آخر المواضيع

آخر الأخبار

21‏/10‏/2022

ملف .. نهب وإبادة جماعية وتفجيرات نووية.. أبشع جرائم الاستعمار الفرنسي للجزائر، ولماذا تستمر آثارها لليوم؟

عربي بوست

تم النشر: 2022/07/05 الساعة 17:53 بتوقيت غرينتش

الجيش الجزائري نظم عرضاً عسكرياً بالعاصمة، الثلاثاء هو الأول من نوعه منذ 33 سنة وذلك بمناسبة الذكرى الـ 60 للاستقلال/الأناضول

يعد الاستعمار الفرنسي للجزائر واحداً من أبشع فصول التاريخ الحديث، حيث شهد جرائم إبادة جماعية، ومحاولات لمحو أمة برمتها، وما زالت بعض آثاره قائمة حتى الآن، ورغم مرور 60 عاماً على استقلال الجزائر تواصل باريس محاولات التهرب من الاعتراف بجرائمها أو الاعتذار عنها بل تمجد أحياناً مجرمي الحرب الجزائرية.


وبينما يقدر عدد شهداء حرب تحرير الجزائر بما يتراوح بين مليون إلى مليون ونصف، فإن السلطات الجزائرية ومؤرخين يقولون إن فترة الاستعمار الفرنسي التي استمرت 130 عاماً، شهدت قتلاً بحق قرابة 5 ملايين شخص، إلى جانب حملات تهجير ونهب للثروات‎.


فمنذ بداية احتلال فرنسا للجزائر في  5 يوليو/تموز عام 1830 إلى استقلالها في 5 يوليو/ تموز 1962 كان الاستعمار الفرنسي للجزائر، نموذجاً فجاً لتناقضات الحضارة الغربية التي ترفع شعارات الحرية والمساواة وتؤكد على احتكارها للتحضر، بينما على الأرض، لا تتورع في احتلال الأوطان بذرائع تبدو مثيرة للسخرية، تعقبها مذابح دموية إذا قاومت الشعوب هذا الاحتلال، والأهم أن تناقض الاستعمار الفرنسي الأكبر ظهر في ادعاء باريس أن الجزائر جزء من فرنسا، ومحاولة محو هويتها العربية الأمازيغية الإسلامية، بينما هي في الوقت ذاته تعامل الجزائريين، كبشر من الدرجة الثالثة، وهم يعيشون على أرضهم، بل استغلت موارد بلادهم وجندت شبابهم في جيوشها، وردت الجميل بقتل أهالي هؤلاء الجنود الذين شاركوا في في تحرير باريس من النازيين.


في هذا التقرير نرصد أبرز جرائم ومحطات الاستعمار الفرنسي للجزائر وكفاح الجزائريين ضده.


الذريعة: مشادة بسبب دين فرنسي للجزائر 

كانت بداية الاستعمار الفرنسي للجزائر غريبة ومثيرة للسخرية إلى حد كبير.


فقبل احتلال الجزائر بثلاث سنوات وتحديداً في أبريل/نيسان 1827، وقعت مشادة بين الداي حسين حاكم الجزائر والذي كان تابعاً للعثمانيين ولكنه شبه مستقل، بسبب دَين فرنسي للجزائر ثمن مشتريات قمح، وهو دين كان جزءاً من مساعدة الجزائر لفرنسا أثناء حصار الدول لها بسبب إعلان الثورة الفرنسية.

لوحة تصور حادثة ضرب الداي حسين القنصلَ الفرنسي بيار دوفال/Social Media


القنصل الفرنسي ردّ على الداي حسين رداً غير لائق، فأمره الباشا بالخروج لكن القنصل لم يخرج.

فاعتبر الداي الذي يقود دولة كان أسطولها قبل سنوات يبث الرعب في السفن الغربية التي تسير في البحر المتوسط، أن هذه إهانة له.

لوَّح الباشا العثماني بالمروحة التي كانت في يده وقيل إنه ضربه بها على وجهه، فسميّت هذه الحادثة باسم حادثة المروحة.

وقد اعتبرت فرنسا ذلك بمثابة إهانة، وقررت فرض الحصار البحري على الجزائر.


الاستعمار الفرنسي للجزائر

وفي أكتوبر/تشرين الأول 1827 وقعت معركة نافارين، بين الأسطول العثماني ومعه الأسطولين الجزائري والمصري من جهة، والأساطيل الروسية والبريطانية والفرنسية من جهة أخرى. انهزم العثمانيون في خليج نافارين، وتقهقرت القوة البحرية للأسطول العثماني في الجزائر من بعد تلك المعركة.

وكان الفرنسيون يسعون في ذلك الوقت إلى استعادة هيبة الملكية والتوسع الاستعماري.

ورغم أن الثورة أسقطت حكم أسرة البوربون عام 1830، إلا أن فرنسا واصلت مخططاتها بشأن الجزائر وتم الاحتلال.

المفارقة أن رغم سقوط النظام الملكي وعودة الحكم الجمهوري الذي يفترض أنه امتداد للثورة الفرنسية التي تروج للمساواة بين البشر، لم توقف باريس خططها لغزو الجزائر، فشعارات الثورة الفرنسية عن الإخاء والمساواة والحريات، كانت دوماً حكراً على الفرنسيين فقط، بل حتى للنخبة الباريسية المتحدثة بالفرنسية التي قضت على تنوع فرنسا الثقافي واللغوي، وفرضت اللغة الفرنسية عليها وأرادت أن تفعل ذلك في الجزائر.

وفي 5 يوليو/تموز عام 1830، سلم الداي حسين حاكم الجزائر مدينته للقوات الفرنسية ليبدأ الاحتلال الفرنسي للبلاد، والذي انتهى في 5 يوليو/تموز عام 1962، أي بعد نحو 132 عاماً.


مذبحة بسبب رفض تحويل مسجد إلى ثكنة عسكرية

فور وصول الفرنسيين بدأت مذابحهم ضد الجزائريين، ففي عام 1831، أعطى الجنرال "دو روفيغو" أوامر بقتل 4 الآف جزائري، بعد رفضهم قراره بتحويل مسجد "كتشاوة" إلى مركز عسكري سنة 1831.


وفي عام 1832، وقعت مذبحة قبيلة العوفية، على مشارف الجزائر العاصمة، حيث، كانت تلك القبيلة سابقاً مكلفة بحراسة البرج المحصن الذي أقامه العثمانيون بجوار أراضي هذه القبيلة.


أعطى "روفيغو" الأمر لقواته في ليلة 5 أبريل/نيسان  1832م، بسحق "قبيلة العوفية" وإبادة أفرادها لكونه اشتبه بأنهم تعاونوا مع المقاومين الجزائريين الرافضين للاحتلال الفرنسي.


هجمت القوات الفرنسية على القبيلة في ساعات الفجر، وقتلت منهم عدداً كبيراً، وقطعت رؤوس عدد كبير من رجال القبيلة واقتادت شيخ القبيلة وأعدمته على الملأ.


الأمير عبد القادر الجزائري يؤسس إمارة مقاومة للاحتلال

بدأت أسوأ أيام فرنسا بعد احتلالها للجزائر، ففي عام 1832، بايع الجزائريون الأمير عبد القادر لقيادتهم ضد الاحتلال، فاتخذ من مدينة المعسكر عاصمة له، وبدأ في تكوين الجيش والدولة، وحقق انتصارات ضد الفرنسيين.


أدت انتصارات عبد القادر إلى إجبار الفرنسيين على إبرام هدنة معه، فكانت اتفاقية تافنا عام 1838 التي اعترفت فيها فرنسا بسيادته على غرب ووسط الجزائر.


وشرع الأمير عبد القادر بعد هذه الاتفاقية في تشكيل حكومة وتنظيم الدولة ومكافحة الفساد.


لكن تلك الاتفاقية كانت فرصة لفرنسا لالتقاط الأنفاس، لتواصل بعد ذلك القتال ضد قوات الأمير عبد القادر. ومع وصول الإمدادات من فرنسا للقوات المتمركزة في الجزائر، سقطت معاقل الأمير عبد القادر واحداً تلو الآخر.


بعد انتهاكها للاتفاقات مع الأمير عبد القادر، بدأت فرنسا عهداً جديداً من الإرهاب الفرنسي في الجزائر، ففي عام 1845، أرسلت فرنسا جنرالاً يدعى "لونوفيل أوبسرفاتور" لإخماد المقاومة التي يقودها الأمير عبد القادر الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي للجزائر.


 كوَّن هذا الجنرال فرقاً خاصة من الجيش الفرنسي كانت مهمتها تدمير ومصادرة الأراضي ونهب المحاصيل والماشية وحرق من لجأوا إلى الكهوف، واتبع طريقة خنق قرى بكاملها، رجالاً ونساء وأطفالاً وشيوخاً.


في خضم انفجار المقاومة الشعبية التي اندلعت بالمنطقة بقيادة "محمد بن عبد الله" الملقب بـ"بومعزة" بجبال الظهرة مطلع سنة 1845 وبعد معركة كبيرة كبَّد فيها الثوار الجزائريون قوات الاحتلال الفرنسي خسائر فادحة، لجأ أفراد من قبيلة "أولاد رياح" من الشيوخ والنساء والأطفال، إلى مغارة في عمق الجبل للاختباء والاختفاء عن أنظار القوات الفرنسية.


وصلت القوات الفرنسية إلى المنطقة وحاصرت المغارة وطلبت من أفراد القبيلة الاستسلام أو الموت اختناقاً بالدخان، وحين رفض الجزائريون الاستسلام، وضع الجنود الفرنسيون أكداس الحطب على باب المغارة، وأشعلوا النيران بهدف خنق جميع مَن في المغارة.


فكانت نتيجة تلك الجريمة اختناق ما يزيد عن 1600 شخص بينهم نساء وأطفال وشيوخ.


وبعد مقاومة مريرة، اضطر الأمير عبد القادر وأنصاره للاستسلام للقوات الفرنسية عام 1847، بشرط السماح بانتقاله إلى الإسكندرية أو عكا. لكنه نُقل إلى فرنسا وسُجن هناك، ثم قرر زعيم البلاد، لويس نابليون (ابن شقيق نابليون)، لاحقاً إطلاق سراحه، فسافر إلى تركيا عام 1852، ومنها إلى دمشق عام 1855. 


 باريس لم تستطع إقناع الفرنسيين باستيطان الجزائر، فجلبت مهاجرين من دول أخرى

كان أحد تناقضات الاستعمار الفرنسي للجزائر، أن باريس قالت إنها ترى في الجزائر بديلاً للمستعمرات التي فقدتها في أمريكا الشمالية لصالح بريطانيا، في حرب السبعة أعوام بين بين عامي 1756 و1763م وكذلك بديلاً لمستعمرة لويزيانا التي باعها نابليون بونابرت للولايات المتحدة بعد الثورة الفرنسية.


ولكن سرعان ما اكتشف الاستعمار الفرنسي للجزائر، أن الفرنسيين ليس لديهم رغبة كبيرة في الهجرة من بلادهم، فهي على عكس باقي الدول الأوروبية فرنسا دولة غنية وكبيرة المساحة ولا تعاني من كثافة سكانية مرتفعة، مثل ألمانيا وإيطاليا وبريطانيا، التي هاجر منها الملايين للأمريكتين وأستراليا.


وبدلاً من أن يجعل ذلك باريس تتخلى عن مشروعها الاستعماري الذي فقد ذريعته، وبدا أنه مكلفاً للغاية بسبب مقاومة الجزائريين الشرسة وطبيعة البلاد الجبلية، فإنها أصرت عليه.


ولجأت فرنسا إلى جلب مهاجرين أوروبيين غير فرنسيين، خاصة من المزارعين والأيدي العاملة من جنوب إيطاليا وإسبانيا وبصورة أقل فرنسا، إلى الجزائر، ومنحتهم الجنسية الفرنسية. وصادرت السلطات الاستعمارية أراضي القبائل والقرى والأوقاف وأعادت توزيعها على المهاجرين.


كان جزء من إصرار فرنسا على استعمار الجزائر، هو "الأنا الاستعمارية الفرنسية" التي تريد أن يكون لها مستعمرات بسبب كبريائها القومية، في مواجهة خسائرها أمام الإمبراطورية البريطانية، فهزائم باريس أمام لندن دفعتها لمحاولة احتلال البلاد الأضعف، وكان الدافع الاقتصادي أقل لدى الفرنسيين مقارنة بالإنجليز، الذين احلتوا بلاداً كبيرة وغنية ذات موقع مهم، وسهل السيطرة عليها جغرافياً، مثل الهند وأستراليا، ومصر، بينما تركوا للفرنسيين البلاد الأصعب في السيطرة عليها مثل دول المغرب العربي.


وكانت إحدى مفارقات الهوس الفرنسي بالمستعمرات أنه بعد أن احتل الألمان فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية، كان قادة فرنسا أحرص على استمرار المستعمرات تحت السيطرة الفرنسية أكثر من اهتمامهم بتحرير باريس من الهيمنة النازية، لدرجة أن حكومة فيشي في تبريرها لاستمرار التعاون مع النازيين كانت تقول إنه بهدف التصدي للمطامع البريطانية في المستعمرات الفرنسية، بينما كان الضباط الألمان يواعدون الفتيات الباريسيات أسفل برج إيفل.


بعد المذابح نهبت الثروات ونزعت الأراضي 

احتلت فرنسا مدينة الجزائر في 5 يوليو/تموز 1830، واستغرقت السيطرة على عموم البلاد نحو 70 سنة، وفي فترة السيطرة الكاملة، جرت للبلاد عمليات نهب واسعة وإقامة نظام عنصري طبقي يعامل الجزائريين بطريقة لا آدمية.


وكان رهان الفرنسيين أن الجزائريين سوف ينقرضون جراء خليط الإبادة والتجويع والتهميش مثلما حدث للهنود الحمر في أمريكا الشمالية، ولكن هذا لم يحدث.


فرض الاستعمار الفرنسي نهباً ممنهجاً لخيرات وثروات الجزائر خلال سنوات الاحتلال


فما ما تم نهبه عند احتلال الجزائر يعادل 80 مليون فرنك، بحساب ذلك الزمن وقد يتعدى اليوم، 80 مليار دولار، وبعض الفرنسيين قدروه بـ180 مليار دولار.


فبمجرد احتلال الجزائر نهبت فرنسا الكثير من الأموال على غرار الكنوز المسلوبة من قصر الإمارة بمنطقة "باب الجديد" بالعاصمة.


كما أن اكتشاف النفط عام 1956 واستغلال مناجم الذهب والحديد والفحم ومختلف المعادن كانت في خدمة الاقتصاد الفرنسي انطلاقاً من أرض الجزائر.


تأميم الأوقاف الإسلامية وإلحاقها بالأملاك الفرنسية

بعد أن دخل الاستعمار الفرنسي الجزائر اكتشف الثروة المتمثلة في الأوقاف (مدارس ومساجد وزوايا وجامعات تقليدية آنذاك)، والتي توفر مصدر تمويل مهماً ولذلك قرر تأميمها، في مارس/آذار 1843، وإلحاقها بإدارة الأملاك الفرنسية، حسب الباحث وأستاذ تاريخ الجزائر بكلية الإعلام بجامعة الجزائر الحكومية عيسى بن عقون في حديث لوكالة "الأناضول".


وجاء قرار السلطات الفرنسية مخالفاً لمعاهدة استسلام الداي حسين في 5 يوليو/تموز 1830، التي نصت على عدم المساس بالمقدسات الإسلامية واعتبار الأوقاف حرمة مقدسة لا يجوز التعدي عليها واحترام أملاك الجزائريين.


أصحاب الأرض يصبحون تابعين للمستوطنين

بحلول عام 1871 أصدرت فرنسا الاستعمارية أحد أسوأ قوانينها ظلماً بالجزائريين، وهو قانون الأهالي "السكان الأصليين".


ومن أهم ما نص عليه القانون هو جعل سكان الجزائر الأصليين تابعين للمستعمرين سواء كانوا فرنسيين أو أوروبيين.


كما نجم عن القانون تبعات أخرى وهي تمليك الأراضي الزراعية الخصبة للمستوطنين الأوروبيين الذين قدموا من فرنسا وإيطاليا وإسبانيا ومالطا.


هذا القانون جعل الجزائريين يعملون لدى المستعمرين وفق ما يعرف محلياً بـ"الخماس"، ومعناه أن الجزائري لا يأخذ من محصول الأرض التي يخدمها هو سوى خمس الإنتاج.


وحتى تنقلات الجزائريين الذين صار يطلق عليهم تسمية "الأهالي" أصبحت مقننة وتقتضي تراخيص من السلطات الاستعمارية.


واستمر العمل بقانون الأهالي وما نجم عنه من استغلال ونهب للثروات ومصادرة الأراضي الزراعية وطرد وتهجير السكان الأصليين إلى الأراضي القاحلة والجبلية، حتى عام 1945.


كما أصدرت السلطات الاستعمارية في الجزائر قانوناً عام 1870 يعرف بـ "قانون كريميو" فصلت بموجبه الجزائريين (السكان الأصليين) عن يهود الجزائر الذين منحتهم الجنسية الفرنسية، ونجم عنه امتيازات عديدة للجالية اليهودية، خصوصاً في المجال التجاري.


 خلال الحرب العالمية الأولى حارب جنود من الجزائر والمغرب وتونس إلى جانب الفرنسيين. أرسلت الجزائر 173000 رجل، يمكن تقييم شجاعتهم من خلال حقيقة أن 25000 فقدوا حياتهم.


وخلال الحرب العالمية الثانية، كانت قوات المشاة في جيوش فرنسا الحرة التي يقودها الجنرال شارل ديغول، تعتمد بشكل كبير على جنود المستعمرات، وكان ربع جنود الفرقتين المدرعة الأولى والثانية من المغرب العربي، والفرقة الثانية المدرعة هي التي حررت باريس.


تظهر سجلات الحملة الإيطالية أن كلاً من فرقة المشاة الجزائرية الثالثة وفرقة المشاة المغربية الثانية كانتا مكونتين من 60% من المغرب العربي، و40% أوروبيين.


فرنسا تقتل 45 ألفاً في يوم احتفالها بالانتصار على النازية

في مارس/آذار عام 1943، قدم القيادي الجزائري فرحات عباس بيان الشعب الجزائري للإدارة الفرنسية، ووقع عليه 56 من القيادات الجزائرية والدولية. وطالب البيان بدستور يضمن مشاركة فورية وقانونية ومساواة للجزائريين.


في يوم 8 مايو/أيار 1945، وهو اليوم ذاته الذي وصلت فيه أنباء استسلام ألمانيا النازية، وقعت مذبحة كبرى في مدينة سطيف الجزائرية راح ضحيتها 45 ألف شخص، وكانت شرارة الثورة الجزائرية.


بدأت القصة في مدينة سطيف وهي من أهم مدن الشرق الجزائري، عندما تم التخطيط للاحتفال بسقوط قوات المحور في الحرب العالمية الثانية، ومن ضمن هذا الاحتفال تم التخطيط لرفع أعلام دول الحلفاء وأبرزها: (الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، والاتحاد السوفييتي، والصين، وفرنسا، وبولندا، وكندا وغيرها).


كانت هذه الاحتفالية فرصة لمؤيدي حزب الشعب الجزائري الوطني الذي أسسه مصالي الحاج في العام 1937، من أجل رفع العلم الجزائري في الاحتفال؛ للفت الأنظار إلى مطالبهم بشأن استقلال الجزائر عن فرنسا.


لكن السلطات الفرنسية حظرت تماماً أي عرض قومي للجزائريين في الاحتفالات، لكنّ شاباً يبلغ من العمر 26 عاماً فقط يدعى "بوزيد سعال"، أبى إلا أن يرفع العلم الجزائري، فقام شرطي يدعى "أوليفيري" بإطلاق النار عليه وإردائه قتيلاً، وهي اللحظة التي باتت بمثابة إعلان رسمي باندلاع الانتفاضة الجزائريّة بوجه الفرنسيين، وفقاً لما ذكره موقع History of Yesterday التاريخي.

 

أثارت حادثة مقتل بوزيد سعال سخط الجزائريين في سطيف وباقي المدن الجزائرية، بدأ الناس بالخروج في المظاهرات واتسعت رقعتها فتحولت إلى انتفاضة شعبيّة كاملة، كما انقلب حشد غاضب على البعثة الفرنسية وقتلوا قائدها.


تم إرسال الجنرال ريموند دوفال مصحوباً بقوة عسكرية كبيرة لقمعها لوأد الانتفاضة، وعلى مدار عدّة أيام نفذ الاستعمار الفرنسي وميليشياته عمليات قتل جماعية، بحق الجزائريين، في عدة مناطق، ولم تستثنِ الأطفال ولا النساء ولا كبار السن، وفقاً لتقرير لـ"وكالة الأنباء الجزائريّة".


أعدمت القوات الفرنسية كثيراً من المدنيين عن طريق إطلاق النار عليهم من مسافة قريبة، بينما نُقل آخرون في شاحنات ليتم دفعهم إلى الوديان، أو إخراجهم من المدن وإعدامهم قبل حرق جثثهم، ومن ثم دفنهم في مقابر جماعية، واستخدم الفرنسيون أيضاً الأفران؛ للتخلص من جثث الضحايا.


كما استخدمت فرنسا المدفعية الثقيلة للقضاء على المقاومة، وأدخلت عقب ذلك الطائرات الحربية التي حولت سطيف إلى ركام مرسلة عليها 41 طناً من القنابل، وبالنهاية دخل المشاة إلى المنطقة لتنظيفها من الأحياء.


شكلت المذبحة صدمة للجزائريين، وكان بعض الجنود الذين شاركوا في تحرير فرنسا، قد عادوا ليجدوا أهاليهم قد ذُبحوا على يد البلد الذي قاتلوا من أجله.


كيف اندلعت الثورة؟

ظلت نيران الثورة التي أشعلتها مذبحة سطيف كامنة، إلى أن حانت اللحظة المناسبة في عام 1954 عندما انتشرت أخبار في الجزائر عن تعرض الفرنسيين لهزيمة ساحقة في ديان بيان فو، على يد الفيتناميين وأنها بدأت تنسحب من مستعمراتها في جنوب شرقي آسيا، ما أعاد للجزائريين تطلعاتهم القديمة إلى الاستقلال.


بدأت حرب الاستقلال في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني عام 1954، وتفاجأ الاستعمار الفرنسي بتوقيت وسرية تحضيرات الثورة الجزائرية، من قبل القادة الستة للثورة الجزائرية الذين أشرفوا على التحضير للعمل المسلح"، وهم مصطفى بن بولعيد، مراد ديدوش، كريم بلقاسم، رابح بيطاط، العربي بن مهيدي ومحمد بوضياف.


واجهت فرنسا الثورة بمزيد من العنف، وارتفع عدد القوات الفرنسية في الجزائر ليصل إلى نحو 400 ألف جندي بحلول عام 1956.


الاستعمار الفرنسي للجزائر

جرائم فرنسا تواصلت حتى نيل الجزائر لاستقلالها/رويترز

تحولت حرب استقلال الجزائر إلى معركة أيقونية للعالم العربي، بل للعالم الثالث كله، ودعمت العديد من الدول العربية الجزائر خاصة دول المغرب العربي ومصر، حيث كان أحد أسباب انخراط فرنسا في العدوان الثلاثي مع بريطانيا وإسرائيل ضد مصر هو مساندة القاهرة بقيادة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر للثورة الجزائرية.


وفي فبراير/شباط عام 1959، بات شارل ديغول قائد المقاومة ضد النازية رئيساً للجمهورية الفرنسية الخامسة.


وفي سبتمبر/أيلول من نفس العام، تحدث ديغول عن حق تقرير المصير للجزائريين، وهو ما اعتبره المستوطنون الفرنسيون خيانة لهم، فقاموا بتمرد في الجزائر، مدعوم من بعض وحدات الجيش الفرنسي. إلا أن التمرد فشل، ومثّل ذلك نقطة تحول في الموقف الرسمي الفرنسي.


 وفي مايو/أيار 1961، انطلقت محادثات إيفيان بين الحكومة الفرنسية وجبهة التحرير، وأسفرت عن اتفاقات إيفيان، والتي حددت مهلة ثلاث سنوات يختار بعدها الأوروبيون بين الجنسية الجزائرية أو يعتبرون غرباء.


وفي الثالث من يوليو/تموز عام 1962، تم توقيع مرسوم استقلال الجزائر، غير أن جبهة التحرير أقرت الخامس من يوليو/تموز يوماً للاستقلال لمسح ذكرى الاحتلال من التاريخ، حسبما ورد في تقرير لموقع "بي بي سي" عربي.


آثار جرائم الاستعمار الفرنسي للجزائر ما زالت قائمة

ولكن ما زالت بعض آثار جرائم الاستعمار الفرنسي للجزائر قائمة حتى الآن، إذ يعتقد أن نفايات نووية وبقايا تجارب ذرية أجرتها فرنسا مدفونة في الجزائر، ولا يعلم أحد مواقعها سوى الجيش الفرنسي، الذي يرفض تسليم مواقعها للسلطات الجزائرية.


وأجرت فرنسا، في "الصحراء الجزائرية بين عامي 1960، 1966، نحو 57 تفجيراً واختباراً نووياً". حسبما ذكرت مجلة مصادر تاريخ الجزائر المعاصر (حكومية)، في عددها الصادر في 2019.


وتمت بعض التفجيرات بعد الاستقلال في 1962، وغير معروف إن كان ذلك تم في إطار اتفاق أم أن فرنسا استغلت ضعف الدولة الجزائرية آنذاك.‎


وواحد من أكثر تداعيات الاستعمار الفرنسي للجزائر المستمرة حتى اليوم، والتي لا يتم التركيز عليها، هو تدمير فرنسا لقيادة المجتمع الجزائري الطبيعية، وعرقلتها لإنشاء طبقة وسطى جزائرية، كما أن ضراوة الاحتلال أدت إلى عسكرة المجتمع الجزائري عبر المقاومة الشعبية، وأدت هذه العوامل لتعثر عملية بناء البلاد بعد الاستقلال، وضاعف من تأثير ذلك ظهور النفط الذي جعل الجزائر مع غياب طبقة تجار وطبقة وسطى واسعة، تعتمد على القطاع العام بدون إدارة اقتصادية سليمة، مع سيطرة العسكريين على الحكم، مما أدى إلى تدهور أوضاع البلاد اقتصادياً وسياسياً.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى

ADDS'(9)

ADDS'(3)

 


-

اخر الموضوعات

مدونة افتكاسات سينمائية .. قفشات افيهات لاشهر الافلام

مدونة افتكاسات للصور ... مجموعة هائلة من اجمل الصور فى جميع المجالات

مدونة افتكاسات خواطر مرسومة.. اقتباسات لاهم الشعراء فى الوطن العربى والعالم

مدونة لوحات زيتية ..لاشهر اللوحات الزيتية لاشهر رسامى العالم مجموعة هائلة من اللوحات

من نحن

author ‏مدونة اخبارية تهتم بالتوثيق لثورة 25 يناير.الحقيقة.مازلت اسعى لنقلها كاملة بلا نقصان .اخطئ لكنى منحاز لها .لايعنينى سلفى ولا مسلم ولا اخوان يعنينى الانسان،
المزيد عني →

أنقر لمتابعتنا

تسوق من كمبيوتر شاك المعادى