عائلة إخوانية معروفة الانتماءات، ولا شك فى روابطها الوثيقة بالتنظيم أو عملها المباشر فى خدمته وتحت إدارة قادته وبتوجيهاتهم، ورغم ذلك ما تزال حاضرة فى المشهد الاقتصادى والصناعى المصرى،
ومتحكمة فى واحدة من أكبر الشركات والمجموعات المتخصصة فى الصناعات الغذائية، مع شبهات عديدة لا حصر لها بشأن توظيف تلك الأموال الطائلة فى خدمة الجماعة ومخططاتها وأعمالها الإرهابية.
تأسست جهينة للصناعات الغذائية قبل قرابة أربعين عاما، وفى 1987 بدأت نشاطها فى صناعة الألبان والعصائر، ثم اندمج النشاطان بالعام 2007، وطوال تلك السنوات كان اسم صفوان ثابت واجهة لجماعة الإخوان الإرهابية، وشريكا معلنا يدير جانبا من أموال التنظيم، ويشارك بشكل مباشر فى تمويل أنشطة الجماعة من خلال عوائد الشركة وأرباحها، ثم تطورات العلاقة وظهرت كثير من تفاصيلها للعلن بعد ثورة يناير 2011 ثم وصول الجماعة للسلطة. الأمر نفسه لم يتغير عقب ثورة 30 يونيو وإطاحة الإخوان من الحكم، لكن العلاقة عادت إلى الخفاء، لتتدفق أموال جهينة المحققة من جيوب المصريين إلى قنوات وأنفاق وعصابات الإخوان، مساهمة فى تمويل أنشطة التنظيم ودعم محاولاته المتواصلة لزعزعة الاستقرار والتأثير على الاقتصاد والأمن!
أسرة صفوان تسمم جهينة
أُطيح بـ"صفوان" مؤخرا على خلفية تورطه فى جرائم مرتبطة بتمويل الإرهاب وأنشطة الإخوان، ورغم توقيفه وخضوعه للمساءلة القانونية، ما يزال عضوا بمجلس إدارة الشركة، وابنه "سيف" نائبا لمجلس الإدارة وعضوا منتدبا، وابنتاه ممثلتان بالمجلس ولديهما حصص ملكية كبيرة. بشكل إجمالى فإن أسرة "ثابت" تسيطر على أربعة مقاعد وحصة أغلبية بالشركة، ولديها من الثغرات والمسارات ما يمكنها من التحكم بالشركة، واتخاذ قرارات تؤثر على المال العام ومصالح المساهمين، وأخيرا التحصل على عوائد وأرباح بعشرات الملايين وتمريرها إلى دوائر الإخوان ومجموعاتها بالداخل والخارج!
ينتمى صفوان ثابت لأسرة إخوانية معروفة، وهو حفيد مباشر للمرشد السادس للجماعة مأمون الهضيبى من جهة الأم، وجده الأكبر المرشد الثانى حسن الهضيبى، فضلا عن علاقات عائلية واجتماعية ومصاهرة جمعت العائلة بدوائر إخوانية أخرى، وتشابك مالى معتاد فى أروقة التنظيم جعل من جهينة ذراعا مالية للإخوان من خلال الدعم والتبرعات والمساهمات المالية فى أنشطة اجتماعية وسياسية للإخوان طوال سنوات، فضلا عما يتردد فى أوساط الجماعة من أن الشركة أموال خالصة للتنظيم يقوم عليها "ثابت" وأسرته كما حدث مع شركات يوسف ندا وخيرت الشاطر وحسن مالك وعشرات آخرين من رموز بيزنس التنظيم. بتلك الصورة المعقدة والمليئة بالشبهات غابت الإخوان عن المشهد السياسى والوطنى فى ثورة شعبية عارمة، وظلت مجموعاتها الإرهابية مثل حسم ولواء الثورة والعقاب الثورى ومجموعات محمد كمال ويحيى موسى وغيرها تهدد الدولة وتريق الدماء، ومجموعاتها المالية من شركات ومحلات ومدارس خاصة ومكاتب صرافة وسلاسل تجزئة تربك الاقتصاد وتمول أنشطة العنف، ولم تكن جهينة بعيدة عن تلك الشبهات!
الشركة تبحث عن طوق نجاة
الوضع الآن أن القانون طال صفوان ثابت وأطاح به من رئاسة الشركة، وأن مجلس الإدارة منع نجله "سيف" من الوصول إلى رئاستها، لكن ما تزال الأسرة حاضرة بالملكية وضمن هيكل الإدارة، ولا ضمان لعدم تسرّب تلك الأموال الطائلة من جهينة إلى حسابات أسرة ثابت ثم إلى جماعة الإخوان وأنشطتها الإرهابية. الحل الفعلى للقضاء على هذا الخطر لا يمكن الوصول إليه بدون مزيد من الرقابة والمتابعة الدقيقة، والعمل على أن تكون أنشطة الشركة وأوراقها تحت الفحص الدائم والشامل، وهو أمر يصعب الوصول إليه من غير إشراف أو إدارة مباشرة للدولة عبر جهات إنفاذ القانون والرقابة الرسمية، لا سيما أن كل جنيه تملكه أسرة صفوان ثابت فى جهينة، يمكن وصوله بالضرورة إلى إخوان الداخل والخارج بسهولة وسرعة طالما ظلت تلك الرقابة المشددة غائبة!
مؤخرا، أسفرت الجهود القانونية عن إثبات صلة صفوان ثابت بتلك الأنشطة الإجرامية، فكانت خطوة التوقيف والمساءلة القانونية التى قادت إلى وضع رئيس مجلس إدارة الشركة السابق على لائحة الإرهاب، ثم التحفظ على أمواله، ثم استبعاد نجله "سيف" من السيطرة على المجموعة المقدرة بنحو 7 مليارات جنيه ومواصلة تسخيرها فى خدمة الجماعة الإرهابية، وصولا إلى انتفاض مجلس إدارة الشركة ضد الجماعة والأسرة الإخوانية باختيار الشيخ محمد الدغيم رئيسا لمجلس الإدارة، لكن رغم كل تلك الإجراءات والحلقات الكاشفة ما يزال موقف الشركة غامضا، وفرص وصول الإخوان للأموال قائمة، وتهديد الاقتصاد والصناعة وسوق الألبان أمرا محتملا، والتساؤلات كثيرة وكبيرة ومتشابكة وتبحث عن إجابة!
الشركة التى تسيطر على حصة عملاقة من سوق الألبان والعصائر فى مصر، وتقع فى حكم المال العام فى ضوء تعدد المساهمين وتداول أسهمها فى البورصة، لا ينبغى أن تظل أمورها وتطورات أوضاعها الداخلية بعيدة عن الرأى العام، أو أن تبقى صيغة الملكية فيها مختلة بشكل يسمح بعبور الأموال بسهولة وكثافة إلى أسرة صفوان ثابت ومنها إلى الجماعة الإرهابية، وأى قصور فى سد تلك الثغرات يقع بالضرورة فى دائرة التقصير، سواء من الجهات المعنية بتطبيق القانون ورصد الإرهابيين وتحجيم أنشطتهم، أو من المساهمين ومجلس الإدارة الذى يصمت على ذلك أو يتباطأ فى اتخاذ خطوات جادة على طريق إنقاذ الشركة وحماية السوق وأموال المستثمرين!
إدارة الدولة هى الحل
هنا يحق السؤال: لماذا تظل أسرة ثابت مسيطرة على جهينة؟ وإلى أين تمتد حدود تحكمهم فى المجموعة؟ وما مدى خطورة ذلك على المال العام والاقتصاد والمصالح الوطنية؟ ولماذا لا تتدخل الحكومة والأجهزة القانونية والرقابية لتحجيم نفوذ تلك العائلة الإخوانية داخل السوق؟ ولماذا يتقاعس مجلس إدارة المجموعة عن تطهير اسم جهينة وسمعتها حماية للشركة والسوق؟.. أسئلة عديدة ومتشابكة بشأن وضعية خاطئة ظلت قائمة لسنوات رغم ثبوت علاقة العائلة بالإخوان، واستمرت حتى بعد توقيف رب الأسرة فى وقائع واتهامات واضحة ولا تقبل الشك، ومن غير المفهوم سر الصمت على تلك الحالة المهددة لشركة كبرى وحقوق تخص آلاف المساهمين والعاملين وملايين المعنيين بأنشطة الشركة، فضلا عن اتصالها بالاقتصاد والأمن القومى والغذائى!
من غير المنطقى أن تنشغل بضبط القاتل تاركا القتيل ينزف ويلفظ أنفاسه! تلك الصورة القاتمة هى الحال التى عليها شركة جهينة الآن، إذ تخيلت الأجهزة الأمنية والجهات المعنية بمراقبة أنشطة الإخوان والتصدى لها، أنها أحبطت واحدا من المخططات السوداء بتوقيف صفوان ثابت، بينما أصل المشكلة أن الرجل وظف شركة جهينة فى خدمة الجماعة وتمويل أعمالها، ورغم غيابه ما زالت الشركة تحت يده بشكل مباشر، من خلال ملكيته الحاكمة وعضويته بمجلس الإدارة وبقاء أبنائه الثلاثة بالمجلس مسيطرين على الأعمال وجامعين للأموال. المؤكد أن ضبط "صفوان" ومساءلته خطوة مهمة، لكن الأهم إيقاف نزيف "جهينة"، وحامية مجموعة اقتصادية وصناعية كبرى من أن تكون لعبة فى يد الإخوان أو مصدرا لتمويل أنشطتهم القذرة، والأهم حماية الاقتصاد والصناعة والمال العام الممثل فى حقوق المساهمين وتداول أسهم الشركة بالبورصة. وكل تلك الغايات والاحتياجات العاجلة لا سبيل إليها بدون إحكام الرقابة على العائلة وأسهمها وتعاملاتها المالية، والأهم حماية الشركة وأنشطتها بوضعها تحت الإدارة المباشرة للدولة.
إن شئنا وضع الأمور فى نصابها، وكنا جادين فى التصدى للإرهاب ومموليه، وباحثين فعلا عن استقرار السوق الداخلية وتأمين الصناعة والاستثمار من الأضرار المرتبطة بالأنشطة المشبوهة وغير الشرعية لجماعات الإرهاب، وعن حماية المال العام ممثلا فى سوق المال ومدخرات المساهمين فى المجموعة من عامة المصريين، فلا بديل عن وضع "جهينة" تحت إدارة الدولة من خلال صيغة تنظيمية وقانونية تراها الجهات المعنية بالتوافق بين الحكومة وهيئة الاستثمار وهيئة الرقابة المالية، دفاعا عن القانون والاقتصاد وسوق المال، وأن يمتد الإشراف والمتابعة والرقابة زمنيا ونوعيا ليغطى كل أنشطة الشركة الإنتاجية والتجارية طوال الوقت وفى داخل مصر وخارجها، إذ إن بقاء الشركة بوضعها الحالى بعيدا عن عين الدولة والأجهزة الرقابية، معناه بقاء أسرة ثابت وأموال الإخوان حرة فى العمل والتنقل بين الحسابات والوصول إلى أيدى الإرهابيين وأعداء الدولة والساعين إلى تقويض الدولة والاقتصاد. فهل تتدخل الدولة بجدية لإنهاء هذا المسلسل السخيف من نشاط وكلاء الإخوان واستغلالهم لثروات مصر ضد الدولة والمواطنين؟ نثير التساؤل وننتظر، ولا نعفى الحكومة من المسؤولية الكاملة عن التدخل وتصحيح الأوضاع!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى