الصاحب الثاني والخليفة الثاني أيضاً لرسول الإسلام محمد بن عبدالله وأحد أهم رفقته، رفقة وصلت إلى حدّ الجوار في الحياة البرزخية، فَقبره يتجاور مع قبريّ النبي محمد صلى الله عليه وسلم وسلفه أبوبكر الصديق رضي الله عنه.
عمر بن الخطّاب بن نُفيل بن عبدالعزّى، وكما يرُوى تاريخياً فأمه هي حنتمة بنت هشام بن المغيرة.
كان الخطّاب في الجاهلية ذا مكانة رفيعة وكلمة مسموعة بين أشراف قريش الذين ينتمي إليهم، وصاحب فراسة وفطنة ودهاء، متميزاً بالشجاعة والقوة والهيبة، حتى قال فيه ابن مسعود رضي الله عنه: "ما زلنا أعزّةً منذ أسلم عمر".
ذُكر عن عمر أنه كان طويلاً وجسيماً، فاق الناس في طوله، شديد الصلع، أبيض فيه حُمرة، وأما في عباداته وعلاقته بربه فقد تميّز بطول القيام والصلاة، رقيق القلب، كثير الصيام والصدقة، عظيم الخشية لله، إلا أنه كان قوياً شديداً ينصر المسلمين ويَردّ كيد المشركين، حتى لقّبه النبي محمد بالفاروق، ويُقصد أنه يُفرِّق بين الحقّ والباطل.
وفي قصة إسلام عمر بن الخطّاب، فقد تناولتها الدراما التاريخية كثيراً، وقالت المصادر التاريخية فيها إنّ عمر سمع عن إسلام أخته فاطمة وزوجها سعيد، فانطلق باتجاههما بُغية أذيتهما للسبب ذاته، وكان عندهما خبّاب بن الأرت - صحابي من بين أول 10 اعتنقوا الإسلام- يعلّمهما القرآن الكريم، فلمّا طرق عمر الباب، اختبأ خبّاب ودخل عمر غاضباً فضرب أخته فشجها، ثمّ طلب إليها أن تُناوِله الصحيفة التي في يدها فرفضت، لأن الصحيفة فيها قرآن مُطهّر، وطلبت منه أن يغتسل قبل أن يَمسّها، ففعل، ثم أخذها فقرأ منها سطراً واحداً، فانشرح صدره لها، فسأل أخته عن مكان النبي، وفي هذه اللحظة خرج خبّاب من مخبأه، ودلّه على مكانه.
انطلق عمر بن الخطاب مباشرة وطرق باب النبي، فلمّا عرف الصحابة أنه عمر خافوا لأنه كان شديداً عليهم، فطمأنهم النبي ثم أذن له فدخل، وبمجرد رؤيته الرسول محمد نطق عمر بالشهادتين وأعلن إسلامه.
كان إسلام ابن الخطاب انفراجاً لضيق المسلمين وفتحاً لهم، وقد فرحوا بإسلامه فرحاً عظيماً، إذ أمِن المسلمون بعد إسلامه أن يُصلّوا في جوار الكعبة، وقد كانوا يخافون قبل ذلك، وقد حسن إسلام عمر رضي الله عنه، وفاق من قبله ومن بعده، حتى امتدحه النبيّ في أكثر من موضع، إذ قال فيه مرة: "إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه".
وتوافق عمر مع القرآن الكريم، إذ تعدّدت الكلمات التي قالها، ثم نزل القرآن الكريم في نفس لفظه، مثل سؤاله للنبي صلى الله عليه وسلّم أن يتخذ من مقام إبراهيم مصلّى، فنزلت الآية: {اتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّى}.
تولّى عمر خلافة المسلمين بعد أبي بكر الصديق، سنة 13 للهجرة، وظهرت صفاته الشخصية جليةً، فكان تقياً وَرِعاً، شديداً على الكفار، متوسعاً في الفتوحات، حتى فُتِحت في عهده الفرس والروم.
ورغم شدة عمر على الكفار، إلا أنه كان رحيماً عطوفاً على المؤمنين، وازداد عطفه وإشفاقه على المسلمين بعد توليه الخلافة، إذ قال يوماً: "ثم إني قد وَلِيتُ أموركم أيها الناس، فاعلموا أن تلك الشدة قد أُضعِفت، ولكنها إنما تكون على أهل الظلم والتعدي على المسلمين، فأما أهل السلامة والدين والقصد فأنا ألينُ لهم من بعضهم لبعض".
وأُصِيب الناس بالمجاعة في عهده فغاب المطر وأجدبت الأرض، فكان عمر يأكل الخبز والزيت ويقول: "والله لا أشبع حتى يشبع أطفال المسلمين".
وعن نهاية رحلته، روت أمّ المؤمنين حفصة أن أباها عمر بن الخطاب كان يسأل الله الشهادة في سبيله في بلد رسوله، ولقد أجاب الله دعوته، فقد خرج يوماً على المنبر يخاطب المؤمنين يقول لهم: "إني رأيت رؤيا كأن ديكاً نَقرَني نَقرتين، ولا أرى ذلكَ إلا لِحُضور أجلي"، وأخبر عمر أسماء بنت عُميس برؤياه - صحابية ممن يفسرون الرؤى - فأوّلت ذلك بأن يقتله واحدٌ من العجم، فكان الأمر واقعاً.
في صلاة الفجر، يوم كان يسوي ابن الخطاب الصفوف، فما إن كبَّر للصلاة حتى تلقّى طعنات من مجوسي، ثم هرب يقتل من يمرّ عليه من الناس ليقتل 7 آخرين، فأقبل إليه رجل من المسلمين ألقى عليه بُرنساً ولفّه به، فلما أيقن المجوسي أنه ألقي القبض عليه نحر نفسه فمات في اللحظة نفسها، وبقي عمر ينزف دماً بضع ساعات، أرسل فيها إلى أمّ المؤمنين عائشة - زوج الرسول محمد - يستأذنها أن يُدفن بجوار صاحبيْه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر فأذنت له، ثم فارق الفاروق الحياة، ودُفِن كما تمنّى بمدينة صاحبه الرسول محمد، بل إلى جوار قبره.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى