الباز: لم يكن نظام مبارك يثق فى الجماعة
مبارك
بدا واضحاً فى السنوات الأخيرة من حكم محمد حسنى مبارك الرئيس الأسبق، أن هناك مشكلة فادحة وارتباكاً شديداً فى خطاباته، وظل الأمر لغزاً محيراً.
وتكشف الإعلامية أميمة تمام، زوجة الراحل أسامة الباز، سر هذا الارتباك بقولها إن خطابات مبارك الأخيرة، وتحديداً منذ 2006، كانت إعادة إنتاج للخطابات التى كتبها له أسامة الباز فى سنوات سابقة، فبعد توقف الأخير عن الكتابة لجأ المحيطون بالرئيس الأسبق إلى تعديل الخطابات القديمة وإعادة إنتاجها.
وتتعرض «أميمة» فى هذه الحلقة للروايات المتداولة حول الخلاف بين زوجها الراحل وجمال مبارك، كما تفنّد حقيقة اتهام «الباز» بأنه كان صاحب فكرة التوريث.
أسعد سنوات الباز كانت بين عامى 2000 و2004، هى السنوات التى ضحك فيها من قلبه، وكانت حالته الصحية جيدة، كان شخصية عنيدة جداً، كان يفهمنى من نظرة، لم يكن ثرياً، لكنه كان نظيف اليد، عشنا فى شقة عادية، ولم نكن نحتاج أى شىء من أى أحد، وكان شخصاً غير متكالب على جمع الأموال. ورغم أن جهات كثيرة ودول خليجية قدمت له عروضاً للعمل كمستشار، فإنه كان يرفض، ويرى أن العمل الوطنى هو فى بلاده، وأن العمل فى دولة أخرى كمستشار هو إهانة له.
وأصيب ببعض الاكتئاب، وبحكم قربى منه كنت أعرف أنه متأثر جداً بسبب ذهابه إلى مكتبه دون أن يكون لديه عمل فعلى، لكنه كان مرتبطاً بمكتبه جداً. ونصحته وقتها بكتابة المذكرات، والحقيقة أنه كان قد فكّر فى الأمر عام 2000، عندما طلبت منه دور نشر كبيرة كتابة مذكراته، لكنه كان مشغولاً، وعندما سألته: هل ستكون هناك أى أنواع من الضغوط؟ رد علىّ قائلاً: «سأقول ما يمكن أن يقال، وهناك أشياء لا تهم العامة، والكتاب سأتركه للدبلوماسيين والساسة، وسأضع فيه خبراتى وتجربتى السياسية، بمعنى أنى سأكتب خبراتى وليس مذكراتى»، وبدأ يعد لهذا الموضوع، لكن الثورة قامت فانتظر ثم أصيب بجلطة أثّرت على ذاكرته.
كان يقضى يومه فى المكتب، يستقبل فيه الزوار من المسئولين والوزراء من داخل مصر وخارجها، ثم توقف عن الذهاب إلى المكتب، وبدأ يقضى وقته بين التريض والقراءة، وتحولت حياته للعلاقات الاجتماعية مع المقربين من العائلتين ورياضة المشى والقراءة.
كان للباز العديد من الأصدقاء، منهم مصطفى الفقى، وعمرو موسى، وأحمد ماهر، رحمه الله، والفقى كان من نفس مدرسة التحليل، وكانا متفقين على أن جمال مبارك لا يصلح رئيساً للجمهورية. وكان يلتقى قيادات الإخوان عندما يريدون توصيل شىء، ومنهم عصام العريان. وتحدث الإخوان عن نسبة مشاركتهم فى البرلمان، والبعض كان يرى أن مبارك وافق على احتواء الإخوان، وبالفعل كان هذا جيداً لأن أسامة كان يرى أنه من الصعب فصل جزء من نسيج الشعب. ولم يكن النظام يثق فى الجماعة، والحقيقة أن هذا التوافق كان تحت أعين المخابرات وأجهزة الدولة، وكان واثقاً أنه إذا لم ينصلح المسار سيأتى الإخوان بديلاً لمبارك.
بدأت صحة أسامة الباز تتدهور عام 2010، حيث أصيب بجلطة فى المخ وفى مكان حساس فى الذاكرة. وأثناء مرضه الأول اتصلت برئاسة الجمهورية، وتحديداً اللواء أبوالوفا رشوان وجمال عبدالعزيز، واتصلت بجمال مبارك، ولكن لم أجد منهم أى اهتمام أو أى مبادرة للعلاج خارج مصر كما يفعلون مع أى شخص أعطى بلده الكثير، وكان الرد المعتاد منهم: ألف سلامة على الدكتور. واتصل باسل، الابن الأكبر لأسامة، برئاسة الجمهورية وبمكتب الرئيس، ولم يجد هو الآخر أى اهتمام يُذكر.
وفى العام 2012 تكررت الجلطة مرة ثانية، وكنا فى المنزل وأنا أجلس على بعد 50 متراً منه، وفجأة وجدته يسقط على الأرض فنهضت مسرعة وأمسكت به، وأخذته إلى أقرب مركز طبى فى القاهرة الجديدة، لكن المركز لم يكن مؤهلاً بالشكل الكافى لعلاجه، خاصة أن الجلطة هذه المرة كانت فى مكان أوسع وبشكل أكبر، ونقلته فى اليوم التالى إلى مستشفى كليوباترا بمصر الجديدة، ووُضع فى العناية المركزة بسبب حالته الحرجة، وظل فى المستشفى يوماً واحداً وانتقل إلى «دار الفؤاد»، حيث ظل هناك لفترة طويلة، وأخبرنا الطبيب أن حالته متدهورة وأنه لن يعيش أكثر من عام ويحتاج إلى تمريض معه فى المنزل، وظل فى المستشفى لفترة طويلة ثم انتقل إلى المنزل. كنت أعلم أنها النهاية، وانغلقت حياتى الاجتماعية، حيث كنت أذهب إلى عملى نادراً لانشغالى بمرافقته، وفى آخر أيامه كانت لديه مشكلة فى البلع. وفى شهر أغسطس 2013 مرض جداً وبدأت التغذية عن طريق الأنف وأدركت وقتها أنها النهاية، وفى أول سبتمبر أصيب بأزمة قلبية وانتقل مرة ثانية إلى الرعاية المركزة بدار الفؤاد وفقد الوعى تماماً. والغريب أننى رأيت فى المستشفى أشخاصاً يتجسسون عليه. وقبل الوفاة بساعات أفاق ونظر إلى الموجودين فى الغرفة، ثم نظر إلى مريم وابتسم.
نشر بالوطن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى