قالت مجلة Vanity Fair الأمريكية، الثلاثاء 25 أغسطس/آب 2020، إن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان اختطف الأمير السعودي سلطان بن تركي الثاني من فرنسا، بعدما كتب رسالة انتقد فيها الملك سلمان والأمير محمد، مشيرةً إلى أن الأمير تركي كان على متن طائرة واختفى.
المجلة كشفت أن المستشار السابق في الديوان الملكي، سعود القحطاني، قاد فريق الاختطاف الذي استطاع إيقاع الأمير تركي في الفخ، وخدعه بعدما منحه الكثير من التطمينات، ويواجه القحطاني اتهامات بضلوعه في قتل الصحفي السعودي البارز جمال خاشقجي في سفارة بلده بمدينة إسطنبول بتركيا عام 2018.
ليست هذه المرة الأولى التي تمارس فيها المملكة عمليات الخطف لجلب المعارضين إلى المملكة، فقد سبق أن تعرض فيصل الجربا، وهو شيخ عشيرة بارز، إلى الاختطاف عام 2018، وتم اقتياده من الأردن إلى بلده.
بينما أُبلغ عن أول عملية اختطاف ترعاها السعودية في 22 ديسمبر/كانون الأول عام 1979، عندما اختفت أول شخصية معارضة بارزة للمملكة، ناصر السعيد، من بيروت، كما اختفى مواطنون سعوديون من غرف الفنادق أو من سياراتهم، أو تغيرت مسارات طائرات كانوا مسافرين على متنها، في إطار حملة السعودية لاختطاف المعارضين، وفقاً لصحيفة Washington Post.
حفيد مؤسس المملكة: أشارت المجلة الأمريكية إلى أن الأمير سلطان بن تركي الثاني، مثل الأمير محمد بن سلمان، هو أحد أحفاد مُؤسّس المملكة العربية السعودية.
لكن سلطان وُلِدَ في الجانب المُضطّرب من العائلة الملكية، إذ كان والده تركي الثاني (الذي مُنِحَ هذا الاسم لأنّ المُؤسّس كان له ولدان بالاسم نفسه) يبدو وريثاً محتملاً للعرش، حتى تزوّج نجلة زعيمٍ صوفي مُسلم، فنفاه أقاربه من البلاد، وانتقل للعيش داخل فندقٍ في القاهرة وأقام هناك لسنوات طويلة.
لم يكن للأمير سلطان منصب حكومي، لكنّه كان يُحب أن يُنظر إليه على أنّه شخصٌ نافذ، إذ كان يتحدّث إلى الصحفيين الأجانب حول آرائه في السياسة السعودية، ويتّخذ مواقف أكثر انفتاحاً من غالبية الأمراء، ولكنّه كان داعماً للملكية على الدوام.
فخلال يناير/كانون الثاني من عام 2003، قرّر الأمير سلطان أن يسلك مساراً مختلفاً، إذ قال للمراسلين إنّ "على السعودية التوقّف عن منح المساعدات للبنان"، وزعم أن رئيس وزراء لبنان الفاسد كان يستخدم الأموال السعودية لتمويل أسلوب حياته الفارهة.
لكن لم تبدُ تلك التصريحات ذات شأن على المستوى الدولي. إذ لم يكُن سلطان أول من يتّهم رئيس الوزراء رفيق الحريري بالفساد، كما أنّ الأمير لم ينتقد المملكة بقدر انتقاده للبنان.
إلا أن الأمر كان بمثابة زجاجةٍ حارقة اشتعلت داخل الديوان الملكي، إذ كانت عائلة الحريري مرتبطةً بعلاقات وثيقة مع حكام السعودية، وخاصةً ابن الملك فهد النافذ الأمير عبدالعزيز، وبدت تصريحات الأمير سلطان وكأنها تهدف لاستعداء عبدالعزيز.
سجن الأمير سلطان: بعد بضعة أشهر، أصدر سلطان تصريحاً لوكالة أنباء Associated Press الأمريكية قال فيه إنّه بدأ في تشكيل لجنة لاستئصال الفساد بين الأمراء السعوديين الذين "نهبوا ثروات الأمة على مدار الـ25 عاماً الماضية".
لكن بعد شهرٍ واحد، بعث عبدالعزيز بدعوةٍ إلى سلطان طلب منه فيها الحضور إلى قصر الملك فهد في جنيف من أجل تسوية خلافاتهما، وخلال الاجتماع، حاول عبدالعزيز إقناع سلطان بالعودة إلى المملكة، وحين رفض، انقض الحراس على الأمير وحقنوه بمُخدِّر، ثم اقتادوه إلى طائرةٍ حملته إلى الرياض.
كان سلطان يزن نحو 181 كغم، وتسبّبت الجرعة المخدرة -أو عملية جرّ الرجل من أطرافه وهو فاقدٌ للوعي- في تلف الأعصاب المتصلة بالحجاب الحاجز للأمير وقدميه، قبل أن يقضي الـ11 عاماً التالية بين السجون السعودية وبين أحد المستشفيات الحكومية المعزولة في الرياض.
وفي عام 2014 أُصيب سلطان بإنفلونزا الخنازير، وبعض المضاعفات التي هدّدت حياته لاحقاً. لذا قرّرت الحكومة السماح له بالحصول على الرعاية الطبية في ولاية ماساتشوستس الأمريكية، بافتراض أنّ الأمير لم يعُد يُمثّل تهديداً الآن بعد أن صار شبه مشلول ومُجرّد شبح من شخصيته العدائية الأصغر سناً، وصار سلطان بذلك حراً من وجهة نظره.
إبان احتجاز الأمير سلطان، اجتاح تغييرٌ هائل أركان آل سعود، إذ مات الملك فهد في عام 2005، وكان خلفه الملك عبدالله -والد زوجة سلطان الراحلة- أقل تسامحاً مع العروض المتباهية بالثروة الأميرية، حيث قلّص عبدالله هبات الأمراء واستهجن تصرفات أكثرهم إسرافاً وأسوأهم سلوكاً.
لكن يبدو أنّ سلطان لم يُدرك هذا التحوّل، أو التحوّل الأكبر الذي أعقبه أوائل عام 2015، بعد أن تعافى من مشكلاته الصحية الدقيقة، حين تولى الملك سلمان الأكثر تقشفاً عرش البلاد، وبدلاً من الاختفاء عن الحياة العامة؛ أجرى سلطان عملية شفط دهون وجراحةً تجميلية، قبل أن يبدأ في جمع حاشيته من جديد لاستئناف حياة التشرّد المُرفّه.
الخلافات مع الحكومة: وطوال تلك الفترة واصل الديوان الملكي إيداع الأموال في حساب سلطان البنكي، وأدرك الأمير أنّ تلك المدفوعات ستتوقّف في النهاية، ولم يكُن لديه مصدر دخلٍ آخر، لذا خرج بخطته الخاصة: حيث قرّر أنّ الحكومة السعودية مدينةٌ له بتعويضٍ عن الإصابات التي لحقت به جرّاء اختطافه عام 2003.
حينها ناشد سلطان الأمير محمد بن سلمان، الذي لم يكُن يعرفه جيداً، ليطلب تعويضاً عن إصاباته، لكنّه فشل في مسعاه. إذ لم يكُن محمد مستعداً لدفع الأموال لشخصٍ تسبّب في المشكلات لنفسه عن طريق نشر مظالم الأسرة علناً.
تصعيد الخلافات: وفي صيف عام 2015، أتى سلطان فعلاً غير مسبوق: حيث رفع قضيةً ضد أفراد العائلة الملكية بتهمة الاختطاف أمام محكمةٍ سويسرية، وشعر كاتمو أسراره بالقلق، بينما حذّره مُحاميه في بوسطن، كلايد بيرغستريسر، قائلاً: "لقد اختطفوك من قبل، فما الذي يمنعهم من اختطافك مرةً أخرى؟".
لكنّ سلطان كان عنيداً في هذا الأمر، وأصرّ على رفع الدعوى القضائية، وفتح المدعي الجنائي السويسري تحقيقه، وانتشر الخبر في الصحف. ثم توقّفت مدفوعات الديوان الملكي لحساب سلطان فجأة.
ولم تُدرك حاشية سلطان المشكلة لبضعة أسابيع، حتى طلب الأمير ذات يوم خدمة الغرف داخل فندقه بجزيرة سردينيا، لكن المطعم رفض خدمته، وكان بإمكان الفندق أن يطرد الأمير ببساطة، لكنّه لم يكُن قادراً على تحمل كلفة إسقاط فواتيره غير المدفوعة التي تجاوزت قيمتها المليون دولار طوال إقامته الممتدة لأسابيع.
أخبر سلطان العاملين بالفندق أنّه سيُقنع الديوان الملكي بإعادة مدفوعاته، فأعاد الفندق فتح خط ائتمانه، ثم قرّر سلطان المقامرة: إذ حاول التفوّق على محمد بن سلمان بمناورة.
فداخل صفوف العائلة الملكية السعودية، يُمكن لأشقاء الملك أن يدلوا برأيهم في تسلسل الخلافة، وفي حال ثبت أنّ الملك غير كفء لتأدية مهامه؛ فيُمكن لأشقائه إزاحته من العرش.
لذا بعث سلطان بخطابين مجهولين إلى أعمامه، وكتب في خطابيه أنّ شقيقهم الملك سلمان "غير كفء، وعاجز"، ودمية في يد الأمير محمد. وأردف: "لا يخفى على أحد أنّ الجانب الأخطر في مشكلاته الصحية هو الجانب العقلي الذي جعل الملك خاضعاً لنجله محمد".
ثم تسرّبت خطابات سلطان إلى صحيفة The Guardian البريطانية، ورغم أنّ الخطابات لم تحمل توقيعاً، لكن مسؤولي الديوان الملكي تعرّفوا على كاتبها سريعاً.
اختطاف الأمير سلطان: وبدا أنّ الخطة قد نجحت على نحوٍ مُثيرٍ للدهشة، فبعد فترةٍ قصيرة من نشر الخطابات؛ أودع الديوان الملكي أكثر من مليوني دولار في حساب سلطان البنكي، فسدّد فواتير الفندق وجدّد خطط سفره.
الأفضل من ذلك أنّه تلقّى دعوةً من والده لزيارة القاهرة، على أمل إصلاح علاقتهما أخيراً. وعلاوةً على ذلك، أخبره والده أنّ الديوان الملكي سيُرسل طائرةً فارهة لنقل الأمير وحاشيته جواً إلى القاهرة، وبدا وكأنّ محمد بن سلمان يُحاول إعادة ابن عمه الضال إلى حظيرة العائلة.
ذُهِلَت حاشية سلطان، إذ كان بعضهم موجوداً حين انتقد آل سعود آخر مرة، قبل أن يستيقظ على متن طائرة الديوان الملكي، وحينها انتهى به المطاف إلى الاختطاف ومشكلات صحية دائمة. فكيف للأمير أن يُفكّر في الصعود إلى متن تلك الطائرة إذن؟
لكن يبدو أنّ سلطان كان يرغب بشدة في تصديق أنّ المصالحة العائلية جاريةٌ على قدمٍ وساق. وربما كان يعتقد أنّ محمد بن سلمان هو قائدٌ من نوعٍ جديد، ولن يحُل النزاعات العائلية بالاختطاف.
بدا أن قناعته بالمصالحة ازدادت، بعدما بعث الديوان الملكي بطائرة مُجهّزة خصيصاً من طراز بوينغ 737-800 (التي تتّسع لـ189 راكباً في نسختها التجارية)، فطلب سلطان من فريقه لقاء الطاقم وتقييم الموقف.
وبدا الطاقم أشبه بالمسؤولين الأمنيين، وليس طاقم ضيافةٍ جوية، لذا حذّر أحد أفراد فريق سلطان الأمير قائلاً: "هذه الطائرة لن تهبط في القاهرة"، فسأله سلطان: "ألا تثق بهم؟".
فقال الرجل: "ولماذا تثق أنت بهم؟". ولم يُجبه سلطان، لكنّه ظلّ متردّداً حتى عرض كابتن الطائرة سعود تهدئة مخاوفه بترك 10 من أفراد الطاقم في باريس، باعتبارها بادرة حسن نية تُظهِر أنّها ليست عملية اختطاف، وكان ذلك كافياً بالنسبة للأمير.
الوقوع في الفخ: غادرت الطائرة باريس في هدوء، وظلّ مسارها إلى القاهرة ظاهراً على الشاشات المُحيطة بقمرة القيادة لمدة ساعتين، وفجأةً ومضت الشاشات، ثم انطفأت تماماً.
انتبه فريق الأمير سلطان، ليسأل أحدهم الكابتن سعود: "ما الذي يحدث؟". فذهب للتحقّق من الأمر ثم عاد ليشرح أنّ هناك مشكلةً تقنية، وأنّ المهندس الوحيد الذي يستطيع إصلاحها كان من بين رجال الطاقم الذين تركهم في باريس، وأردف سعود قائلاً إنّه لا داعي للقلق، لأنّهم سيصلون في موعدهم المُحدّد.
حين بدأت الطائرة في الهبوط؛ أدرك جميع الموجودين على متنها أنّهم لن يهبطوا في القاهرة، إذ لم يكُن نهر النيل يشُق المدينة الموجودة أسفلهم، ولم تظهر أهرامات الجيزة. بل كانت تضاريس الرياض هي الظاهرة بما لا يدع مجالاً للشك، فصرخ الأمير في ضعفٍ لاهث: "أعطوني مسدسي!".
إلا أن أحد أفراد طاقم حراسته رفض ذلك، إذ كان رجال الكابتن سعود يملكون أسلحةً أيضاً، وبدا أنّ تبادل إطلاق النار على متن الطائرة سيكون أسوأ مما يُمكن أن يحدث على الأرض، لذا جلس سلطان في صمت حتى لامست الطائرة مدرج الهبوط.
ولم يعُد هناك مجالٌ للقتال، بينما دفع رجال الكابتن سعود بالأمير عبر جسر الركاب، وكانت هذه هي آخر مرة يراه فيها رجال حاشيته.
قيادة القحطاني لعملية الاختطاف: تقول المجلة الأمريكية إنه جرى استدعاء الأجانب من بينهم واحداً تلو الآخر إلى غرفة اجتماعات مترامية الأطراف بطاولةٍ ضخمة في المنتصف، وعلى رأس الطاولة جلس الكابتن سعود، مُرتدياً ثوباً طويلاً بدلاً من زي الطيار، وقدّم نفسه قائلاً: "أنا سعود القحطاني، وأعمل في الديوان الملكي".
كان القحطاني معروفاً قبلها للسعوديين باسم "السيد هاشتاغ"، بفضل تواجده البارز على الشبكات الاجتماعية للإشادة بفضائل الأمير محمد والتقليل من شأن منتقديه عبر تويتر، وباختطافه للأمير سلطان؛ صار سعود شخصيةً محورية في الجهاز الأمني للديوان الملكي، ورجلاً يُمكن للأمير محمد الاعتماد عليه في إنجاز المهمات الحساسة والعدوانية.
اكتشاف قضية الاختطاف: وعلى طاولة غرفة الاجتماعات طلب سعود من الأجانب التوقيع على اتفاقيات عدم الإفصاح، وعرض الأموال على بعضهم، قبل أن يُعيدهم إلى بلدانهم، وبعد نحو خمس سنوات، انكشف السياق الكامل لعملية اختطاف الأمير سلطان خلال قضيةٍ أخرى بعيدة كل البُعد ضد أفراد العائلة الملكية.
إذ رفع سعد الجبري، خبير التجسس السعودي السابق المنفي في كندا، قضيةً ضد الأمير محمد أمام محكمةٍ فيدرالية في أغسطس/آب عام 2020، وفيها اتّهم سعد الأمير بمحاولة قتله على يدّ فرقة اغتيالات دولية تُدعى "فرقة النمر".
تعود أصول الفرقة إلى عام 2015 بحسب مزاعم المسؤول الاستخباراتي السابق، وتقول الدعوى إنّ الأمير محمد طلب من الجبري نشر وحدة مكافحة إرهاب "خارج نطاق اختصاصها القانوني لتنفيذ عملية انتقامية ضد أميرٍ سعودي يعيش في أوروبا"، لأنّه انتقد الملك سلمان.
زعم الجبري في الدعوى أنّه رفض العملية، لأنّها "غير أخلاقية وغير قانونية" وتُسيء لصورة المملكة العربية السعودية. لذا شكّل الأمير محمد فرقة النمر وعيّن القحطاني على رأسها، وفقاً لما ورد في الدعوى.
بعد عامين، كانت فرقة النمر تلك هي المسؤولة عن قتل المعارض السعودي جمال خاشقجي داخل السفارة السعودية في إسطنبول، وهي الواقعة الي يقول المسؤولون الأمريكيون إنّها هدّدت مكانة الأمير محمد الدولية، وذكّرت السعوديين بما يُمكن أن يحدث حين تنتقد الأمير. ولم تُوجّه التهم إلى القحطاني داخل السعودية حتى الآن.
المصدر عربى بوست
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى