أحداث ماسبيرو
كتبت-إشراق أحمد:
سبع دقائق تتوقف بها أقدام مجدي صابر، لكنها تسوقه إلى المكان باليوم ذاته، التاسع من أكتوبر 2011 أمام مبنى التليفزيون ''ماسبيرو''، لم يتخيل أن اهتمامه بقضايا الأقباط ليس فقط لكونه واحد منهم ستتحول إلى اتحاد يهرول وراء حق 27 شخص سقط قتيلاً ذلك اليوم، يمر الموقف أمام عينيه كأنه الأمس ''بس الاختلاف إن الشارع كان مليان بالدم والجيش كان بيرمم مكان الطلقات ويشيل أثار اللي حصل''، يتأمل المشهد، لا تفارقه المرارة بل تزيد عام تلو الآخر، تحيط به دائرة ''مفيش''، التي تعد أحداث ''ماسبيرو'' الحلقة الأولى بها بعد جمعة غضب 28 يناير 2011 و18 يوما لثورة كانت هي الحلم، الذي سقط على أعتابه دماء، وانسدل منه خيط تلك الدائرة؛ ''مفيش'' حق عاد لأصحابه، جاني، أدلة يعترف بها رغم وجودها، ولا حساب لمحرض.
من الذهول والانزواء عن جميع الناس حتى أسرته بعد أحداث ماسبيرو 2011، إلى مرارة تراود المتحدث باسم اتحاد شباب ماسبيرو، ليس فقط لرؤية قتلى ''وجثث بنشدها من الأرض مش عايزة تطلع..اضربت بالنار والمدرعة عدت عليها''، لكن المصاب لحق ببيته؛ إصابة شقيقه ''وائل'' حتى كاد يفقد حياته كانت كفيلة بتذكير ''صابر'' كل يوم بأن ''الحق لسه مجاش''، ''ادبح واترمي في الزبالة''، لم يكن أخيه من بين المنضمين للمسيرات التي انطلقت من دوران شبرا، بل مشاهدة التليفزيون المصري يذيع أن الأقباط يعتدون على الجيش وسقوط قتلى؛ دفعته للحاق بشقيقه ظنًا منه أن لحقه الأذى، خاصة بعد انقطاع الاتصال بينهما.
من المعادي إلى ميدان عبد المنعم رياض، بالقرب من كورنيش النيل، رأى الشاب الثلاثيني أشخاص بزي مدني يدفعون شاب آخر لقذفه في المياه فيما هو يصرخ ''مبعرفش أعوم''، وحينما اقترب لينهرهم ويدافع عنه قيل له ''ده مسيحي''، فأخذته الحمية والتأكيد أنه مثله، ليتحول الهجوم عليه، وبدلاً من بحثه عن شقيقه ''صابر'' ظل هو من يتفقد الطرقات لإيجاده حتى الخامسة فجرًا ''والدتي وصلت ليا على تليفون واحد صاحبي وقالت لي أخوك دكتور لاقاه في العناية بمعهد ناصر''.
شريان بالرقبة تم قطعة بسلاح أبيض، وكدمات سجلها التقرير الوحيد في أحداث ''ماسبيرو''- على حد قول صابر- الذي تم إعداده عن حالة أخيه.
معايشة الألم في هذا اليوم لعدم أخذ الحق ومحاسبة الجناة المعروفين في نظر المتحدث باسم اتحاد شباب ''ماسبيرو''، فهى القضية الوحيدة حسب قوله ''مفيهاش اللهو الخفي لكن المسألة كانت على عينك يا تاجر''.
''المدرعة'' تظل الصورة الأليمة لـ''صابر'' وللأقباط الذين تواجدوا ذلك اليوم، التفكير بأن ''اللي بيحمي هو اللي بيتقل'' هو ما سبب صدمة، وتلك هي المشكلة الكبرى في نظره، مستشهدًا برؤية البعض في المظاهرات التأبينية التي لحقت بالأحداث، وإبصاره للرهبة والدهشة التي تنتابهم بمجرد رؤية أي مدرعة، معتبرًا أن مرور ثلاثة أعوام لم تغير شيء، فما حظى الأقباط بأية مكاسب ولا حقق عاد، لكنه يصر على قولها بصوت واثق بأن العدالة السماوية ستحقق ذلك ''حق الشهداء مش هنسيبه''.
الصدمة والدماء ظلت تلجم أحمد عبد الله للحديث عن تلك الليلة التي يصفها بأنها ''من أسود ليالي حياتي..وأنا أكيد مكنتش في مصر''، لم تكن رؤية القتلى وحدها الدافعة لذلك، بل تعرضه للموت على يد أشخاص ''عادية'' تحمل السيوف ولا تنتمي لأي شيء على حد تعبيره، فقط تبحث عن ''المسيحيين'' لقتلهم، فلم يدفع عنه سوى إظهار الهوية الشخصية، فنال نصيبه من الضربات، ما كان نزول الشاب العشريني سوى لرؤية الحقيقة بعينه بعد مشاهدة وسمعه لما تتداوله وسائل الإعلام.
كانت كلمات ''رشا مجدي'' مقدمة النشرة الإخبارية في ذلك الوقت بمثابة الشرارة التي ألهبت الحدث، مخالفتها لنمط تقديم الخبر، باستهلاله لرأي، ومن ثم النبأ المغاير للحقيقة بمقتل 3 جنود وإصابة 20 أخرين من قوات الجيش على يد الأقباط.
''تم توجيه اللوم'' هذا ما أعقب الأحداث على حد قول علي مبارك رئيس قناة النيل للأخبار الحالي، معتبرًا أن ما حدث كان نتيجة التسرع في تحرير الأخبار، فضلاً عن غياب المهنية في ذلك الوقت.
العقوبة الإدارية بالمنع من الظهور بعض الوقت لـ''رشا'' وتأخير ترقية إبراهيم الصياد رئيس قطاع الأخبار حينذاك هو ما لاقاه العاملون بالتليفزيون المصري، وهو ما يراه ''مبارك'' أقصى ما يمكن أن يتم.
ثلاثة أعوام على تلك الكلمات التي أذاعها التليفزيون المصري على لسان مقدمة نشرته التي لازالت على قائمة العاملين بـ''ماسبيرو''، رغم عدم ظهورها على قنواته حتى السادس من أكتوبر الحالي في تقديم احتفال الكلية الحربية بنصر ''73''، الأمر الذي استاء له سعيد فايز أحد أعضاء هيئة الدفاع عن أسر الشهداء في قضية أحداث ماسبيرو ''الناس بيتم ترقيتها وحق الشهداء لسه مرجعش'' حسب قوله، مستشهدًا بتعيين ''حمدي بدين'' رئيس الشرطة العسكرية حينها كملحق عسكري في الصين.
المحامي الذي ترك هيئة الدفاع وإن لم يتوقف عن متابعة القضية، وجد أن السبيل بات مُفرغًا بعد قرار المشير محمد حسين طنطاوي بعد قرابة 3 أشهر من الأحداث بإحالة القضية لنيابة أمن الدولة بعد أن كانت المحكمة العسكرية هي الفاصل بها، معتبرًا أن هذا القرار ''كان براءة الجاني في ماسبيرو''، لظهور مشكلة الاختصاص؛ فلم تعد هناك جهة مختصة لمحاكمة العسكريين ''خاصة إن في ناس ماتت بضرب مسدس 9 ملي''، موضحًا أن القضية مقسمة بين جهتين، الأولى تفصل في القتل بالمدرعات، والثانية أمام قاضي التحقيق.
التحفظ كان مصير القضية في فبراير، بعد انسحاب هيئة الدفاع لعدم حضور الـ3 عساكر الذين تم اتهامهم بالقضية جلسة النطق بالحكم ''حضروا كل الجلسات إلا الجلسة دي'' حسب قول ''فايز'' والذي قال إنه تم الحكم بسنتين عليهم لكن ذلك لم ينفذ حتى الآن، وكذلك أمام قاضي التحقيق لعدم وجود أدلة ولمعرفة الفاعل.
سارت هيئة الدفاع في قضية أحداث ''ماسبيرو'' نحو تدويلها، لكن سرعان ما توقفوا لرؤيتهم أن بعض القوى أرادت وضعهم في صراع دولي تستفيد من وراءه ''فمن أجل حق الناس وبلدنا قررنا نتوقف عن الخطوة دي'' حسب ''فايز''.
ومع فتح باب التحقيق في القضية مرة أخرى بحلول الذكرى الثالثة، بعد طلب التظلم الذي قدمه هيئة الدفاع، غير أن ''فايز'' رغم اعتباره أنها محاولة للاستمرار الأمر، لكنه يرى أن ذلك لن يأتي بجديد، خاصة أن المقاطع المصورة هي ذاتها التي تم عرضها من قبل وجاء الرد بعدم الاختصاص المحكمة، فالقاضي المكلف لم يتغير، وهناك خطأ قانوني ''هنبقى بنلف في دايرة لنفس النتيجة''، فلا سبيل في وجهة نظر المحامي سوى عمل لجنة قضائية بها اختصاص للتحقيق مع العسكريين، علها تكون محاولة لإيجاد ثغرة داخل تلك الدائرة المغلقة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى