وثائق باندورا.. كيف نجح قادة ومشاهير عرب في إبعاد ثرواتهم عن الأعين؟
تحقيق دولي شاركت فيه عشرات المؤسسات الإعلامية حول العالم، كشف عن قيام زعماء ورؤساء وملوك ومشاهير، بينهم عرب، بعمليات بيع وشراء ونقل للثروات عبر شركات في ملاذات ضريبية. وهو ما يجعل التدقيق في مصادر تلك الأموال شبه مستحيل!
تشير الوثائق إلى أن قادة وسياسيين وأمراء عرب أخفوا ممتلكاتهم العقارية حول العالم من خلال شركات عابرة للحدود في ملاذات ضريبية
في الميثولوجيا الإغريقية، أهدى زيوس كبير الآلهة صندوقاً لسيدة تدعى "باندورا" وأمرها ألا تفتحه، وضع فيه كل صور الشرور البشرية، لكن باندورا عصت الأمر وفتحت الصندوق فانتشر الشر في أنحاء الكون. تتصل تسمية تلك الأوراق (وثائق باندورا) التي تلقاها الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين بوقائع مذهلة كشف عنها تحقيق استند إلى نحو 11 مليون وثيقة تتحدث عن قيام زعماء وسياسيين عرب وأجانب وأثرياء ذوي نفوذ بإخفاء مليارات الدولارات عبر عشرات من شركات الخدمات المالية العابرة للحدود (اوفشور Off-shores) في ملاذات ضريبية (منها الإمارات وقبرص وسنغافورة وسويسرا وجزر فيرجين البريطانية) والتي يصعب الوصول إليها، ما يجعل مهمة التحقق من مصادر تلك الأموال ومتابعة حركتها أمراً شبه مستحيل، وذلك في إطار ادعاءات تتراوح بين الفساد وغسيل أموال والتهرب الضريبي.
وقال الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين، وهو شبكة من المراسلين والمؤسسات الإعلامية مقرها واشنطن، إن الملفات مرتبطة بنحو 35 زعيماً من زعماء الدول الحاليين والسابقين، وأكثر من 330 سياسياً ومسؤولاً عاماً - وحتى فنانين ورياضيين - في نحو 100 دولة وإقليماً لديهم أصول في حسابات خارجية أو مؤسسات سرية أو شركات وهمية. ولا يعرف حتى الآن الكيفية التي حصل بها الاتحاد على هذا الكم الهائل من الوثائق السرية.
يأتي التحقيق الذي شاركت فيه مؤسسات صحفية كبرى حول العالم بعد خمس سنوات من التسريب المعروف باسم "أوراق بنما" والذي كشف النقاب عن كيفية إخفاء أثرياء حول العالم أموالاً بطرق لم تتمكن وكالات إنفاذ القانون من اكتشافها.
الملك عبد الله.. ثروة عقارية في الظل!
حفلت الوثائق بأسماء زعماء وسياسيين عرب، وشخصيات نافذة كانت على علاقة وطيدة برؤساء، لكن أبرز تلك الشخصيات كان الملك عبد الله الثاني بن الحسين ملك الأردن. وجاء في هذه الوثائق أن الملك أسس سلسلة من الشركات في الخارج، 30 منها على الأقل في بلدان أو مناطق تعتمد نظاماً ضريبياً متساهلاً، وأنه من خلال هذه الشركات اشترى 14 عقاراً فخماً في الولايات المتحدة وبريطانيا بقيمة تزيد عن 106 ملايين دولار
وبحسب التقرير الذي نشرته صحيفة الغارديان فإن الملفات كشفت أن الملك عبد الله أمضى العقود الماضية في بناء إمبراطورية من العقارات الفاخرة حول العالم تزيد قيمتها عن 100 مليون دولار (74 مليون جنيه إسترليني) ، تمتد من منحدرات ماليبو في كاليفورنيا إلى حي جورج تاون في العاصمة الأمريكية واشنطن، كما وصلت حدود تلك الإمبراطورية العقارية إلى المناطق الأكثر تميزاً في وسط لندن.
يقول تقرير الغارديان إن الحصول على تلك العقارات التي تبلغ قيمتها عدة ملايين من الدولارات جاء في الوقت الذي تضاعفت فيه المساعدات الاقتصادية والعسكرية الأمريكية للأردن أربع مرات، فيما يواجه المواطنون الأردنيون تقشفاً متزايداً كجزء من خطة إنقاذ وضعها صندوق النقد الدولي للدولة شحيحة الموارد.
ولا يعد استخدام شركات عابرة للحدود للحصول على ممتلكات أمرا غير قانوني، بل يتم القيام به أحيانا لحماية الخصوصية أو الأمان. لكن السرية التي يمنحها اللجوء لهذه الوسيلة لأولئك الأثرياء بما يكفي لإبقاء مشترياتهم بعيدا عن الأنظار والإعفاء من دفع ضرائب على الممتلكات، ما قد يفتح الباب أيضاً لعمليات غسيل أموال، بحسب ما ذكرت الصحيفة البريطانية.
وبحسب الوثائق، فقد تكون أكثر مشتريات الملك فخامة - وبالتأكيد أغلاها ثمناً - هي ممتلكات شاسعة على قمة منحدر على ساحل ماليبو بكاليفورنيا، فيما يوصف بأنه "قصر هائل" يحتوي على 26 غرفة مطلة على طول الساحل.
وبحسب موقع بي بي سي العربي فإن السجلات العامة تشير إلى أن الملك عبد الله اشترى عدة مبانٍ في أغسطس 2014 مقابل 33,5 مليون دولار من قبل شركة Nabisco Holdings SA، وهي شركة تتخذ من الجزر العذراء البريطانية مقراً لها، فيما قيل وقتها بأنه سعر قياسي للعقارات في المنطقة، ثم استحوذ الملك على عقارين مجاورين. وفي العامين الماضيين، استحوذ الملك عبد الله على ثلاث وحدات سكنية في واشنطن العاصمة بمبلغ إجمالي قدره 13,8 مليون دولار.
الديوان الملكي ينفي
لكن الديوان الملكي الاردني قال في بيان له إن المعلومات التي نشرت استناداً إلى "وثائق باندورا" بشأن عقارات الملك عبد الله الثاني "غير دقيقة" و"مغلوطة" معتبراً أن نشر عناوينها يشكّل "تهديداً لسلامة الملك وأسرته". وأفاد البيان: "احتوى بعضها (التقارير) معلومات غير دقيقة، وتم توظيف بعض آخر من المعلومات بشكل مغلوط، شوه الحقيقة وقدم مبالغات وتفسيرات غير صحيحة لها"، مضيفاً أن "ما قامت به بعض وسائل الإعلام من إشهار لعناوين هذه الشقق والبيوت هو خرق أمني صارخ وتهديد لأمن وسلامة جلالة الملك وأفراد أسرته". كما أوضح البيان أن الملك تحمّل شخصياً كلفة عقاراته في الخارج.
وبحسب البيان أيضاً، فإن الملك "يمتلك عدداً من الشقق والبيوت في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وهذا ليس بأمر جديد أو مخفي". وأضاف البيان أن الملك يستخدم "بعض هذه الشقق أثناء زياراته الرسمية ويلتقي الضيوف الرسميين فيها، كما يستخدم وأفراد أسرته البعض الآخر في الزيارات الخاصة". وأكد البيان أن "كلفة هذه الممتلكات وجميع التبعات المالية المترتبة عليها تمت تغطيتها على نفقة جلالة الملك الخاصة، ولا يترتب على موازنة الدولة أو خزينتها أي كلف مالية".
في الوقت نفسه، قال محامو الملك: "لم يسيء جلالة الملك في أي وقت من الأوقات استخدام الأموال العامة أو استخدام أي نوع من عائدات المساعدات أو المساعدة المخصصة للاستخدام العام ... مصلحة بلاده ومواطنيها في جميع الأوقات ".
وبحسب الصحفي الأردني مصعب الشوابكة، فإنه وقبل نشر التحقيق والوثائق التي تشير إلى أنشطة الملك عبد الله المالية، قام أغلب مزودي خدمة الإنترنت في الأردن بحجب موقع الاتحاد الدولي للصحفيين:
صربيا والسعودية ..وأسلحة داعش!
كان من ضمن ما تناولته الوثائق قصة تأسيس شركة Larkmont Holdings Limited في "جزر العذراء البريطانيّة" في 13 كانون الأول/ ديسمبر 2016 والتي تشير الأوراق إلى أن مديرها هو السعودي محمد بن عبد الكريم الحسن.
وبحسب التحقيق المنشور على موقع اريج، فإن الشركة تأسست بعد أقل من عام واحد من شن التحالف العربي "عاصفة الحزم" ضد جماعة "أنصار الله الحوثي" في اليمن، وأن من أنشطة الشركة شراء أسلحة من شركة "ّGIM" وهي شركة صربية مملوكة لوالد وزير الدفاع الصربي نيبويسا ستيفانوفيتش، لكن مجموعة من تلك الأسلحة وصلت إلى يد تنظيم "داعش" الإرهابي في اليمن.
وتشير الوثائق إلى أن الحسن عندما سجل كمدير للشركة سجل عنواناً له، تبين بعد تدقيق وفحص أنه عنوان شركة عسكريّة سعوديّة تدعى "ريناد الجزيرة Rinad Al Jazeera LLC"، ومقرها الرياض، لكن تمّ وقف موقع الشركة خلال فترة العمل على التحقيق.
وكان العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز قد أصدر في الأول من أيلول/ سبتمبر 2020، أمراً بإعفاء الأمير فهد بن تركي بن عبد العزيز من منصبه كقائد لقوات التحالف في اليمن، وإعفاء نجله عبد العزيز، نائب أمير منطقة الجوف، وتحويلهما للتحقيق بتهمة تعاملات ماليّة مشبوهة، بعد بلاغ مقدم ضدهما من وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، وكان من بين الأسماء الذين شملهم الأمر الملكي أربعة سعوديين في وزارة الدفاع السعوديّة، من بينهم محمد بن عبد الكريم الحسن ويوسف بن راكان بن هندي العتيبي.
مشاهدة الفيديو56:00
السلطة الخامسة - دهاليز الأموال الخفية: من الفقير إلى الغني
وبحسب ما جاء في التحقيق، تظهر صور مأخوذة من ملفات فيديو نشرها تنظيم الدولة في محافظة البيضاء صوراً لأسلحة صربية كانت من ضمن الصفقات التي اشترتها وزارة الدفاع السعوديّة من مصنع "كروسيك" الصربيّة، ومن غير المعروف كيف وصلت تلك الأسلحة إلى التنظيم.
,كان من ضمن صفقة الأسلحة الصربية، تسليم ما يزيد عن سبعة آلاف قطعة عيار 82 ملم من قذائف الهاون M74 (الفوسفور الأبيض) من مصنع كروسيك الصربي موجهة للسعودية بقيمة تتجاوز 217 مليون دولار. وفي تقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست" ووسائل إعلام أخرى، فإن السعودية استخدمت الفوسفور الأبيض في عملياتها في اليمن (وهو من الأسلحة المحرمة دولياً)، وأشارت تلك التقارير إلى أن الولايات المتحدة هي من زودت السعودية بالفوسفور الأبيض، وبناء عليه فربما استعانت السعودية بصربيا لتزويدها بالفوسفور، تحسباً لانتقادات إعلاميّة تستهدف توريد الولايات المتحدة لأسلحة محرمة دولياً إلى السعوديّة، بحسب ما جاء في التحقيق.
ومن غير المعروف إلى الآن ما اذا كانت تهم الفساد التي يتمّ التحقيق فيها مع الأمير فهد بن تركي ونجله والسعوديين الأربعة -بما فيهم الحسن- هي بسبب شركات الــ "أوف شور" التي استخدمت في شراء الأسلحة خلال حرب اليمن، خاصة وأن القائمين على التحقيق أكدوا أن وزارة الدفاع السعودية لم ترد على تساؤلاتهم بهذا الشأن.
المغرب والإمارات وقطر في الوثائق
كما كشفت الوثائق السرية أيضاً أن الأميرة المغربية "للا حسناء" - باعتبارها صاحبة إحدى تلك الشركات العابرة للحدود - اشترت منزلًا بقيمة 11 مليون دولار في لندن وبالتحديد في المنطقة الراقية بالقرب من قصر كنسينغتون.
الأميرة المغربية للا حسناء
بحسب الوثائق فإن الأميرة للا حسناء اشترت منزلًا بقيمة 11 مليون دولار في لندن عبر إحدى الشركات العابرة للحدود.
وأجرت الأميرة عملية الشراء بأموال من "العائلة المالكة المغربية" بحسب الوثائق المسربة التي ذكرت أن مهنتها "أميرة". ولم يرد القصر الملكي المغربي على أسئلة وجهها لو ديسك، الشريك الإعلامي للاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين.
كما وتشير الوثائق أيضاً إلى أسماء لشخصيات عربية شهيرة مثل محمد بن راشد آل مكتوم ، رئيس وزراء دولة الإمارات العربية المتحدة وحاكم دبي، وأمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، حيث تقول الوثائق إن الأول يظهر اسمه كمساهم في 3 شركات تقع مقراتها في ملاذات ضريبية وأن الثاني استخدم إحدى شركات (اوف شور) للقيام باستثمارات وإدارة ثروته وحمايتها لصالح عائلته، وأن يخته الخاص والذي يبلغ ثمنه 300 مليون دولار قد تم شراؤه عبر إحدى تلك الشركات.
عماد حسن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى