رأي القدس
في عالم السينما، يبرر المستفيدون من انتشار الافلام الهابطة انتاجها بالقول «الجمهور عاوز كدة». اما بالنسبة الى الجرائم التي ترتكب في بعض البرامج المحسوبة زورا وبهتانا على مهنة الاعلام، فان التفسير هو «الاجهزة الامنية عاوزة كدة».
يستدعي المراقب هذه المقارنة، فيما تهيمن على الساحة الاعلامية المصرية هذه الايام تفاعلات «فضيحة الصور الفاضحة» للنائب والمخرج خالد يوسف، التي بثها المدعو احمد موسى، وسط غضب عارم ومطالبات واسعة، لن تتحقق، بوقف برنامجه.
فما كانت تلك الصور لتصل الى ذلك الشخص الذي ينطبق عليه بحق وصف «المخبر الصحافي» الا بمساعدة من تلك الاجهزة، وما كان ليتجرأ على اذاعتها ضاربا عرض الحائط بالدستور الذي يشدد على احترام الحياة الخاصة، الا بشبكة امان منها. واذا كان تمكن في الماضي من الافلات من عقوبة الحبس في اكثر من قضية سب وقذف «بقدرة قادر»، فلن يكون غريبا ان ينجو بجريمته هذه المرة ايضا.
وبالطبع فانه من المثير للسخرية ان هذه الجريمة غير المسبوقة في تاريخ الاعلام المصري وقعت بعد ساعات قليلة من توقيع هيئات اعلامية وقنوات فضائية «مدونة السلوك الاعلامي» التي تهدف الى وقف هذا «السيرك الاعلامي الهابط» ، والعودة الى ابسط القواعد المهنية، ما يشير الى ان النظام غير جاد عندما يتحدث عن اصلاح الاعلام، اذ ان ذلك سيحرمه من استخدام ابواقه لتنفيذ اجندته السياسية.
اما السؤال الحقيقي فهو لماذا قررت «الاجهزة» توجيه تلك الرسالة السياسية القاسية في هذا التوقيت، اذ ان تلك الصور ليست حديثة تماما، وكان يمكن ان تؤدي الى افشال ترشيح خالد يوسف في الانتخابات اصلا اذا نشرت قبل اسابيع قليلة. الواقع ان ما حدث ليس سوى جزء من حملة شاملة لارهاب كل من يتمسك بالدفاع عن ثورة يناير واسكاته، حتى وان كان مؤيدا قويا لمظاهرات الثلاثين من يونيو، استعدادا لانعقاد البرلمان الجديد، وحلول الذكرى الخامسة للثورة.
وقد بدأت هذه الحملة بمحاكمة حمدي الفخراني بتهمة طلب الرشوة، ثم اعتقال مؤسس جريدة «المصري اليوم» وعدد كبير من الصحافيين، ولن تنتهي عند الاستباحة الكاملة لسمعة العديد من السياسيين والناشطين واعراضهم على الهواء مباشرة بحماية كاملة من «الاجهزة».
وليس بعيدا عن هذه الحملة تصريحات «نواب التسريبات والسيديهات» بأن لديهم تسجيلات فاضحة لبعض النواب. وبكلمات اخرى، فان الرسالة بوضوح هي: «اذا كنت تريد ان تعارض النظام، عليك ان تفكر مرتين، اذ ان صورك الفاضحة جاهزة للبث على الهواء مباشرة، وحتى اذا لم تكن هناك صور اصلا، فما اسهل فبركتها».
ومن الواضح ان هذه الحملة لن تحفظ جميلا لاحد، ومهما كان دوره في الثلاثين من يونيو، ويكفي النظر الى اسماء الشباب المعتقلين على ذمة قانون التظاهر، لادراك ان الهدف الواضح للنظام هو «القضاء المبرم» على تراث ثورة يناير وشخوصها، والاهم السابقة التي خلقتها، ولو لفترة وجيزة، عندما اثبتت ان الشعب يستطيع ان يكون اقوى من النظام.
واذا كانت ثمة «فوائد» لهذه الفضيحة الاعلامية، فهي انها كشفت حقائق اولئك الاعلاميين امام المشاهدين، الذين كان يظن البعض انهم «كتلة واحدة» بالنظر الى اتفاقهم على دعم النظام، وانتقاد المعارضين بكافة انتماءاتهم. وبالنظر الى الملاسنات الحادة والاتهامات المتبادلة بينهم، نجد اننا امام جوقة من «عملاء الامن او عملاء سابقين للاخوان، او اشخاص يبيعون انتماءاتهم ويقبضون من هذا الطرف بعد ان كانوا يقبضون من ذلك» حسب اوصافهم.
وعلى عكس ما قد يظن النظام فان مثل هؤلاء لا يمكن الا ان يكونوا عبئا عليه، وعلى مصداقيته.
اما بالنسبة الى هذه الصور الفضائحية نفسها، فانها ليست الاولى ولن تكون الاخيرة، وان كان سياسيون محسوبون على حزب النور السلفي كانوا اصحاب نصيب الاسد منها في الماضي، وهو ما اثر سلبيا على شعبيته ومصداقيته. ومن المؤسف انها تكرس لهيمنة «ثقافة الحروب القذرة» على الساحة السياسية بدلا من العمل الجاد على انقاذ البلاد في هذه المرحلة الحرجة.
رأي القدس
http://www.alquds.co.uk/?p=451960
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى