلاق صواريخ على مركبات عسكرية. وتسبب العدوان الأخير في اضطراب هائل لدى إسرائيل، وأدت الصواريخ التي تنطلق من غزة إلى إطلاق صافرات الإنذار في تل أبيب والقدس وحيفا وبئر السبع، أي في كل المدن الكبرى في إسرائيل، وفي المدن الصغيرة أيضًا، وهي عوامل كفيلة لوحدها أن تعلن انتصار حماس، لكن الحركة تتطلع إلى المزيد من الفوائد الاستراتيجية، بالرغم من أنه يمكن القول على حد وصف الخبراء أنه انطلاقا من هذا العامل فحماس فازت بالفعل، بتحطيم الوهم بأن إبقاء الضغط على الفلسطينيين لن يكون ذو تكلفة على الإسرائيليين، وتأكد الإسرائيليون الآن أن حماس لو لم تكن قادرة على قتلهم، فإنها قادرة على إجبارهم على أن يدفعوا ثمنا باهظًا، كما رفعت انتصاراتها من أسهم القضية الفلسطينية عالميًا، وأكدت على حقيقة أن الفلسطينيين هم المضطهدون وأن الإسرائيليين هم المعتدون، مما يساهم في عزل الكيان سياسيًا والإضرار به من خلال المقاطعة الاقتصادية.
سيلمان حاج إبراهيم
المقاومة تنتصر في حربها مع إسرائيل ولن تتراجع قبل تحقيق مطالبها
alquds
Sat, 09 Aug 2014 21:09:34 GMT
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى