قال الدكتور أيمن الصياد، المستشار السابق لرئيس الجمهورية المعزول، إنه لم تكن رسائل الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، المبكرة والعلنية عن مناخات اقتصادية هى بالضرورة مهددة ليست فقط للسلام الاجتماعي، بل وللنمو الاقتصادى ذاته هى الوحيدة التى لم تصل إلى من يهمه الأمر، إذ بدت رسائل السياسة التى تواترت بعد ذلك أكثر قابلية للإزعاج والتجاهل. وكان نص مقال "الصياد"، بصحيفة "الشروق": مثلى، قد تتفق أو «تختلف» مع بعض ما ذهب إليه «الأستاذ» من «آراء»، ولكنك لا تملك أن تختلف مع حقيقة أن رجلا ــ لم يرفع غير قلمه سلاحا ــ حاربته دول وجماعات، وحاربه ملوك ورؤساء.. فهل هناك دليل على «قيمة الكلمة» أكثر من ذلك.
مدركا حقيقة أن كلنا فى النهاية ذاهبون، ولا يبقى من كل منا من أثر غير ما عمل أو قال أو ــ بحكم المهنة ــ «ما كتب»، آثرت ألا أكتب «كغيرى» عن الرجل، بل عن قلمه «وما كَتب». فللرجل مع الكلمة باع، وتاريخ.. «وأثر»، ستون كتابا، ومقالات لا حصر لها، وحوارات ولقاءات ووقائع تحقيق: أمام المدعى الاشتراكى (صيف ١٩٧٨،) ثم أمام رئيس هيئة الفحص والتحقيق فى مسألة أموال مبارك المهربة (مايو ٢٠١١). وأحسب أن فى سطور ذلك كله، وعباراته المكتوبة أو المنطوقة «رسائل لم تصل».. وأخشى أنها مازالت «لم تصل» إلى من يهمه الأمر. على طاولتى «بقلم محمد حسنين هيكل أو بصوته» نصُ محاضرةٍ فى معرض الكتاب (١٩٩٥)، ومقالٌ فى «وجهات نظر» (يونيو ٢٠٠٠) تحت عنوان «حديث مستطرد عن السياسة الداخلية»، ثم نص لمحاضرة الجامعة الأمريكية الشهيرة (أكتوبر ٢٠٠٢). ثم شريطان مسجلان لحديثين؛ أحدهما فى «قناة الجزيرة» فى يونيو ٢٠٠٥.والثانى فى قناةCBC فى أبريل ٢٠١٥ وأخيرا كتابه الأخير (من جزئين) عن «مبارك وزمانه .. وما بعد زمانه».
قبل أسابيع من رحيله، وعكس عادته التى نعرف فى ترتيب مواعيده بدقة لا تسمح بتداخل أيها مع الآخر، كان أن رتب الأستاذ ما «قد لايبدو مرتبًا». يومها، كنت فى مكتبه (مع الصديق محمود سعد) فى زيارة حدد موعدها بنفسه. ثم كان أن جمعنا، على غير ما توقعنا بزائر «تقاطع موعده». وهو أحد أكثر الرجال النافذين فى كواليس القرار هذه الأيام. وفى شرفة مكتبه المطلة على النيل، والتى أعلم قدر من زاره فيها من الشرق والغرب، ولساعة أو أكثر، قبل أن ينضم إلينا آخرون طال الحوار الذى يمكن لكم أن تتوقعوا «سخونته» .. ولعل ما دار فى لقاء «الصدفة المرتبة» كان رسالته «الواضحة» الأخيرة. ولكنها لم تكن أبدا رسالته الأولى «لمن يهمه الأمر». فقبل عشرين عاما كاملة، وفى محاضرته «الاستثنائية» فى معرض الكتاب (لم يُدع بعدها أبدًا)، يذكر من حضر المحاضرة أو سمع بها كيف لخصَ هيكل أو لعله شخَّص حال مصر أيامها فى عبارة شاعت وصفا وتلخيصا: «سلطة شاخت فى مواقعها..». وأمام حشد غير معتاد فى مثل تلك المحاضرات، بدأ حديثه يومها بمحاولة توصيف الأحوال فى مصر توصيفًا موثقا وبالأرقام. ملاحظًا أنه «ومع أن كل الناس يستطيعون ملامسة الحقيقة فى معايشتهم لحياة كل يوم، فإن هناك إلحاحا زائدا عن كل حد لتلوين الصور وتزويقها». وأحسب أن فى سطور هذا كله، وعباراته المكتوبة أو المنطوقة «رسائل لم تصل».. وأخشى أنها مازالت «لم تصل» إلى من يهمه الأمر. اقتصاديا عاد هيكل فى توصيفه يومها للأحوال فى مصر إلى أرقام رسمية مأخوذة من مراجع معتمدة أولها مرجعية البنك الدولي. لينبه إلى «حقائق اجتماعية تتصل بهذه الحقائق الاقتصادية وتترتب بالضرورة عليها». منها أن البطالة فى مصر زادت زيادة مخيفة والأخطر أنها تنتشر بين خريجى الجامعات والمعاهد العليا والمتوسطة وهى «كتلة تعلمت وتهيأت للعمل فى بلد يعتبر التعليم فيه وسيلة وحيدة للصعود الاجتماعي». ويعنى ذلك فى نهاية المطاف أنها بطالة مدركة واعية قابلة لأن تتحول إلى شحنة غضب عارم يشعر أن مجتمعه يسلبه حقا كان يحسبه فى انتظاره. (بالمناسبة كانت مانشتات الصحف أيامها (١٩٩٥) تتحدث عن وعد رئاسى بتوفير 5،4 مليون فرصة عمل فى السنوات الست «الرئاسية» القادمة. فى حين كان خبر فى صفحة داخلية يتحدث عن أن مسؤولى إحدى المحافظات حين نشروا إعلانا يطلبون فيه «خفراء للمقابر» يعرفون القراءة والكتابة، فوجئوا أن من بين المتقدمين ألفًا وخمسمائة من خريجى الجامعات، أحدهم يحمل درجة الماجستير) يومها أيضا صدم هيكل مستمعيه «قلقًا على مستقبل الاستقرار الاجتماعى فى مصر» بعرض تقرير وضعته مجموعة دولية عن المؤشرات الطبقية الجديدة فى مصر، مقارنا بين قمة الهرم الاجتماعى الضيقة شديدة الثراء، وقاعدته الفقيرة شديدة الاتساع، متخوفا «أننا أمام وضع لا مفر من التسليم بأنه بالفعل مخيف لأن النار قريبة من الحطب بأكثر مما تحتمله سلامة الأحوال فى مصر»، وملاحظًا أن هناك «حالة من خلل التوازن راحت تعترى المجتمع المصرى وتهزه بقسوة .. وأن هذا التناقض الحاد بين الفقر والغنى سبب شعورا بالاستفزاز يصعب تجاهله، خصوصا وقد بدا تركيز الغنى غير مبرر، وأيضا غير مشروع. ثم إن حصار الفقر بدا هو الآخر غير مبرر وغير شرعي». وبعد أن يرصد ما جرى للطبقة الوسطى فى مصر، يعرب هيكل يومها عن قلقه لجموح أسباب العنف وموجباته. فالسلام الاجتماعى فى أى وطن ليس مسألة حض على فضيلة الصبر، وليس مسألة نص قانونى يغلظ العقوبات على مخالفة مواده.. «إنما السلام الاجتماعى مطلب مركب، وهو مشروط بشرعية السلطة، مشروط بمشروعية الثروة، مشروط بحقوق المواطنة، مشروط بإحساس المساواة بين الناس وإن تفاوتت الكفاءات أو حتى الحظوظ..». حديث الاقتصاد، والذى هو فى التحليل النهائى انعكاس السياسة على حياة الناس اليومية، لم يغب عن مقال هيكل فى «وجهات نظر» (يونيو ٢٠٠٠) عن «السياسة» فى مصر. والذى أشار فيه إلى ملاحظات مقلقةٍ عن المناخ الذى تتوالد فيه ظواهر منها ما هو دعائى لا يغنى ولا يسمن من جوع، ومنها ما يعمل وإن ببطء على تآكل تماسك هذا البلد وحيويته: ١ـ أن أرقامًا غير دقيقة يجرى ترويجها، بجرأة بالغة … ولهذا مخاطره مهما كان إغراء الأرقام البراقة. «إذ تَتَحَوَّل إلى نوعٍ من خداع البَصَر». ٢ـ أن حديث المشروعات العملاقة ملأ الدنيا وشغل الناس، وصعد بسرعة إلى رأس قائمة الأولويات، وفى الصدارة منه «مشروع توشكي».. والذى تبين لاحقا أيضا أن إغراء التصريحات البراقة حوله كان غالبا.. وربما خادعًا. ٣ـ أن ظاهرة تفاقمت فى الحياة الاجتماعية المصرية، وتمثلت فى تكالب على الاستهلاك «مُتَوَحِّش»، بدت بعض مظاهره فى أفراحٍ تتَكَلَّفَ ما بين مليونين إلى خمسة ملايين من الجنيهات وبينها ما زاد على ذلك وأحياناً بكثير! ٤ـ أن سباقا موازيًا بدا علنيًا لتخاطف أموال النظام المصرفى والحصول على أكبر ما يمكن الحصول عليه منها، وتحويله إلى الخارج.. ثم الهرب. ••• نبهنا هيكل إلى أن المطلوب ليس نقلة من رجل إلى رجل وإنما من عصر إلى عصر. وبالتالى: من الفرد إلى المجموع، ومن الحاكم إلى الدستور لم تكن رسائل هيكل «المبكرة» والعلنية عن مناخات اقتصادية هى بالضرورة مهددة ليست فقط للسلام الاجتماعي، بل وللنمو الاقتصادى ذاته هى الوحيدة التى لم تصل «إلى من يهمه الأمر»، إذ بدت «رسائل السياسة» التى تواترت بعد ذلك أكثر قابلية للإزعاج … والتجاهل. يدافع هيكل فى «الجزيرة» ـ ٢٠٠٥ عن «تغيير بات ملحًا». ويرد على الذين يرفضونه بدعوى «الاستمرار والاستقرار» بالتأكيد على أن «الاستقرار الحقيقى هو مسايرة متغيرات الزمن» مشيرا إلى مجموعات المصالح «المتشابكة» التى تستولى بسلطتها أو بنفوذها على الإدارة ثم على الحكومة ثم على الدولة كلها. محذرا من مناخ يعمل على نمو ظاهرة أسماها «One Man Show»، حديث «التغيير الملح» هذا كان قد مهد إليه بمقال فى «وجهات نظر» ـ يونيو ٢٠٠٠ منبها إلى خطورة أننا فى عالمنا العربى ورغم وجود ما أسميناه أنظمة جمهورية، نتحدث فى واقع الأمر عن «الولاية» ولا نتحدث عن الإدارة، وهنا المشكلة. اذ أن تلك مفاهيم تنتمى لزمن لم يعد يعيش فيه أحد. ولم تعد تصلح فى أزمنة الدساتير والقوانين والمواثيق والعهود الإنسانية الكبرى، وفى أزمنة جرى فيها ترويض أعتى الأنظمة الملكية، ووقع إرغامها على أن تضيف «الدستورية البرلمانية» لاحقة بالملكية فى الوصف وسابقة عليها فى الحقيقة! ثم قضت على الملكية أن تكون محصورة فى المراسم لا تتجاوزها إلى سلطة الحكم. إذ إن العالم «المتقدم» ينبهنا هيكل يعرف ويتصرف على أساس أن السلطة تفويض مؤقت من شعب يملك الولاية بمعنى السيادة فى حوزته، ثم هو يُفَوِّض بالانتخاب الحُرِّ بعض تنظيماته وأفراده بإدارة شئونه السياسية، مُتَعَرَّضين طول الوقت للحساب باعتبارهم «إدارة لا ولاية». وهكذا فإن الكل: ــ يُحاوِر «الإدارة» وبالشدة أحياناً كما حدث للرئيس «كنيدي» بعد محاولته الفاشلة لغزو كوبا سنة ١٩٦١. ــ ويُعارِض «الإدارة» كما حدث للرئيس «جونسون» بسبب حرب فيتنام. ــ ويُحاكِم «الإدارة» كما حدث للرئيس «بيل كلينتون» بسبب تصرفات شخصية تجاوز بها حدود اللياقة ولو لم يتجاوز حدود القانون فى قضية «مونيكا لوينسكي». ــ ويعزل «الإدارة» كما حدث للرئيس «ريتشارد نيكسون» لأنه خَدَعَ الرأى العام الأمريكى وكذب عليه كما حدث فى فضيحة «ووترجيت»! ••• تحدث هيكل بوضوح عن «الديموقراطية التى لا ينبغى أن تتأخر» مهما كانت الدعاوى أو الحجج رغم أهمية «ووضوح» الرسائل التى لم تصل (ولعلها لم تصل بعد) فى ١٩٩٥، و٢٠٠٠، ٢٠٠٥، ربما كانت محاضرة الجامعة الأمريكية بالقاهرة ــ أكتوبر ٢٠٠٢ هى الأكثر أهمية إذ ربما ـ كما أشرت هنا من قبل ـ لم تكن فقط «الكلمة» الأولى التى تُنَبه مبكرا إلى خطورة مشروع التوريث الذى كان، بل لعلها قدمت، ومبكرًا أيضًا إطارا «فكريًا» وضروريًا لفهم حركة التاريخ «والشرعية» فى بلادنا. وكيف أن قصورا فى فهم، أو بالأحرى مواكبة هذا التطور الذى حكى عنه عالم الاجتماع الأشهر ماكس فيبر، أو «الاكتفاء بمظهره دون جوهره» كان سببا مباشرا فى انهيار نظام مبارك وحزبه، ومن بعده مرسى وجماعته، رغم اختلاف الألوان والمشاهد والظلال؛ حنكة وحمقًا، غرورا ومراوغة. بل لعلى لا أبالغ إن قلت أن قصورًا «نخشاه» فى فهم حتمية التطور تلك ربما يحكم أيضا نهاية أى نظام حالى أو لاحق، إن لم يع الدرس ويستلهم العبر. يتحدث هيكل بوضوح عن «الديموقراطية التى لا ينبغى أن تتأخر» مهما كانت دعاوى أو حجج من اطمأن إلى وجودٍ فى الحكم، أو من اقترب من وهج سلطة لا يريد لموازينها أن تتغير. ففى الغد أحدُ احتمالين (والكلام هنا للأستاذ فى محاضرته): إما صورة تتكرر بها الصور على نحو ما، أو انه، إذا صدق الوعد والعهد، باب مفتوح لتطور صحى تستقيم به الأمور وتستقر الحقوق … وفى محصلة ذلك ومغزاه ان مصر الآن ــ وليس غدا، فى حاجة إلى رؤية للهوية أمينة، والى سند فى المرجعية أصيل، والى شرعية تؤسس لزمن، يستحيل قبوله امتدادا متكررا لشرعية الرجل الواحد، أو لدعاوى حزب مهما اعتبر نفسه ديمقراطيا. ومن المحقق ان الوقت حان وزيادة، للانتقال إلى الدرجة الأعلى فى مراحل الشرعية «الحقيقية». لأن مصر بكل ما حققت، تجاوزت، وينبغى لها أن تتجاوز، مرحلة الشرعية الأبوية التقليدية، إلى شرعية دستورية حقيقية ثم منبها يومها إلى «تحديات زمان جديد لا تحتمل إستراتيجية الانتظار وسياسة التأجيل»، يأخذنا هيكل عبر محاضرته إلى عدد من الملحوظات، أهمها: ــ أن مجرد التواجد فى الحكم ليس كافيا فى حد ذاته لاضفاء الشرعية على أى تنظيم أو نظام. ــ أن المطلوب ليس نقلة من رجل إلى رجل وإنما من عصر إلى عصر ــ أى من شرعية تستوجبها الظروف إلى شرعية يتطلبها المستقبل. وبالتالى: من الفرد إلى المجموع، ومن الحاكم إلى الدستور ومن الصورة إلى القانون. ــ أنه لا مكان للارتجال. فالارتجال ثغرة ينفذ منها المجهول فى زمن لا يتحمل الثغرات، ولا ينتظر المصادفات ولا يقبل مناورة تؤخر جواب كل سؤال إلى الدقيقة الأخيرة من الساعة الأخيرة، ثم تضيع الفرص ومعها حق الاختيار. ••• ثم كان أن حذر مبكرًا من مناخ يعمل على نمو ظاهرة أسماها «One Man Show» فى كتابه الأخير، وأحاديثه التلفزيونية الأخيرة، كانت ربما رسائله الأخيرة: عن التكامل والتناقض فى ثنائية الأمن والأمان، ينبهنا هيكل إلى خطورة أن يصبح «لأمن» النظام وأمن الرئيس الأولوية على الشعور «بالأمان» الذى يمكن أن توفره سياسات عادلة اقتصادية وسياسية واجتماعية، لا احتكار فيها لسلطة ولا تمييز فيها لصاحب سطوة أو نفوذ. ويُذكرنا فى كتابه الأخير «مبارك وزمانه ـ من المنصة إلى الميدان» بكيف أخذ هاجس الأمن «بالتنصت» على حياة الناس الخاصة ومحادثاتهم الهاتفية لأن يصبح «ثقافةَ نظام» (بعض من تلك التسجيلات وجدت طريقها أخيرًا إلى شاشات الفضائيات وصفحات الصحف). كما يُذكرنا بكيف وصلت هيستريا الولاء والإجراءات الأمنية أيام السادات مثلا (وهو ما تضاعف أيام مبارك) إلى درجة رصد «حوافز» ومكافآت خاصة لرجال الشرطة المكلفين بحماية موكب الرئيس. وأن تتميز هذه المكافآت عن غيرها بأن توضع فى أظرف خاصة عليها شعار رئاسة الجمهورية، تُذكر من يتسلمها ـ ولو بالإيحاء ـ أنها من «ولى النعم»!! وكيف لم تفلح هذه الإجراءات فى الحيلولة دون أن تضرب المقادير ضربتها يوم ٦ أكتوبر ١٩٨١ «بواسطة ضابط فى القوات المسلحة، بيده رشاش من صنع روسي، وفى جيبه مسدس من صنع أمريكي!! (هيكل: مبارك وزمانه، ص: ١٧٦) وكما عن هاجس الأمن، يحكى لنا هيكل أيضا فى كتابه الممتع والمؤلم فى آن، عن «هاجس البروتوكول» (ص: ١٩٩) وكيف أن الشكل لا الموضوع (وطول «البساط الأحمر») كان دوما الشاغل الأول لرجال الرئيس (!) ثم كان فى أحاديثه التلفزيونية الأخيرة أن ذكرنا بما نعرف من أن نظام مبارك لم يسقط بعد، داعيًا من صار فى السلطة إلى «الثورة على نظامه». وهو الحديث الذى كان من الطبيعى أن يفتح عليه نيرانا من نظام بدا قد عاد واستقر. كما بدا أن داخل هذا النظام من أراد مبكرا أن يدفع بقلم «الأستاذ» المؤثر إلى مربع الحياد، عبر رسالة إزعاج مبكرة بسؤال أمام «قاضى تحقيق» اهتم «بدقة» الأرقام التى هربها مبارك (لا بكيفية استعادتها). ثم كان أن طال التحذير مشاعر إنسانية يعرفها كل أب، مع حملات إعلامية بدت منظمة وإن اختفى منظموها.
ثم يبقى أنه فضلا عن أن هناك من اعتقد أن بإمكانه «تأميم» الرجل، فقد كان للأسف أن لحق بصاحب القلم ما لحق منطقتنا كلها من رياح «استقطاب» تعصف بكل رأى «آخر»، منذ انقلب صدام على العروبة بجريمة غزو الكويت (١٩٩٠) وحتى انقلب من انقلب فى غير قطر عربى على «ربيع» حاول شباب العرب أن يغرسوا أزهاره فى صحراء قاحلة تيبست أحجارها، وشخوصها، وقصورها. فنسى البعض ما كتبه عنه عبد الوهاب المسيرى فى مذكراته، وما كتبه عنه طارق البشرى فى وجهات نظر (أكتوبر ٢٠٠٣)، كما نسى آخرون ما قاله زمن مبارك، ثم تأييده المطلق لما جرى فى ٢٥ يناير فى كتابه الأخير عن مبارك وزمانه
وبعد.. فقد كان الأستاذ، منذ أن كتب لقارئه رسالته الشهيرة «استئذان فى الانصراف» (سبتمبر ٢٠٠٣) يحرص دائما على أن يؤكد على أن هناك جيلٌ يملك وحده المستقبل. وله وحده الحق فى أن يقرر ماذا يريد لأيامه القادمة .. وأن يفعل. أما نحن «فأيامنا خلفنا» كما قال غير مرة. وعليه، فليس لنا أوعلينا غير أن نقول «كلمتنا» ونمضى .. وقد كان.
فى مسجد سيد الشهداء، فى قلب القاهرة القديمة جالسين فى انتظار صلاة الجنازة، تصادف أن كان بجوارى شاب يبدو عشرينيا. ثم كان عندما تبين مجاورَه أن مال على هامسا: «قل لمصر بالراحة علينا. لم نعد نحتمل». أرجوكم، اقرأوا رسائل هيكل، وترفقوا بالمستقبل.
هيكل فى رحاب الله...للشربينى الاقصرى.
ردحذفودع الصحفى والكاتب المفكر الأستاذ
(محمد حسنين هيكل) دنيانا الفانية دنيا البشر .
ليذهب إلى عالم البقاءعالم الخلود.
عالم حيث لا (خريف) ولا (غضب ).
ذهب هيكل إلى زيارة الرحمن لا إلى (زيارة التاريخ).
هيكل يرحمه الله ويغفر له فهو بين يدى الغفور الرحيم .
ونحن ليس لنا من شىء فى حساب البشر .
فحساب البشر للواحد الأحد رب العرش العظيم .
نحن لنا أعمال المفكرين وماتحوية هذه الأعمال
من أفكار قد نتفق أو نختلف معها.
وفى كلا الحالتين قد نكون مصيبين أو مخطئين .
فالفكر الإنسانى ملك للبشرية جمعاء.
وللبشرالحق فى نقدهذا الفكرالنقد البناء
الذى يفيد الآخرين .
للفقيد المغفرة والرحمة ولنا جميعاً ولأهله
وعشاقه الصبر والسلوان .
الشربينى الاقصرى.